دراسة التوجهات الدولية في العلوم والرياضيات والمعروف ب TIMSS    هوكشتاين من بيروت: ألغام أمام التسوية    أمير تبوك: «البلديات» حققت إنجازاً استثنائياً.. ومشكلة السكن اختفت    فيصل بن فرحان يبحث المستجدات مع بلينكن وبالاكريشنان    السواحة: ولي العهد صنع أعظم قصة نجاح في القرن ال21    «الوظائف التعليمية»: استمرار صرف مكافآت مديري المدارس والوكلاء والمشرفين    «الشورى» يُمطر «بنك التنمية» بالمطالبات ويُعدّل نظام مهنة المحاسبة    تحت رعاية خادم الحرمين.. «سلمان للإغاثة» ينظم المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة.. الأحد    نائب أمير جازان يطلع على جهود تعليم جازان مع انطلاقة الفصل الدراسي الثاني    السعودية ترفع حيازتها من سندات الخزانة 1.1 مليار دولار في شهر    التزام سعودي - إيراني بتنفيذ «اتفاق بكين»    مصير «الأخضر» تحدده 4 مباريات    المملكة تتسلّم علم الاتحاد الدولي لرياضة الإطفاء    دعوة سعودية لتبني نهج متوازن وشامل لمواجهة تحديات «أمن الطاقة»    خيم نازحي غزة تغرق.. ودعوات دولية لزيادة المساعدات    القافلة الطبية لجراحة العيون تختتم أعمالها في نيجيريا    فيتو روسي ضد وقف إطلاق النار في السودان    المملكة تؤكد خطورة التصريحات الإسرائيلية بشأن الضفة الغربية    يوم الطفل.. تعزيز الوعي وتقديم المبادرات    ياسمين عبدالعزيز تثير الجدل بعد وصف «الندالة» !    تحالف ثلاثي جامعي يطلق ملتقى خريجي روسيا وآسيا الوسطى    تسريع إنشاء الميناء الجاف يحل أزمة تكدس شاحنات ميناء الملك عبدالعزيز    22 ألف مستفيد من حملة تطعيم الإنفلونزا بمستشفى الفيصل    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود الجمعيات الأهلية    العامودي وبخش يستقبلان المعزين في فقيدتهما    فرص تطوعية لتنظيف المساجد والجوامع أطلقتها الشؤون الإسلامية في جازان    أمير القصيم يستقبل السفير الأوكراني    سهرة مع سحابة بعيدة    الرومانسية الجديدة    واعيباه...!!    الشؤون الإسلامية في جازان تقيم عدد من الفعاليات التوعوية والتثقيفية وتفتح فرصاً تطوعية    «قمة الكويت» وإدارة المصالح الخليجية المشتركة!    العصفور ل«عكاظ»: التحولات نقطة ضعف الأخضر    إدارة الخليج.. إنجازات تتحقق    في مؤجلات الجولة الثامنة بدوري يلو.. النجمة في ضيافة العدالة.. والبكيرية يلتقي الجندل    نجوم العالم يشاركون في بطولة السعودية الدولية للجولف بالرياض    25% من حوادث الأمن السيبراني لسرقة البيانات    أرامكو توسع مشاريع التكرير    ثقافات العالم    سفارة كازاخستان تكرم الإعلامي نزار العلي بجائزة التميز الإعلامي    المعداوي وفدوى طوقان.. سيرة ذاتية ترويها الرسائل    القراءة واتباع الأحسن    جمع الطوابع    تعزيز البنية التحتية الحضرية بأحدث التقنيات.. نائب أمير مكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية    صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين.. استضافة 1000 معتمر من 66 دولة    وطن الطموح    كلب ينقذ سائحاً من الموت    مراحل الحزن السبع وتأثيرتها 1-2    الاستخدام المدروس لوسائل التواصل يعزز الصحة العقلية    تقنية تكشف أورام المخ في 10 ثوانٍ    نائب وزير الدفاع يلتقي وزير الدولة لشؤون الدفاع بجمهورية نيجيريا الاتحادية    نائب أمير مكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي    محافظ الطائف يستقبل الرئيس التنفيذي ل "الحياة الفطرية"    مجمع الملك فهد يطلق «خط الجليل» للمصاحف    أمير تبوك يستقبل المواطن ممدوح العطوي الذي تنازل عن قاتل أخيه    سلطنة عمان.. 54 عاماً في عز وأمان.. ونهضة شامخة بقيادة السلطان    163 حافظا للقرآن في 14 شهرا    لبنان نحو السلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الله عبد الجبار النهضوي العروبي ورائد النقد الأدبي السعودي.. وداعاً
عاش للحرف وانشغل به عن دنياه
نشر في الجزيرة يوم 10 - 05 - 2011

يواصل الأدباء والمثقفون نعيهم للفقيد الكبير عبدالله عبدالجبار معددين جوانب ربما لم تكشف إلا للمرة الأولى من شخصيته التي تألف وتؤلف ونظافة يده وعفته وحرصه على مجتمعه ونهضته.
- بداية يعبر محمد عبدالرزاق القشعمي عن حزنه العميق ويروي اللحظة التي تلقى فيها نبأ وفاة الأديب الكبير، يقول القشعمي:
كنا مجموعة مختارة من الوسط الثقافي نحتفل مع المجلة العربية في مقرها المتجدد برعاية معالي وزير الثقافة والإعلام وبجو من الفرح والابتهاج الذي يضفيه رئيس تحريرها د. عثمان الصيني وزملاؤه في المجلة نقل لي د. عبدالله الحيدري نبأ وفاة الرائد عبدالله عبدالجبار بقوله: هل ستكتب عنه؟ فقلت ما المناسبة؟ فقال: إني قد سمعت بوفاته مغرب هذا اليوم السبت 4-6-1432ه. فوقع هذا الخبر وقعه السيء في نفسي رغم معرفتي بمرضه فترحمت عليه، وبعد عودتي للمنزل حاولت أن أنام لأصحو مبكراً كالعادة ولكني لم أستطع فشريط الذكريات مع المرحوم المتواصل الذي لا يريد أن ينتهي طرد عني النوم. فتذكرت ما كان يقوله عنه زميله في المعهد السعودي بمكة المكرمة الأستاذ عبدالكريم الجهيمان عندما كانا يدرسان فيه نهاية الخمسينات الهجرية الثلاثينات الميلادية، فأستاذنا الراحل الكبير الأستاذ عبدالله عبدالجبار القادم من القاهرة بعد تخرجه من دار العلوم وبقائه في أرض الكنانة فترة دراسته ومعاصرته لكوكبة، وعند عودته تولى تدريس الأدب العربي في المعهد ومدرسة تحضير البعثات التي كان يديرها الرائد أحمد العربي إلى جانبه كان أستاذنا الجهيمان يدرس العلوم الدينية ولم يخرج من المحيط الجغرافي المحدود بنجد والحجاز وبحكم تربيته الدينية المحافظة فكان كما يقول متشدداً ففي طريقه من منزله للمعهد أو المسجد الحرام كان يمر ببعض المقاهي والحوانيت التي يوجد بها أجهزة الراديو فكان منها ما يذيع الأحاديث ومنها ما يذيع الأخبار والأغاني والموسيقا فكان لا يتورع من سد أذنيه عند سماعه لشيء من تلك الأغاني خشية أن يلحقه الإثم ويعاقبه الله عليها.
كان عبدالله عبدالجبار منفتحاً على المذاهب الأدبية الحديثة ومطلعاً على مدارسها المتعددة فكان لا بد أن يقع بين الزميلين ما يشوب علاقتهما بشيء من الفتور وحتى النفور مما حمل الجهيمان إلى حمل الموضوع على مديرهم أحمد العربي بأن العبد الجبار يدرس طلبته شيئاً من شعر المجون والتحلل خصوصا وقد جاءهم الأخير من مصر، وقد تخلص من شعر وجهه مما حمل الجهيمان على تأليف رسالة طبعها مدير المعهد في مصر عنوانها: (حوار بين ذي لحية ومحلوقها) هي أول مؤلفاته العديدة. تفرقت بهم الأيام وتباعدت لما لا يقل عن ستين عاما وفي عام 1419ه سمع الأستاذ عابد خزندار برغبة أستاذنا الجهيمان التي نقلها لي بالسفر إلى جدة للسلام على المبدع عبدالعزيز مشري عند عودته من الرحلة العلاجية من أمريكا وعندما علم الخزندار اتصل بي وطلب أن نكون بضيافته مدة بقائنا في جدة لما يربط الاثنين الجهيمان والخزندار من علاقة وثيقة طوال سنتي 84-1386ه إذ كانت إقامتهما محدودة في حيز جغرافي واحد التي قال عنها الجهيمان -الضيافة- وقال عنها الخزندار.. رحلة إلزامية.
اشترط الجهيمان لقبوله دعوة صديقه أن يزور معه زميله القديم العبد الجبار فوافق على الفور. وصلنا جدة حيث كان باستقبالنا وعلى الفور اتجهنا إلى منزل العبد الجبار في حي الأمير فواز وكانت جدة وقتها تعوم على بحيرة بسبب الأمطار وقفنا بباب منزل العبد الجبار فسحب الخزندار خيطا في وسطه فانفتح الباب وإذا بالأستاذ العبد الجبار ينظر لنا من خلف زجاجة فنهض مسرعاً لاستقبال صديقه في المدخل فاحتضنه بشوق عارم وكنت مع الخزندار نتعجب من عمق هذه العواطف وصدقها فتمنيت لو كان معي كمرة لتسجيل هذه اللقطة أو هذا الموقف الحميم، كان كل منهما يعتذر للآخر لطول أيام الفراق ولما بدر من الجهيمان عندما كانا زميلين في المعهد السعودي قبل ستين عاماً فرد عليه العبد الجبار.. سامحتك من زمان فتاريخك وإنتاجك يشفع لك.
كنت وقتها أعمل في مكتبة الملك فهد الوطنية وكان د. يحيى بن جنيد (الساعاتي) يحظني على التعرف على العبد الجبار ومحاولة إقناعه بالتسجيل ضمن برنامج التاريخ الشفهي للمملكة وطلب مني أن أستعين بأحد أصدقائه مثل د. عباس صالح طاشكندي أو الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين فهما من أقرب من يتواصل معه وعرفت فيما بعد أن الناقد الأخ حسين با فقيه على علاقة وطيدة به فطلبت من أحدهم أن يتوسط لي معه.. وكان هذا اللقاء مفتاح خير إذ أهداني نسخة مصورة من كتابه ذائع الصيت: التيارات الأدبية في قلب الجزيرة العربية. بجزئيه المطبوع والمخطوط وهو الذي كان يضم محاضراته التي كان يلقيها على طلبة المعهد العالي الدبلوماسي بجامعة الدول العربية بالقاهرة وطبعت منه الجزء الأول عن الشعر عام 1959م ولقي صدى واسعاً إذ كان هو أنفس وأشمل دراسة نقدية تناولت الأدب العربي بالمملكة شعراً ونثراً.
بعد عام ونصف العام وبالتحديد في شهر محرم 1421ه دعى أستاذي عبدالكريم الجهيمان لتكريمه في اثنينية الوجيه عبدالمقصود خوجة بجدة فرافقته وكان حريصاً على زيارة ثلاثة أشخاص هم عبدالعزيز مشري وعبدالله عبدالجبار والفنان غازي علي لكونه يعرف عنهم أنهم لا يخرجون من بيوتهم إلا للضرورة كعلاج ونحوه. تمت زيارة الاثنين أما الثالث المشري رحمه الله فقد كان في أيامه الأخيرة في المستشفى وقد منعت زيارته حيث فارق الحياة بعد أيام.
كنت في زيارة سابقة للمشري الذي تمنى زيارة العبد الجبار وعندما نقلت له هذه الرغبة أبى وقال هو أحق بالزيارة نظراً لوضعه الصحي الصعب وكان ذلك بعد عودته من أمريكا حيث قطعت أرجله وتمكن منه المرض من فشل كلوي إلى فقد للبصر وغيرها وعندما علم المشري بما قاله العبد الجبار رفض أن يكلف عليه وهكذا رحلا إلى الدنيا الآخرة دون أن يرى أحدهما الآخر.
كنت في زيارة للعبد الجبار حيث رغبت في التسجيل ضمن برنامج التاريخ الشفهي للمملكة وكنا في إحدى ليالي رمضان فأصر علي مشاركته السحور وهكذا استمر التسجيل معه حوالي ثلاث ساعات بدأها بطفولته وبداية تلقيه العلم بمكة ثم المدرسة الفخرية في العهد العثماني وكان من أوائل البعثات الطلابية التي أرسلها الملك عبدالعزيز للقاهرة حتى عودته للقاهرة في أوسط الستينات الهجرية الأربعينات الميلادية مشرفاً على البعثات الطلابية السعودية هناك وعن صالونه الأدبي بالقاهرة مساء كل جمعة وبما يطرح فيه من مواضيع أدبية وعن أبرز من يحضره بشكل مستمر مثل حمزة شحاتة وعابد خزندار حيث كان طالباً بكلية الزراعة بجامعة القاهرة فكان الخزندار يذهب لحمزة شحاتة ليرافقه إلى منزل العبد الجبار فيركبان المواصلات (الحافلة) إلى السوق ليشتريا متطلبات الغداء ومنها السمك.
كان عابد خزندار يتحرج من سؤال حمزة شحاتة لماذا يحضر للسوق بالحافلة وفي العودة يواصلان طريقهما بسيارة الأجرة فرد عليه حتى لا نضايق الركاب برائحة السمك. تطرق إلى ما واجهه بالسجن بالقاهرة بعد هزيمة 1967م واختياره الذهاب إلى لندن وعيشه بغرفة متواضعة فوق السطوح وكان وقتها يدرس اللغة العربية لبعض أبناء السلك الدبلوماسي العربي وكان بعلمه هذا أول من فكر بفتح مدرسة تدرس اللغة العربية هناك يذكر أنه كان يدرس ابنة الملك حسين التي كانت مع والدتها (نور الحسين) فيما أعتقد وكان بعد ظهر أيام رمضان يرفض البقاء لتناول طعام الإفطار معهم.. بل يعود لغرفته المتواضعة ليعد لنفسه الإفطار.
عودته لجدة وعمله مستشاراً لجامعة الملك عبدالعزيز ولمؤسسة تهامة وقبل ذلك تبرعه بمكتبته بالقاهرة لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة وقد نقلها د. عباس طاشكندي من القاهرة لجدة أثناء الحرب.
كادت أن تسنح الفرصة للمشاركة في إحدى فعاليات نادي مكة الأدبي قبل عامين لولا عارض صحي حال دون ذلك فكنت أتصل بالصديق الأستاذ فاروق بنجر عضو مجلس إدارة نادي مكة الأدبي قبل الموعد راجياً أن تتاح الفرصة أثناء إقامة المناسبة بمكة لزيارة الأستاذ العبد الجبار حيث أصبح يقيم لدى أبناء أخته بعد وفاتها بمكة المكرمة وزيارة الشاعر محمد الثبيتي بالمستشفى.
كنت على اتصال مع أصدقاء ومحبي الأستاذ العبد الجبار ودائم السؤال عنه وكانت لفتة من لفتات الوفاء الصادق التي قام بها الأستاذان محمد سعيد طيب وعبدالله فراج الشريف حيث جمعا وأعادا طبع جميع مؤلفات العبد الجبار ومقالاته وما كتب وما كتب عنه في العام الماضي في سبعة أجزاء وإتاحتها للجميع وزيارة الأستاذ في مكة وتقديم هذا العمل له في حياته مع مجموعة من تلامذته ومنهم معالي الأستاذ أحمد زكي يماني حيث تولى تكاليف الطباعة وكان لي شرف المشاركة في الحصول على بعض مقالاته القديمة في صحافة الأفراد.
رحمه الله رحمة واسعة ولا شك أن فقده خسارة فادحة على الوسط الثقافي والأدبي.
- د. عبد الله عسيلان – رئيس
نادي المدينة المنورة الأدبي:
الأستاذ عبدالله عبدالجبار رائد من رواد الأدب والنقد في المملكة العربية السعودية وله جهود واضحة وله جهود واضحة وملموسة في هذا المجال لقد توصل بعلمه في مجال الأدب والنقد على خارج المملكة وما من أديب أو ناقد له عناية برواد الأدب إلا ويتذكر كتابه التيارات الأدبية الذي يعد مصدراً ومرجعاً أساسياً ومهما في وقته لمن يعد دراسات عن الأدب والنقد في البلاد العربية وتحديداً في المملكة. وهو كاتب مبدع فقدت المملكة بوفاته رائداً من رواد الأدب والنقد في المملكة.
-عبد الله الخشرمي – ا لشاعر المعروف:
عبد الله عبدالجبار قامة استثنائية وريادة حفرت في وجدان الوطن معلما مفصلياً من مفاصل التنوير الذي أسس لقيمة الناقد الاجتماعي قبل الثقافي والوطني قبل التنظيري فكان عبدالله عبدالجبار نتيج وحده في طروحاته النهضوية التي كانت تنشد وطناً متكامل المجتمع المدني بكل ما تعنيه الكلمة
كم أعتز جداً بأن آخر تكريم كرم فيه هذه القامة على مستوى الوطن كان في معرض جدة الدولي للكتاب الذي كنت رئيساً له وأذكر موقفاً لا ينسى لكرامة هذا الطود الشامخ عندما ذهبت إلى منزله لدعوته وإقناعه بالخروج من عزلته وتكريمه في أهم معرض شهدته المملكة سنة 2000م وكان معي سعد الحميدين وحسين بافقيه وبحضور المفكر والأديب عبدالله الشريف الذي كان من أوفى الأوفياء له وفي محاولات صعبة كان الرفض يقابلني في عدم الخروج فقبلت جبينه وقلت أرجو أن لا تردنا لأن الوطن سيكرم في شخصك فتأثر بذلك واستجاب لحضور تكريمه والكرامة العظيمة عندما ودعني عند باب منزله وإذا به يقبل جبيني ويقول يا بني أن لا أحب الدين واحدة بواحدة. كان منهجه عروبيا نهضويا سبق أجيالاً، أقول وبحسرة أن عبدالله عبدالجبار الميت الآن الحي في ذاكرتنا وذاكرة الوطن هو الذي يعزي فينا الأحياء والأموات وكم نحن في حاجة إلى العبد الجبار الرمز والقيمة الحضارية لنستلهم من عطائه.
-د. سهيل قاضي – رئيس نادي مكة الأدبي:
نشعر بالظلمة حين تغيب تلك الشموس التي أضاءت لنا طرق المعرفة وسبل الثقافة، ومسالك الإبداع.. ولقد كان أديبنا الراحل الأستاذ عبدالله عبدالجبار، رحمه الله، واحداً من تلك الشموس التي بنينا في نورها معرفتنا وثقافتنا وحضارتنا.. فكان من أصحاب الفضل الكبير على العديد من الأجيال، وكان له أثر عظيم في التأسيس لفكر راق، وأدب سام، ومعرفة يقظة، ونقد بناء.
ولا شك أن حزننا على مرب قدير وأديب كبير بقامة الأستاذ عبدالله عبدالجبار، ينبع من الأثر الذي تركه، والمنجز الذي صنعه، والوعي الذي نشره، والهدف الذي سعى إليه..
لقد كان فقيدنا -رحمه الله- شخصية تربوية واعية، ونموذجاً فكرياً مستنيراً، وناقداً سابقاً لعصره، وقيمة ثقافية وطنية متميزة..
ولم يقدم الأستاذ عبدالله عبدالجبار على الزواج، لكنه تبنى أجيالاً من المثقفين والأدباء، صنع منهم وبهم شخصيات تنويرية وحضارية أسهمت في حركة الوعي والبناء في مشهدنا التعليمي والثقافي والأدبي المعاصر.
وأمام ما قدّمه الأستاذ عبدالله عبدالجبار من عطاء كبير، كان لا بد لولاة الأمر من تكريمه والاحتفاء به، من خلال مهرجان الجنادرية الحادي والعشرين، حيث كان شخصية المهرجان لعام 2006م، ومنح وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى..
وإن إعادة نشر مؤلفات أديبنا الراحل، ودراسة آثاره، والتعريف بمنجزاته، واجب علينا جميعاً، وبخاصة مؤسساتنا التعليمية والثقافية والأدبية.. ليتعرّف الأجيال، على أولئك الرجال، الذين تحققت على أيديهم وبجهودهم الكثير من الآمال.
- د. محمد العوين:
يستمد الرائد الكبير عبدالله عبدالجبار منزلته الأدبية والفكرية من «جرأته» الفكرية والسياسية لا من كتابته الأدبية الإبداعية. فهو قد كتب القصة الطويلة، أو الرواية القصيرة «أمي» في سلسلة قصص الجيل الجديد، يقدمها للناشئة والشداة تحفيزاً لهممهم ودفعا بهم إلى قيم البر والصلة، ويؤكد على منهجه هذا في قصته الأخرى «العم سحتوت» حيث يبين عن مصارع الشر وسرعة سقوطه وتهاويه، وكذا يفعل في مسرحيته المشهورة « الشياطين الخرس» متلمساً آفاقاً جديدة للرأي. لم يكن عبدالجبار في حجمه الإبداعي القصصي والمسرحي موازياً وزنه السياسي والنقدي المتقدم؛ حيث تجاوزه الروائيون الرواد من صديقه إبراهيم الفلالي؛ بل تتجلى في رؤيته الطليعية النافذة والشفافة والجريئة للبيئة الفكرية والسياسية التي أنتجت وتنتج أدب الجزيرة العربية، فهو حين تصدى للدرس النقدي لأدب بلادنا لم يغفل كما غفل كثيرون غيره عن المحيط الذي يشتغل به المبدعون ويشغل المبدعين أيضاً بهواجس شتى، فكتب مقدمته الشهيرة التي استفتح بها كتابه الرائد «التيارات الأدبية الحديثة في قلب جزيرة العرب» الذي صدر عام 1379ه كاشفاً فيه معيقات الإبداع الفكرية بكل شفافية، وباحثا عن «ميكانيزم» الخمول والقعود، وداعياً إلى التجديد، وحاثاً على مواجهة أسباب هذا القعود ودواعيه، فلاقت محاضراته في قسم الدراسات الأدبية واللغوية في معهد الدراسات العربية العالية بجامعة الدول العربية - نواة هذا الكتاب - صدى واسعاً وعميقاً في نفوس الطلاب والدارسين، وقد عني بدراسة الأدب شعراً ونثراً، وغامر ولأول مرة بتطبيق منهج الدراسات النقدية الحديث الذي كان له ضجيج نقدي آنذاك على الشعر؛ فقسم الشعراء من حيث تناولاتهم إلى تيارات: كلاسيكيين، ورومانسيين، ورمزيين، وواقعيين، فكان الأسبق في الاستعانة بالمدارس الغربية لدراسة الشعر ونقده، وقد لحقه في هذه التجربة بعد سنة واحدة الأستاذ عبدالله بن إدريس بكتابه «شعراء نجد المعاصرون» حيث صدر عام 1380ه بعد صدور كتاب عبدالله عبدالجبار بسنة واحدة.
وكان الناقد الكبير عبدالجبار في جزء كتابه الثاني المتصل بالنثر أكثر جرأة ووعياً وحضوراً نقدياً كثيفاً قائماً على صدق الإحساس بضرورة اتصال الأدب بالواقع اتصالاً عميقاً، فلم يقدم ناشر على طبع هذا الجزء سنين طوالاً، وقد سمعت عن مخطوطة له عند عدد من الشخصيات الأدبية حين كنت أكتب دراستي للماجستير عن «المقالة في الأدب السعودي الحديث» فذهبت إلى القاهرة باحثاً عنه عند المرحوم الأستاذ عبدالحميد مشخص فأفادني أنه سلمه للأستاذ عبدالله الماجد لطباعته في دار المريخ، ولكنني لم أجده لا مخطوطاً ولامطبوعاً عند المريخ، وفوجئت به هدية كريمة من الأستاذ الصديق محمد القشعمي، فاجتهدت في الاستئذان بطباعته حين كنت مديراً للإعلام والنشر في وكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، ولكن التردد والخوف وضعف الإمكانات كل ذلك حال دون طباعته، ثم أكرمني الصديق العزيز محمد باوزير بهدية كريمة كان من ضمنها كتاب ناقدنا الكبير عبدالجبار بجزأيه الشعري والنثري.
لقد كان هذا الأديب الكبير عفاً كريماً صادقاً وطنياً قومياً إنسانياً جريئاً مواجهاً، يحمل رسالته وقضاياه الأخلاقية والوطنية الرفيعة معه أينما حل وارتحل، ولذا ناله سخط غير قليل ممن لم يتثبتوا اتجاهاته النقدية والسياسية، ثم حين تفتحت الأفكار وتسامح الناس واتسعت الثقافة رضي عنه من غضب عليه، وسجن في مصر بوشاية عشرة أشهر بعد نكبة عام 1967م وفر بعدها مهاجراً إلى لندن ليقضي عشر سنوات في شظف من العيش، ثم يعود إلى المملكة عام 1387ه ليعمل في جامعة الملك عبدالعزيز مستشاراً ثم في تهامة كذلك بشفاعة الطيبين أمثال الأستاذ الفاضل المرحوم -بإذن الله- عبدالعزيز الرفاعي، وقد أكرمته المملكة في مهرجان الجنادرية عام 2005م وكرمه الملك فهد رحمه الله بعطايا سخية عن طريق شفاعة أحد تلاميذه الأستاذ إبراهيم العنقري، ولكن ناقدنا الكبير اعتذر عن قبول كل تلك الأعطيات السخية الكريمة شاكراً وفضل أن يعيش مستوراً على الكفاف. وقد أشار تلميذه وصديقه محمد سعيد طيب إلى تفاصيل واسعة لمن أراد الاستزادة في كتابه «السجين 32».
لقد قدم روادنا تجاربهم الفكرية والنقدية وبقي الأصيل والشجاع والدافع للحياة، واندثر ما اندثر مما لا يستطيع البقاء ولا يملك نسغ الحياة، وهي رسالة لمن يعيشون بأقلامهم، ولمن يصفقون للموجة، ولمن يعيشون خلب اللحظة؛ إن الزمن دائما أعدل النقاد وأكثرهم دقة، وأعلمهم بما يفنى ويخلد.
- محمد علي قدس- الأديب والقاص المعروف:
رحم الله أستاذنا ورائدنا عبدالله عبدالجبار..
كان من الرموز القليلة التي تركت أثرها القوي والمؤثر في أدبنا، بل هو الرمز الذي يتمثل به الأدباء والكتاب والمثقفون على مختلف هوياتهم وتوجهاتهم، ويعتبرونه نموذج الأديب الحر الثائر الواعي، كان رحمه الله بحق أستاذ الأدباء وشيخ النقاد..وآخر الرواد الأفذاذ. في زيارة له في منزله بحي الأمير فواز برفقة الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين قبل سنوات، وكنت قد كتبت عنه مع ما كتبت عن الأسماء التي تخلدت في الذاكرة، وستبقى أبد الدهر في عقل كل مفكر ومثقف، فقال، مبدياً اعتراضه على عنوان مقالي، وكان بهذه العبارة (عبدالله عبدالجبار شيخ النقاد)، لم يعترض عليه تواضعاً وقد عرف عنه تواضعه وبساطته وسمو خلقه، لكنه لم يرد أن يكون للنقاد شيخاً، وهل في الأدب عمد وشيوخ؟ ولكني أصررت كما أصر الذين تتلمذوا على أدبه وانتهلوا من علمه وتأثروا بفكره على اعتباره (الشيخ المعلم) بمعنى أنه أستاذ النقاد والأدباء وآخر الرواد. أهداني رحمه الله نسخة مخطوطة من كتابه (التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة) وهو من الكتب التي كانت محظورة من قبل الرقيب وغير متداولة في المكتبات. وكتب لي عليه إهداءه الذي أعتز به (إلى الصديق العزيز القاص المبدع محمد علي قدس مع اعتزازي بصداقته وأدبه..عبدالله عبدالجبار 4ج2 1412ه) وهذا الكتاب من الكتب التي توثق لتاريخ الحركة الأدبية وتوجهاتها في الحجاز ونجد وباقي مناطق الجزيرة العربية، ويتضمن المحاضرات التي ألقاها الأستاذ عبدالجبار في معهد الدراسات العربية العالية بجامعة الدول العربية على طلبة الدراسات الأدبية واللغوية. للفصل الدراسي عام 1959-1960م. وفي هذه المحاضرات تحدث رحمه الله عن النثر الأدبي (القصة والأقصوصة والمقالة) برؤية نقدية أثارت اهتمام الكثير ممن اهتم بتاريخ الأدب السعودي وتياراته.
كان الأستاذ الرائد عبدالله عبدالجبار من أوائل النقاد وكان من أشهر كتبه النقدية مرصاد المرصاد الذي رد فيه على آراء الأستاذ إبراهيم فلالي صاحب المرصاد وفند آراءه النقدية برؤية نقدية واعية بحكمة وشفافية، وكان من أوائل الذين كتبوا الدراما الإذاعية في الخمسينيات الميلادية، ومن الرواد الذين كتبوا المسرحية (الشياطين الخرس) والقصة (أمي). مثل الأدباء السعوديين في مؤتمر الأدباء العرب في بغداد عام 1965م وقدم بحثه الجدلي المثير «الغزو الفكري في العالم العربي».
مما لا شك فيه أننا قد خسرنا رمزاً من رموزنا الأدبية وعلماً من أعلام الفكر في الجزيرة العربية. ومن العلامات البارزة في الفكر العربي. ترك بصمته المؤثرة بفكره وعطائه، وكان له تأثيره في مسيرتنا الأدبية بحيث كرمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مهرجان الجنادرية لعام1427ه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.