لا شك أن الكثير منا قد سمع بأعلى قمة في العالم، قمة جبل إيفرست، وقد تحدثت في مقالٍ سابق (بعنوان «نقطة الموت.. وظاهرة الرجل الثالث») عن هذا الجبل وبعض غرائبه وظواهره، لكن على عِظَم هذا الجبل وارتفاعه، فإنه ليس إلا كمثل بثرة جلدية صغيرة مقارنة بما تحت سطح الأرض. يسهل علينا تجاهل ما تحتنا، وحق لنا، فالغائب عن العين غائب عن البال، ولكن لوتأملنا في عجائب الأرض ومكوناتها وصفائحها لهالنا ذلك. على سبيل المثال، جبل إيفرست يرتفع عن الأرض بمسافة قدرها 8 كيلومترات و840 متراً، لكن أسفل من الجبل ما يلي: أولاً إذا انطلقنا من أصل الجبل المساوي للأرض وأخذنا في الحفر فإننا نمر عبر قشرة الأرض والتي تبلغ من الطول 35 كم، وإذا اجتزنا القشرة فندخل في ما يسمَّى بالدثار وطوله 2855 كم، وتتراوح درجات الحرارة فيه من 500 إلى 900 درجة مئوية، ثم إذا ما واصلنا الحفر فإننا نصل للب الأرض، واللب ينقسم لخارجي وداخلي، فاللب الخارجي هوما نصل إليه أولاً، وسُمكه 2266 كم، ودرجة الحرارة تبدأ من 4400 ثم تزداد سخونة كلمنا تعمقنا، حتى تصل إلى 6100 درجة مئوية قرب الطرف الآخر، حينها نصل لجوهر الأرض ولبها الداخلي، وطول اللب الداخلي 1216 كم، ودرجة حرارته أقل قليلاً من اللب الخارجي. عودةً إلى «مشروع» الحفر الذي قمنا به، عندما نجمع سماكة أوعمق كل من الطبقات السالف ذكرها فإننا نصل إلى عُمق هائل. لتقريب الصورة، لوأخذنا المسافة من سطح الأرض إلى اللب الداخلي وقلبناها بحيث تكون كالجبل، فإن هذا الجبل الجديد يبلغ ارتفاعه 6372 كم، أي أعلى من إيفرست ب708 مرات! ولووُضع هذا بجانب هذا لبدا إيفرست ليس كالبثرة الجلدية فقط بل كحبة تراب، لا يُرى إلا بعدسة مكبرة. نرمق خارج الأرض وداخلها بأبصارنا فنرى الكثير من التعرجات. نرى الهضاب والجبال والسهول والتلال وغيرها. (الفرق بين الجبل والتل يختلف بين الدول وبين علماء الأرض، لكن كتقريب فيمكننا استخدام المقياس الذي يعتمد عليه قاموس أكسفورد، فهويعرّف الجبل أنه يجب أن يكون طوله 610م فما فوق، والأصغر من هذا هو التل، وهذا ما دفع ولاية أوكلاهوما في الولاياتالمتحدة أن تزعم أن تل كافانال في تلك الولاية هو»أطول تل في العالم»، لأن طوله 609 أمتار!). عودة للنقطة السابقة، أقول: نرى الكثير من التعرجات في ظاهر الأرض وباطنها. مع التركيز على هذه الفروقات في الطول والسماكة فيبدو لنا -خاصة مع أحجامنا الضئيلة مقارنة بها- أن الأرض شديدة التعرج وغير مستوية، لكن العكس هوالصحيح، وهوما ذكرتُه في العنوان. بسبب حجمنا المجهري مقارنة بالأجسام الطبيعية التي تحيط بنا والتي نعيش عليها فإنه يخيل لنا أن كوكب الأرض كتلة مضطربة متمعجة في كل مكان، وقد تحاول إثبات ذلك بأن تشير إلى خارج نافذتك؛ إلى الشوارع والأرصفة، إلى الأشجار والبنايات، إلى الجبال والهضاب والتلال والمنخفضات والسهول، وتحاول لفت النظر إلى الفروق بالغة الوضوح في الارتفاع والسماكة والصلابة بين هذه كلها (سواءً كانت طبيعية أم صنعتها يد البشر)، لكن هذا كله لا يهم ولا قيمة له إذا ما تكلمنا عن الأحجام من منظور أكبر. إذا افترضنا أننا قد تضخمنا حتى وصلنا لأحجام هائلة، ثم أخذنا كوكب الأرض في يدنا، فسنُصعق. لماذا؟ لأنه سيكون أملس تماماً! نعم، هذا ما أذهلني شخصياً، فرغم كل هذه الجبال والوديان والمنخفضات إلا أن الأرض لوقمنا بتصغيرها لتكون بحجم كرة البلياردو فإنها لن تكون كملاستها فقط بل أشد ملاسة، حتى أنها أفضل استدارة وملاسة من كرة البلياردو بنسبة صفر و22 في المائة. لوأن الاتحاد العالمي للبلياردو نظر لنسخة مصغرة من الأرض لأجاز استخدامها ككرة مطابقة للمقاييس المعتمدة!. قال تعالى في الآية السابعة والخمسين من سورة غافر: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}. كلما تعمقنا في أسرار الكون وعجائبه فلا نملك إلا أن نعيد النظر لتلك الآية بذهول ونسبّح بخلق الخالق العظيم.