ألقى بنفسه على رمال الشاطئ ، نظر إلى السماء ، رأى القمر يتوارى خلف سحابة كفتاة خجلى وراء أمها ، ابتسم وأغمض عينيه مرتحلا بذاكرته على متن أمواج البحر الهادئة . قبل أيام ....قبضوا عليه ، كان قد تكلم أمام أصدقائه، تكلم، وتكلم..أصابه الغثيان لم يستطع أن يكمل فطوره من شدة تأثره بما يجول بداخله، وتفرقوا بعدها، و لم يدر بخلده أن واحدا منهم سيشي به ...، وبعد دقائق معدودة إذا بالمدير يقف فوق رأسه قائلا : « صالح» « نعم» ..!! « أفا عليك يا صالح ، هذا كلام خطير ما ينسكت عليه و.......» لم يعد يسمع ما يقوله المدير ، فقد تعلقت عيناه برجل عند الباب .... ، كم يكره هؤلاء الذين يلبسون هذه الملابس ...، طول عمره كان يمسك لسانه عن البوح ، لا يشتكي، يدبر أمره بما تيسر له ، و يقول لمن سأله عن حاله : «الحمد لله بخير ، الله يعز الحكومة « ، يردد ما يفتخر به والده ، أول مره يشتكي كل الناس يشتكون ، لماذا هو بالذات ؟ صديقه سعد أخذوه العام الماضي ، خرج من عندهم لا يسمع و لا يرى ، وبعدها مات ، تخيل نفسه مكانه مكبلا في تلك الغرفة ...تتغلغل في جسده آلات حادة ، يسيل دمه و ذلك الغاز يفقده الوعي ، أصابه الهلع...وصرخ في داخله : «لا ، لا أريد أن أذهب معكم ، أنتم ذبحتم صديقي « توالت الأحداث بسرعة ، تعالت الأصوات : « امسكوه» ، قام الذين حوله من أماكنهم ، جرى الرجل نحوه واسودت الدنيا بعينيه ووقع بأيديهم . أفاق على أصوات كثيرة مختلطة ، كانوا يتكلمون عن انفجار أو تفجير ، سمع صوت والده التفت إليه : «ليش يا صالح ، وش كنت بتسوي بنفسك، لولا الله ثم محمد كان الله يخلف علي وعلى أمك» محمد أعز أصدقائه ، هو الذي بلغ عنه : « يبه يبه» « صالح يا ولدي ، لا تخاف أنا معك ، لن أرجع إلا وأنت معي « كان كل شي يمشي من حوله وهو مكانه ، دخل تلك الغرفة سلطوا الأنوار عليه وبدأوا التحقيق معه : « صالح اسمي ، صالح وأمي تقول أنت صالح على اسمك» ضحك الرجل وقال « طيب كم عمرك؟» رد وهو يجاهد نفسه ، أحس كأنه يسقط في بئر عميق: « عمري إحدى عشرة سنة ، وإن شاء الله أكبر وأصير ......» يا الله !!! تلك الأيام التي مضت برغم الآلام ، جعلته يحس كم كان محبوبا من الجميع ،والديه ، إخوته ، زملائه ، وصديقه محمد. أحب غرفته المليئة بالألعاب ، وعلب الحلوى..كم كان مخطئا في تفكيره ، قطرات باردة على وجهه ، وأيدٍ تهزه ، أفاقته من ذكرياته ، فتح عينيه رأى إخوته وهم مبللون بمياه البحر .. « هيه أنت هنا ونحن نبحث عنك ، يالله العشاء جاء « أمسكوا بيده و سحبوه ، استدرك صالح بسرعة : « هيه ، شوي شوي على عمليتي» مشاعل أحمد عبد العزيز العميرة - الثانوية ( 50 )