في الصباح حين توقفت به السيارة أمام إشارة المرور الحمراء كان لعينيه لون الجمر.. ولصدره زفير الحرائق.. وكان يفتش في مخابئ الذاكرة عن مفردات حادة كالنصال.. عابسة كالحجارة , ليرجم بها كبرياءها الباذخ متى عاد إليها.. وحين امتلأ فمه بالحجارة كان يقف في الشارع وحيدا بعد أن عبره كل الواقفين بجواره لحظة أن منحتهم الإشارة فسحة خضراء!. (2) في الضحى غافل رئيسه في العمل, وانسل كاللص.. سار على رؤوس أصابعه حتى غادر بوابة المبنى الكبير, وحين بلغ سيارته أنقذف خلف المقود على عجل وسار حتى بلغ كشكا صغيرا نابتا على ضفاف الطريق.. ابتاع قدحا من القهوة المرة ، ثم تقاذفته الطرقات حتى استوى واقفا على شاطئ البحر الذي بدا مقفرا من صخبه المعتاد.. أفرغ في جوفه آخر جرعة من قهوته.. مسح الشاطئ بنظرات طويلة متأملة.. ارتطمت موجة بأحجار الشاطئ.. تناثر الرذاذ أشلاء بلور لامعة.. وعاد يستذكر حجارته الجاثمة بين فكيه.. قذف بكثير منها فوق رمل الشاطيء حين شعر أنها بالغة القسوة.. ثم أعاد ترتيب البقية في ذهنه ليدمي بها غرورها حين يلتقيان. (3) بعد أن فرغ من صلاة الظهر اتكأ إلى سارية قريبة من سواري المسجد، نقر التسابيح فوق أصابعه سريعا.. وحين وقف بباب المسجد, انهمرت الحجارة في ذاكرته, فعاد يرصها ويرجم بأكبرها شياطين الظهيرة التي تختلس خشوع صلاته!!. (4) قبيل العصر كان يقف أمام الإشارة ذاتها من الجهة المقابلة.. وحين قرص الجوع معدته تذكر جوع الليلة الفائتة عندما تركته بلا عشاء.. وغادرته طاويا ووحيدا.. اشتعل حنقه من جديد.. ونبتت في روحه تلال من الحجارة أقسم أن يشج بها صلفها ويفلق هامة روحها. (5) أدار المفتاح في ثقب الباب.. ركل الباب حتى ارتطم بطرف الجدار.. عبر الممر الضيق مندفعا حتى بلغ الصالة الواسعة.. وحين لم يجدها.. ارتقى السلالم قفزا حتى وصل إلى غرفة النوم.. شاهد خيوطا من دخان تنسل من باب الغرفة.. وقف بالباب صامتا.. وفي ركن الغرفة كانت واقفة ترشق السرير بالعطر.. وتنثر البخور ليهنأ بقيلولة معطرة.. وحين رأته واقفا تبسمت كصبح ندي.. ارتعش.. غامت عيناه.. وانسابت فوق خديه جداول صغيرة جرفت معها كل الحجارة.. وانطفأت بها كل الحرائق.. وفاح في المكان دخان كثيف له رائحة عود فاتن.