حين خرج الشباب يوم 25 يناير الماضي إلى ميدان التحرير في مصر للتعبير عن بعض المطالب التي يرونها مشروعة كانت البداية مبشرة بوجود رغبة لدى الطرفين - الشباب والنظام الحاكم - في الاستماع والسماح - كما ينادي الغرب - بحرية التظاهر السلمي الذي سيفضي حتماً إلى قبول الطرفين للحوار كلغة راقية في التعامل وبالتالي النظر في هذه المطالب والعمل على تلبية ما يمكن منها خاصة مع الأزمة المالية العالمية التي ضربت اقتصاديات جميع دول العالم تقريباً ولكن فجأة تحولت هذه المسيرات أو المظاهرات كما يسمونها إلى حرب شوارع بين طرفين هما أبناء وطن واحد لم نر على مدار تاريخ مصر مثلها أبداً، فقد تعوّد الشعب المصري أن يكون يداً واحدة وقت الأزمات وربما تكون هذه ميزة تنفرد بها مصر عن غيرها من دول العالم، وبدأ التدمير والحرق والنهب والسلب لسبب غير معلوم ولصالح جهات غير معلومة حتى الآن، لقد كان الهدف هو إشاعة أكبر قدر من الفوضى والخلل الأمني يتم خلالها تنفيذ المخططات السابقة التجهيز والموضوعة من قبل قوى لا تريد لهذا البلد أن يتقدم أو يرتقي ويظل مشغولاً بما يحدث حتى ينتهي من تنفيذ الأجندة المعدة وبالتالي تكون الأوضاع المراد إحداثها أمرا واقعا، وعلى أساس ذلك يجري تنفيذ مخططات أخرى في دول شتى، فقد اختفت قضية السودان من على الساحة وكذلك لبنان والعراق والصومال وباتت مصر فقط حديث كل العالم، وكل وسائل الإعلام وستبين الأيام القادمة ماذا أريد من هذه الفوضى، لقد حدث خلل أمني لمدة ساعات استفادت منه جماعات ذات أيديولجيات محددة وعلاقات غير ظاهرة للقفز على الساحة وركوب الموجة وإعلان الوجود لما كان محظوراً سابقاً ومن ثم تحولت المطالب المشروعة إلى إملاءات على النظام وخروج على الشرعية، وكلما استجاب النظام ارتفعت سقف المطالب حتى وصلت للمطالبة بتنحية الرئيس المنتخب من قبل الشعب حتى وإن كان هناك تجاوزات في تلك الانتخابات فلم يظهر وقتها من يندد بها بل كان المصفقون وأصحاب المصالح والعاجزون عن التعبير هم أول من هنأ الرئيس بالولاية الجديدة، وهكذا نرى الديمقراطية الغربية وما فيها من أسس وقواعد وإن نجحت لدى الغرب الذي زرع في نفوس الأطفال منذ الصغر مبادئ حرية التعبير - وهذا ما نفتقده - في البلاد العربية، ذلك أن الحوار في العالم الغربي يكون بالصوت العالي والاتهامات المتبادلة بالعمالة والخيانة بل وتصل في كثير من الأحيان إلى التكفير إذا كانت القضية متعلقة بالدين، وأعود إلى أصل الموضوع وأقول إن النظام المصري كان يستطيع مع بداية هذه التظاهرات أن يقمعها بالقوة وهو قادر على ذلك ولن يلتفت إلى ما سيثار في وسائل الإعلام الغربية عن الوحشية وعدم الديمقراطية وغيرها من المصطلحات التي يتلاعب بها الغرب لمصالح خاصة، وأن دولا أخرى في المنطقة سبق وأن فعلتها كما في إيران وقت انتخاب أحمدي نجاد حين سحقت الحكومة المعارضين بل وأعدمت بعضا منهم، ولكن تحلى النظام المصري بالصبر تجاه معارضيه وأوحى لهم أن النظام ضعيف وهو ما استثمره الغوغاء والبلطجية، وهم يريدون الآن تنحية الرئيس مبارك كما تم في تونس، ولو قارنا ما حدث في تونس مع ما يحدث في مصر سنجد أن هناك فرقا شاسعاً بينهما فالرئيس زين العابدين بن علي أتى إلى الحكم بانقلاب سلمي على الرئيس الحبيب بورقيبة ولم يأت منتخباً ولا مرشحا بينما تولى الرئيس مبارك الحكم خلفاً لسلفه الرئيس السادات بعد حادث المنصة المعروف ومن ثم أعيد انتخابه لأكثر من ولاية وبالتالي فهو رئيس شرعي للبلاد وما يقوله المتظاهرون من أن هناك شرعية ثورية أرد عليه أن البلاد ليست تحت حكم الاستعمار ولا الحكم الأجنبي حتى تكتسب ثورتها ضد رئيسها صفة الشرعية من وجهة نظري وإنما مصر دولة حرة دولة مؤسسات ويحكمها دستور وقوانين تنظم العمل السياسي فيها، وقد أقر الرئيس بوجود عيوب في هذا الدستور وأقر أيضاً بالطعون على صحة بعض مقاعد مجلس الشعب في الانتخابات الماضية وأقر وأقر.. وأخيراً جنب ولده جمال من السياسة بكل مجالاتها وأبعد الوجوه القديمة أي أنه استمع لمطالب الشباب وأخذ بها ولكن المستفيدين وأمثالهم ممن يضعون مخططاً لإضعاف الأمة العربية بداية من العراق والسودان والصومال واليمن يريدون أن تظل مصر تدور في دائرة مفرغة لا تخرج منها وبالتالي يستكملون مشروعهم الصهيوني بالسيطرة على منابع البترول وإحداث تغيرات في المجتمعات العربية تقبل بوجود هذا الكائن الغريب (إسرائيل) وسطهم وهذا لن يحدث بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل وجود رجال مثل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي يدرك هذه المخططات ويدعم النظام الشرعي والاستقرار في مصر، وأختم هذا المقال بالقول إننا بحاجة إلى تعليم أولادنا ثقافة الحوار وحرية التعبير والديمقراطية السليمة ولنبدأ من الآن في تضمين مناهجنا هذه المصطلحات حتى تكون جزءاً من ثقافة الأجيال القادمة ونرفع سوياً شعار نعم للحوار لا التخريب. [email protected]