الأحزاب السياسية المصرية أحزاب ضعيفة جدا وليس لها حضور نشط في الشارع المصري، وشرعيتها الوحيدة تكمن في ترخيصها المهني من لجنة الأحزاب في مجلس الشورى لمزاولة العمل السياسي ، 24 حزبا ظل زعماؤها في آخر الصف السياسي، فإذا خرجت جماعة كفاية للتظاهر ضد عملية التوريث للحكم في مصر ، خلا المشهد العام للمظاهرة من حضورهم الحي وإن علا صوت الغضب في الشارع، اتجهوا بانتهازية إلى بعض الصحف يتسولوها لنشر تصريحات تساند غضب الشارع، وفي كثير من المحاولات المتسولة لا يكسبون إلا ما كسب المتسول، فتات يدفعه إلى الاستمرار في عمله المذل، هذه الحالة المزرية للأحزاب السياسية في مصر مسؤول عنها جزئيا السلطة السياسية في مصر ليس عن طريق القمع ، ولكن عن طريق المال السياسي ، والسلطة لم تكن بهذا السلوك هي التي أفسدت صلاح ضمائرهم السياسية ، ولكنها عرفت الطريق المختصر والمفيد للوصول للضمائر الفاسدة، وبعض الأحزاب لم يكتف بمال السلطة بل توجه للخارج للبحث عن تمويل منازلهم وجيوبهم وليس برامجهم السياسية ، وبهذا أصبح العمل الحزبي بمصر "سبوبة" بالتعبير المصري وليس اقتناعاً بمبادئ ونضال وتضحية... في وسط هذا الإفلاس السياسي انطلقت عربة التغيير في مصر محملة بحزمة مطالب مشروعة، وبدلا من أن توزع عربة التغيير مبادئ وأخلاقيات التحول الديمقراطي ، نثرت مجموعة كبيرة من المصالح والأطماع التي أغرت الباحثين عن السبوبة لقضم قطعة كبيرة منها، فالمجموعة الحزبية التي عرفت في السابق المكاسب من الاقتراب من السلطة توافق ولا توافق على الحوار مع السلطة ، والتي حرمها النظام في السابق من المنافع مثل جماعة الإخوان وجماعة البرادعي، ليس لها مطلب إلا تنحية الرئيس مبارك ، ومن المفارقة العجيبة في أحداث مصر أن مطلب واشنطن تطابق تماما مع جماعة الإخوان والبرادعي ، وهو تطابق يثير القلق والخوف على استقرار مصر والمنطقة بكاملها، وهذا تخوف مشروع في ظل معرفة مدى مصداقية واشنطن في ترسيخ مبادئ الديمقراطية في المنطقة ، فهي التي لم تعترف بنتائج صناديق الاقتراع في فلسطين عندما فازت بها حماس بحجة الحفاظ على الأمن، وهي كذلك التي أيدت مع طهران نوري المالكي للقفز على سدة الحكم في العراق وتنحية الدكتور علاوي بأغلبيته المشروعة، فهل هذا سلوك دولة -تمتلك القوة والسيطرة – تسعى بإخلاص لتحقيق الديمقراطية في المنطقة أم الفوضى ؟ ! فمثل ماكانت تبحث عن الاستقرار في العراق وفلسطين عن طريق رفضها لنتائج الديمقراطية ، فالقيادة المصرية تبحث عن الاستقرار في هذه اللحظة الحاسمة للوصول للديمقراطية والأمن معا، فلماذا إذن تصر واشنطن على الخروج الفوري للرئيس المصري من الحكم ، هناك عدة مستويات للإجابة على هذا السؤال ، ولعل أبرزها هو لو أن الرئيس مبارك ترك لإتمام فترة حكمه المنتهية بعد خمسة شهور سوف يحسب الإصلاح الديمقراطي ومحاربة الفساد للشباب المصري، ورئيسه الذي استجاب للمطالبة المشروعة، وهو فعل وطني ونادر لا دخل لواشنطن به، وهذا شيء لن ترضى عنه الإدارة في البيت الأبيض، التي تريد أن تمسك بجميع خيوط التغيير وتكون مساهمتها تاريخية لتكون هي التي صنعت أو ساندت إرادة التغيير ، وساهمت باختيار قياداته ، ودورها هنا شبيه بدور جماعة الإخوان المسلمين التي قفزت على مقعد القيادة لتدخل بعربة التغيير في جدار الأمن والاستقرار بعدما أسقطت إمام مسجد الجمعة من منبره ، وصرخت بوجوه المصلين ليرددوا دعاء الشيخ يوسف القرضاوي في قناة الجزيرة وليس في المسجد..