مما لاشك فيه ان الاغنية من اهم الفنون الانسانية تأثيراً في المجتمع وذلك لما لها من آثار نفسية واخلاقية ووجدانية مباشرة سواء كانت هذه الآثار سلبية ام ايجابية عبر انتشارها الواسع والسريع. فالذي يحصل اليوم وبكل اسف ما هو الا نتاج استعراضي واستهلاكي الهدف منه الشهرة المجانية والنجومية الرخيصة والربح السريع حتى لو كانت ذلك بشكل مؤقت ولم ولن يجد له مكانة في الذاكرة الاجتماعية سواء في الحاضر او المستقبل.. وذلك لعدم مصداقيتها وفقدانها الشروط والمعايير الصحيحة التي تؤهلها كما كانت مؤهلة في سابق عصورها الذهبية كلمة ولحنا واداءً وصوتا.. هذا اذا استثنينا بعض النصوص المنتقاة من ذلك الحشد الهائل بما يسمى بالاعمال الغنائية تلك الاعمال الرديئة والعقيمة المغرقة بالرخص والخالية من الابداع والفارغة من المضمون وعلى كل المستويات ومهما لطخت وجهها باصباغ الواقع التجديدي فما هي الا حالة ادعائية تلفيقية ليس أكثر.. أو تلك التي تحاول ان تشبه نفسها بالاغاني ذات الاصول التراثية التي لا تزال راسخة في وجدان وذاكرة الامة..!! فالازمة الحقيقية للاغنية الحالية.. هي ازمة انهيار نص بالدرجة الاولى.. وبقية الانهيارات الاخرى جاءت سهلة.. وهذا ما يفعل فعله في تدمير ذوق النشء مما يعلق اضراراً فادحة في الجيل الجديد وهذا ما يساهم بشكل فعال وخطير في انحدار القيم الفنية والاخلاقية والعاطفية في النفوس .. ناهيك من تلك الطامة الكبرى مما يسمى بالجوائز واللجان والمهرجانات والتي تعمل عملها الدعائي الغوغائي لمصادرة العقول والآراء والاذواق والمعايير الصحيحة للفن وتحجب مواطن الضعف عن الاذواق المتردية التي اصابها ما أصابها من الخلل.. لتمرير تلك النصوص المخجلة بمضامينها الفارغة عبر تلك الأفواه النهمة..!! هذا بالرغم مما نجده من الاغاني القليلة المتناثرة هنا وهناك وما تحمله هذه الاغاني من كلمات قوية وعواطف صادقة ولحن جميل واداء أصيل لبعض الاصوات الجميلة لما يملك بعضها من حس شعبي صادق وشفاف ولو أنه بعيد عن الفرح.. الا انه مغرق بحزن واعي وجميل وهذا ما يشكل بارقة أمل للخروج من المستنقع في تشكيل أساس فني لتجربة غنائية حديثه ورائدة ومشرفة ذات أهداف انسانية واخلاقية نبيلة فالقضية تصبح مهمة لما لها من قيم وطنية بقدر ما لها من قيم عاطفية وجمالية. فالمسألة عملية لا تتجزأ عبر منظومة القيم ومن خلال علاقة جدلية متكاملة لهذه المفاهيم والاشياء.