صنع الموسيقي محمد سلطان لنفسه شخصية موسيقية وغنائية، تحمل التجديد والتنويع عنواناً لها، والاقتناع بقيمة العمل كمنتج فني راق، حتى أنه بقي في بيته طويلاً لا يقبل أعمالاً، خصوصاً أنه متحفظ بشدة على ما آلت إليه أحوال الموسيقى والغناء. قدّم سلطان ألحاناً عصرية على صوت رفيقة مشواره المطربة فايزة أحمد، تنوعت بين الرومانسية والشعبية والكلاسيكية وتحققت أصوات أصالة وهاني شاكر ونادية مصطفى بفضل هضمه لتلك الحناجر الذهبية. اكتشفه سينمائياً ابن مدينته المخرج يوسف شاهين وقدمه كوجه جديد في تحفته «الناصر صلاح الدين» عام 1953 وبعدها شارك في بطولة أفلام عدة أشهرها «عائلة زيزي» و «دنيا البنات». يقول سلطان: «تعرفت بالموسيقي الفذ محمد عبد الوهاب وأنا شاب صغير، ألحن وأغني وأتردد على بيته وهو يدفعني ويثق بموهبتي وعندما سمع لحناً أعمل عليه أخذني من يدي وذهبنا إلى إذاعة الإسكندرية، وطلب مني تسجيل اللحن، فقلت له ومن سيغني؟ قال لي أنت، فسجلت اللحن في القاهرة». انغمس سلطان في الوسط الفني وصار من أصدقاء عبدالوهاب ومحمد حمزة وعمر بطيشة وفتحي قورة ومرسي جميل عزيز وفريد الأطرش وسعاد محمد وصباح ومحرم فؤاد ومحمد عبد المطلب ومحمد رشدي وأحمد فؤاد حسن وبليغ حمدي ومحمد الموجي ومحمود الشريف. وعن أجواء هذا الزخم من المبدعين وعلاقته بهم فنياً وشخصياً يقول: «البعض يبدي شيئاً من الاستغراب لأنني صادقت عبد الوهاب وفريد الأطرش وكأنهما أعداء وهذا لم يكن له أي أساس». ويرى أن أهم ما ميز تلك الفترة البريق والتوهج الإبداعي والحالة الفنية عامة، فكان كل ملحن يأتي بأغنية تكتسح السوق، لنجد آخر يفعل الشيء نفسه، إضافة إلى الحفلات التي خبا لمعانها في الوقت الحاضر وأصبح الاستسهال والإفلاس هما رمز الغناء الحالي. ويؤكد سلطان أن غياب المعايير الفنية السليمة وانصراف الإذاعة عن إنتاج الأغاني أدى في النهاية إلى انهيار ذوق الجمهور المصري إلى حد كبير ويسترسل قائلاً: «لست ضد التطوير بل كنت وما زلت من أنصاره ولكن على الطريقة الهندية مثلاً، حيث يحافظون على هويتهم، وهذا سر عشق العالم لموسيقاهم». رحلة مشبعة بالموسيقى والغناء والنجاح جمعت سلطان والمطربة فايزة أحمد. داخل بيت الزوجية المطل على النيل كان لسلطان نحو 80 في المئة مما غنته. يقول: «عندما ارتبطنا فنياً وعائلياً، حاولت أن أبعدها عن إطار الأغاني ذات الطابع العائلي بتأثير من نجاح «ست الحبايب» لحن عبد الوهاب، قدمت بعده «يا حبيبي ياخويا» و «بيت العز». عمل سلطان على تنويع أغاني فايزة فغنت موشحات مثل «العيون الكواحل» وكلاسيك مثل «قول لكل الناس» أحلى طريق في دنيتي وقصائد مثل «أحبه كثيراً»، و «رسالة من امرأة» وقدما معاً مجموعة متميزة من الأغاني الشعبية مثل «أمر يا قمر» و «قاعد معايا وياما ياهوايا». ويشير سلطان إلى عمله مبكراً مع صياغة ألحان الأغاني القصيرة التي صدرت في ألبوم «دنيا جديدة» الذي تضمن أغاني مثل «وش القمر» و«انساني يا حبيبي». ويشدد سلطان على أن أسلوب عمله يقوم على التنويع والتجديد ونحت الألحان من مقامات مختلفة أو من المقام الذي يفرض شخصيته على جو الكلمات. ويقول: «المهم أن اقتنع باللحن والعمل ككل، وأن يصل ذلك للمطرب، فلو رأيت مطرباً لا يبدي ارتياحاً وانسجاماً مع اللحن أقوم بتغييره على الفور. ولا أتبع أسلوب استعراض العضلات لأنه يخسر كثيراً». وعن صوت فايزة أحمد يوضح: «صوتها نادر من النوع الماسي الذي لا يكسر، سليم وإحساسه واضح وأداء شيك وراق ومهما حاولت وصفها فلن استطيع ولو سمعها أحد وهي تؤدي أغاني أم كلثوم واسمهان لما استطاع أن يميز بينهن، كانت تغني معظم الوقت وحتى في مرضها الأخير، كان الغناء دواءها». ويتابع أن حكاية تقليدها لبعض المطربات في الجلسات التي تجمعنا، لم يكن ليسيء لأحد لأنهم جميعاً يعرفون أن روحها جميلة والحكاية أخذت أكبر من حقها. ونفى سلطان ما ينشر عن تلحينه أغنية لآمال ماهر قائلاً: «لا يكفي صوتها، يجب أن يكون هناك موضوع نعمل عليه واقتنع به، مرحباً بالتعاون مع بعض المطربين الشبان بنفس الشروط». وتطرق إلى علاقته بالرئيس الراحل أنور السادات: «السادات طلبني أن أذهب إليه في استراحته في القناطر في القاهرة عن طريق ديوان الرئاسة، وعندما قابلته، فؤجئت به يحفظ الكثير من ألحاني وقال لي إنني احترمك لأنك مكافح مثلي وتصنع أشياء جميلة عبر صوت فايزة أحمد وطلب مني تلحين أوبريت عن نصر أكتوبر، وكان ذلك في 1975، فقدمت أوبريت «مصر بلدنا» من تأليف حسين السيد وغناء فايزة وهاني شاكر ولبلبة ومحمد ثروت وشكوكو وكورال ضخم، وظلت بيني وبين السادات علاقة ود وصداقة كلما اتيحت الظروف». وكشف سلطان عن تسبب عبد الوهاب في ضياع فرصته في التلحين لأم كلثوم حين طلبت الأخيرة ذلك في حديث هاتفي مع فايزة أحمد وأرسلت له كلمات «دارت الأيام» وعلم عبد الوهاب بذلك فغضبت، وآثرت ألا أغضب أستاذي ولم تسنح فرصة أخرى حيث رحلت أم كلثوم بعدها بفترة قصيرة.