بادئ ذي بدء.. لا يماحك اثنان ان من أسعد اللحظات.. وأنسب الأوقات وعظيم المناسبات على قلوب مديري الجامعات أن تقبل كل الطلبات فلا يعود طالب مكسور البال!! أو متكدر الحال.. انهم آباء قبل أن يكونوا مديرين!. ويعلمون علم اليقين.. كيفية الشعور النفسي.. والاحباط العملي.. والارهاق العصبي لكل أب وأم حين تنتابهما الشكوك.. والخوف على مصير فلذات الأكباد وقرة الأعين.. ومهجة الفؤاد. ولقد رأيت بأم عيني.. كيف كان أحد مديري الجامعات يستقبل أولياء أمور الطلبة الذين لم يحالفهم الحظ.. بالقبول من المرة الأولى بالجامعة.. وقد خلع مشلحه.. وتخلى عن رهبة الكرسي.. وقوة السلطة فصار كأحد منهم! محاولاً بذل الجهد في تهدئة.. خواطرهم.. وامتصاص غضبهم وتطمينهم بسعيه المضاعف لتأمين قبولهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً أما بشغور مقعد لانسحاب ما! أو بقرار زيادة المقبولين أو تحويل الرغبة إلى كلية أخرى!! أو اقناع ولي الأمر بحقيقة الوضع.. لا كما يقال!! أو بنصح الطالب بسلك مساق آخر يحقق له الطموح الواقعي لا المتأثر بالضغوط الاجتماعية والعائلية!! والتي تكون خاطئة في أغلب الأحيان! وهو لا يرغبها!! هذا ما خبرته.. لا أروي إلا ما أعلمه يقيناً.. مصداقا لقوله تعالى« ما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين» الآية. وهذا وايم الله أسلوب تربوي أبوي حضاري يستحق الاعجاب والتقدير ويشكر كل من سار على نهجه من المسؤولين بعمادات القبول ولقد عايشت مخاضات القبول ردحاً من الزمن.. وخبرت أوضاعه! وفقهت أسراره!! لكن كان آنذاك حال.. والآن حال.. ودوام الحال من المحال! فأعداد خريجي الثانوية في ازدياد.. يقابلها نسبة عكسية في الامكانيات ليس بسبب تقصير في الأداء.. لكنه تقلب الزمان أو كان الهم آنذاك توسيع قاعدة المتعلمين في هذا البلد الخير.. فهم القاعدة المتينة.. وعدة المستقبل! ورغم أن قاعدة الاستثناءات كانت موجودة آنذاك! إلا أنها لا تشكل عبئاً كما هو الآن!! وذلك لوفرة العرض.. وقلة الطلب! وما ينطبق على الطلبة.. وتوفر الفرص! ينطبق أيضاً على توفر الوظائف.. وكثرة الاختيارات..وسهولة الترقيات.. وكثرة الحوافز والمغريات! لكن كما يقال: لا يخلو صفو الحياة من كدر!! على أن المعاناة تولد الاصرار.. وتشحذ الهمم! وهو ما نأمله بمشيئة الله! وإذا حددنا الداء.. عرفنا الدواء! وأظن مخلصاً أن تلك الأزمات التي نعاني منها إنما هي تداعيات ونتائج حرب الخليج الأولى والثانية البائستين! فقد أزهقت أنفس.. سيحاسب الله المتسبب عنها.. حساباً عسيراً!! وأهدرت ميزانيات، ولقد أدت المملكة ما عليها بحكمة وحنكة! وكنتيجة حتمية لهذا الوضع.. تأثرت الميزانيات! ونشأ ما يسمى بصفوة الاختيار بالجامعات.. وذلك لقلة الأعداد المطلوبة للالتحاق! ثم ازدادت هذه المعضلة عاماً.. بعد عام! اما الهم الرئيسي للدولة سداد الدين العام! فاضطرت الجامعات تحت وطأة الشكاوى من أولياء الأمور إلى استحداث نظام الدبلومات مدفوعة القيمة لفك الاختناق وايجاد تخصصات يحتاجها سوق العمل الفعلي إلا أن هذا الحل من وجهة نظري لن يحالفه الحظ.. إذ أن المتضرر الوحيد هو المواطن المسكين من ذوي الدخل المحدود الذي بات لا يستطيع الموازنة بين ايراداته ومصروفاته فالرسوم الحالية جعله حائراً بين سدادها.. وبين تحقيق أمنية فلذة كبده! أيستدين.. يستعين!! ومع أن تلك الدبلومات ليست مجانية فقد نشأت عنها صفوة الاختيار! فالمتقدمون فاقوا قدرة استيعاب بعض الجامعات! فهرب الطلبة مكرهين لدول مجلس التعاون الخليجي.. والدول العربية المجاورة.. لقلة التكاليف الدراسية.. رغم ما يعانونه من مشقة ونصب في المواصلات.. وتعدد الاحتمالات.. في الاعتراف بالشهادات!! لكن ليس باليد حيلة كما يقال مع قناعتي الشخصية أن فرض رسم دراسي على الطالب يتنافى مع مبدأ مجانية التعليم.. فهو كالماء والهواء للمواطن! والدول الحديثة تضع في مقدمة أولوياتها بالنسبة للمواطن.. تأمين الأمن.. والمقعد الدراسي والسرير الطبي.. ووظيفة عامة!! ثم حفرة تواري جسده عند مماته.. فالشباب هم عماد المستقبل.. وإذا لم نهتم برعايتهم وتأمين مستقبلهم فإننا نساهم في نخر ولائهم وانتمائهم.. ونزرع فيهم عدم الأمن والاحباط.. وعدم الاهتمام! وسينشأ جيل خاوي من الاخلاقيات منعدم الصلاحيات! وعليه اقترح كحل لتلك الاشكالية ما يلي: 1 زيادة عدد الجامعات الحالية.. مع توفر التخصصات التي تحتاجها خطط التنمية وسوق العمل.. مع الغاء التخصصات التي تساهم الآن في ازدياد البطالة المقنعة وتشكل عبئا اقتصادياً على الدولة.. ولا يستفاد منها! ويمكن في هذا الصدد مساهمة رجال الأعمال.. وعلى رأسهم سمو الأمير الشاب الوليد بن طلال.. الذي أثبت أنه عقلية اقتصادية جبارة.. وغيره من رجال الأعمال الوطنيين! الذين يمكنهم استغلال الرسوم المعتدلة وتحريكها بما يعود عليهم بالنفع.. ثم تعاد للطالب عند تخرجه لتعينه على العيش بكرامة.. حتى تتهيأ له فرصة العمل! وقد أثبتت هذه التجربة نجاحها في قطاع الصحة.. بعد المساهمات الخيرة لرجال الأعمال المخلصين!! 2 العودة إلى الدراسة بالجامعات بنظام الساعات المعتمدة الذي تتلخص فلسفته على الموازنة بين الفروقات الفردية للطلبة.. والعملية التربوية.. فهي تتيح للطالب المتميز انهاء دراسته بفترة زمنية مناسبة!! كما أنها تتيح له التسجيل بمساقات وساعات مناسبة لظروفه الاجتماعية والعائلية.. وتتيح أيضاً الاستغلال الأمثل لأعداد أعضاء هيئة التدريس والقاعات الدراسية.. والمعامل.. والمكتبات.. الخ كما أنه بالامكان طرح مساق دراسي واحد على ثلاث فترات مختلفة في اليوم الواحد مما يجعل الاستفادة منه لعدد أكبر من الطلبة.. وهو بهذا يساهم في زيادة أعداد الطلبة المقبولين! ويمكن زيادة مكافأة عضو هيئة التدريس من أرباح صندوق الطلبة.. أو عبر رسم رمزي لا تكلف ولي أمر الطالب الشيء الكثير كخمسين ريالاًَ أو مائة ريال شهرياً.. فسيدفع راضياً مرضيا.. فهو مطمئن البال والخاطر على فلذة كبده!! 3 ايجاد مكتب تنسيق مركزي يتولى وضع شروط القبول الموحدة لجميع التخصصات بجميع الكليات.. وتحديد أعداد المقبولين كل عام بالتنسيق مع الجامعات المعنية ووزارتي الخدمة المدنية والتخطيط لاستيعاب الخريجين فالعبرة ليست في انهاء الدراسة الجامعية بل في الاستفادة من هذا الخريج في سوق العمل.. ووضعه في المكان المناسب..وتلك حقيقة اقتصادية بحتة.. فالطالب أعلى سلعة اقتصادية.. وعليه يجب أن تكون كفاءة المحصلة الانتاجية له تتناسب طردياً مع ما صرف عليه! وإلا فإن العملية التربوية والاقتصادية في خلل وخسارة!! وتكرار الخسارة تنشأ البطالة.. ويكثر الكساد.. فتتفشى الجريمة.. مما يضطر الدولة معه لصرف الملايين لمحاربتها.. وهكذا حلقة مفرغة مفزعة!! تؤدي في نهايتها لعواقب وخيمة. ثم يبدأ هذا المكتب باستقبال الطلاب وعمل الامتحانات اللازمة ان وجدت ثم يصحح النتائج بالحاسوب بعيداً عن مجال الواسطة والمحسوبية! فكل الطلبة هم أبناء الوطن.. ولا يجب أن يكون ولاؤهم مثار جدل أو شك!! أو مساومة! ثم يوجه الناجحون كل حسب نتيجته.. ورغبته إن أمكن! ويمكن الاستعانة بخبرات وتجارب الدول العربية والأجنبية التي سبقتنا في هذا المجال!! خلاصة القول: أشارت الاحصائيات الحديثة أن النسبة الكبيرة من سكان الدول العربية والخليجية هم طبقة الشباب!! وعليه فإن مسؤولية الدولة عظيمة في الاهتمام بهم وتأهيلهم بطريقة علمية مدروسة.. كي يستفاد من طاقاتهم.. مع شغل أوقات فراغهم بما يعود بالنفع عليهم وعلى الأوطان!! والا فإن العاقبة وخيمة فلنبدأ من الآن.. فلن ينفع بعدها أن نقول يا ليت!! فيا ليت قومي يعلمون!! وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين أحمد بن علي الريعان