إن الشعور بالواجب عصب مهم في الأخلاق بل هو العنصر النووي الذي يدور حوله النظام الأخلاقي كله، إذ مافائدة الأخلاق لدى شخص لايشعر بأي التزام نحوها. ففي وقت جفت فيه العواطف وانحسرت فيه المشاعر وانقطع فيه التواصل وانطمست فيه معالم الانتماء إلا عند الأفذاذ من الرجال الذين جمعوا من الصفات أنبلها وتكاملت فيهم مقومات الأصالة والرفعة والألفة واتصفوا بكرم الوفادة وأصالة الأرومة وعمق التربية وتواضع الشريف وبشاشة الكريم. ولايستشعر الواجب إلا ذات حرة ولايصدر إلا عن إرادة حرة تلزم نفسها بنفسها. فشيخنا أثبت للعيان والأعيان وهو مثبت لايحتاج إلى إثبات بأنه جمع من هذه الصفات ما يعجز القلم عن خطه والفكر عن تعبيره ونظمه. فأنتم ياشيخ رفيق الجود ودخيله وزميل الكرم ونزيله وغرة الدهر وتحجيله، ففي وقت الحاجة فيه للكلمة الطيبة فيندر وجودها لكنها عند الأفذاذ بداهة، لم لا، وهو يجود بأنفس المال والجهد كماً وكيفاً، وهذا ليس بمستغرب لأن قرة عينه في الإكرام ولايريد من ذلك الشكر والعرفان، ولكننا لانريد أن يكون ما قدمه صنيعة تسدى إلى من لايشكرها، نعم ينابيع الجود تتفجر من أناملكم وجودكم يطفو على موجودكم وهمتكم على قدرتكم وهذه فطرة فطرتم عليها منذ قديم عهدكم فكيف بجديده. سأشكر لا أني أجازيك منعما بشكري ولكن كي يزاد لك الشكر وأذكر أياماً لديّ اصطنعتها وأخر مايبقى على الشاكر الذكر فالفضل لابد أن يذكر لأهله فما قام به رجل المجمعة البار بإهداء أبنائها وأهل بلدته مركزاً لتأهيل المعاقين وقبله مجمعا تعليميا و ... و ... فسينتهي مداد قلمي قبل ان أنهي عدها وليقيني أن أكره شيء عنده هو الاطراء والثناء على شخصه، ولولا ذلك لواصلت عدها وإنني أتسبيحه عذرا لجرأتي على شكره وذكر شيء من الثناء عليه لأنه رغم رحابة صدور أهل المجمعة إلا إنها لم تتسع لإخفاء هذه الأعمال وعدم البوح بها والشكر لباذلها وما هذه الأعمال إلا نماذج من أعمال نبيلة يقوم بها لم نستغربها، ولن يكون مركز تأهيل المعاقين آخرها وستصدق الأيام القادمة كلامي ولن تكذبه فهذه أعمال قد اثلجت حرارة صدورنا وادخلت الأمل في قلوبنا والارتياح إلى نفوسنا، سيذكره لكم الفيحاويون على الدوام ويترسمونه وفاء من أبر الرجال لبلده وأهله ولسان حالهم يقول: هذا محط فخرنا واعتزازنا بمن الوفاء طبعه والمعروف سليقته والبذل رداؤه وهو بلسان الحال يقول ياجاهلا ان كنت لاتعرفني فأنا أعرف بنفسي، لايرضى بما يرضي الناس وإنما بما يرضي نفسه وهمته الشامخة العالية. فحقيقة هذه هي المحبة الحقة التي تربط بين أبناء البلد الواحد والأسرة الواحدة وكأنه تمثل قول المقنع الكندي: يعاتبني في الدين قومي دائما وإنما ديوني في أشياء تكسبهم حمدا أسد به ما قد أخلوا وضيعوا ثغور حقوق ماأطاقوا لها سدا إلى أن قال: وليسوا إلى نصري سراعا وان هم دعوني إلى نصر أتيتهم شدا لهم جل مالي إن تتابع لي عني وإن قلّ مالي لم أكلفهم رفدا نعم فإنه من العسر بمكان ان نحصل على اشخاص كثيرين يتحملون المسؤوليات ويشعرون بالواجبات ويؤرقهم الوفاء بالالتزام مالم يكن أولئك الأشخاص صالحين بالمقاييس الشرعية فسخروا نعم الله تعالى عليهم لخدمة الآخرين قاصدين بذلك وجه الله تعالى. فالقدوات والنماذج ذات اثر بالغ في إشعارنا بواجباتنا والحقيقة ان الإحساس بالمسؤولية هبة من الله تعالى لقلة من أفراد المجتمع، فيخرج منهم الأبناء البررة، ومن هنا يبرز اثر الرواد العظماء الذين ينورون للأمة طريق الالتزام والإحساس بالواجب من خلال أنوار الهداية الساطعة في منطقهم وقبل ذلك في سمتهم وهديهم وسلوكهم وعطاءاتهم وسخائهم فهم الذين يكسرون المعادلات الاجتماعية الصعبة. وان المبادرة إلى تحمل المسؤوليات والقيام بالفرائض المختلفة والعطاءات المتدفقة هو المقياس الدقيق لأصالة المعدن ونبل الطباع فعلى قدر ما يتحرك الفكر وتعمل اليد في دروب الخير يكون رقي الأمة والمجتمع وحيويتها والعكس صحيح. كثرة المشاغل لم تنسه المهم ولم تجعله ينهمك في تلبية الحاجات المؤقتة والتافهة بل الهدف الأسمى له هو نيل رضوان الله تعالى. شعاره لا سرف في فعل الخير نذر نفسه وما وهبه الله تعالى من ميزات مادية ومعنوية لخدمة إخوانه وجيرانه ومجتمعه وأمته إيمانا منه بأن هذا كله داخل في عبوديته لله وبذل نفسه وتنكر لأنانيته لأن أكثر الأخلاق لها حدود شرعية أو عرفية إذا تجاوزتها انقلبت من فضائل إلى مايشبه الرذائل أو مايعد منافيا للحكمة، فمثلاً الشجاعة إذا زادت عن حدود معينة صارت تهورا والكرم يصبح تبذيرا والحلم قد يصبح نوعا من الذل أما إرادة الخير وفعل الخير وعمل الأعمال النافعة ونفع الخلق فمن البديهي انه لاحدود له. فالتضحية والعطاء السخي والكرم الذاتي وروح المجانية سمات مهمة في الرائد ولسان الحال ابلغ من لسان المقال والمحسوس أسهل من الإدراك وأعظم في التأثير من المعنوي، فهؤلاء هم عماد الأمة والمجتمع. فإن الذين نكن لهم عظيم الاحترام ليسوا أولئك الذين يملكون الكثير من المال والدهاء والمكر أو القوة الجسدية الخارقة وإنما أولئك الذين يملكون خلق التسامي وأولئك الذين انتصروا على التحديات داخل نفوسهم وأولئك الذين يملكون قوة التضحية ونفع الأهل والغير وإرادة وفعل الخير، وهذا كله لايجلب من الخارج وإنما هو شعاع من نور يولد ويكبر في داخل الإنسان. حقيقة ما نفعنا مال كمال لأبي عبدالمحسن فعطاءاته صباح شمسه لاتغيب وهذا هو شرف الغنى ومراتب الشجعان الفضلاء، فما قدمتم هو ما نفاخر به ومحل اعتزازنا ومنار إعجاب القاصي والداني وحديث كل فرد من أبناء المجمعة وقد أسرتم الآخرين بحسن الخلق وتعاملكم وتبسطه. وأنتم في الأصل لستم بحاجة إلى أن تبرهنوا على نبل الطباع والكرم والوفادة، فهذا معروف منذ القدم عنكم أيام قلة اليد وندرة المبذول تفعل هذا عن إيمان راسخ لاتصنع فيه فهو السعيد الحق الذي يصغر عند نفسه ويكبر في أعين الناس، ولهذا لن يفقد محبة الناس له وإقبالهم عليه فمثل هذه الأعمال الخيرية التي تخدم الناس والمجتمع ومن هم في حاجة لها لا يموت صاحبها وان فني جسده. فاهنئي بلدتي ومدينتي برجالك ونامي قريرة العين مطمئنة على أبنائك وأحفادك فقد خرج من صلبك الأصيل أشاوسة الرجال الأوفياء وهذا العلم الفذ والرمز يقول في رسالته إلى أبنائه )حتى لايصيبنا الدوار(. كان لمجتمع القرية فضائل لايشعر معها اليتيم والصغير بإحساس مرارة اليتم، كل القرية أهلنا أسرتي تتساوى وتتآخى مع جميع أسر القرية في حب ووئام. فعلا قد أدركتم أن الحياة قصيرة وقد كان ادراككم الأكبر هو )ذكر الفتى عمره الثاني(، وإنني أعيد وأكرر وأزيد وأذكر بتسمية شارع الأربعين بالمجمعة بشارع الشيخ عبدالعزيز التويجري عرفانا وإكراماً لشهامته وعطاءاته المتدفقة لان الأمة التي لا تكرم نابغيها ولا تقدر رجالها يقل فيها النبوغ وتفقر من الرجال. ونحن نقول هذا كل ما نملكه كلمات على وريقات تذكركم فتشكركم ولكن: ما ضاع مال ورث الحمد أهله ولكن أموال البخيل تضيع ولله در أبي الطيب حين قال لأميره: ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها عقود در فما أرضي لكم كلمي وما نفعنا مال كمال الشيخ التويجري... فعطاءاته للمجمعة صباح شمسه لا تغيب. والله تعالى منه العون والسداد.. عبدالعزيز حمد العبدان