أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد المسلمين بتقوى الله عز وجل وأن يجعلوا مراقبتهم لمن لا يغيب عنهم نظره وأن يشكروا من تترادف عليهم نعمه والتوبة من المعاصي والاستعداد ليوم يأخذ فيه بالأقدام والنواصي. وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس في المسجد الحرام ها أنتم في مقتبل عام هجري جديد جعله الله عام خير وبركة وأمن وأمان وجمع فيه كلمة المسلمين على الحق وأعز الإسلام وأهله ونصر الحق وأوليائه. وأضاف يقول (إن في قوارع الدهر لعبرا وفي حوادث الأيام لمزدجرا مرور الليالي والأيام يخرب عامرا ويعمر قفال)، محذرا من الزخارف المضلة حيث الفرص تفوت والأجل موقوت والإقامة محدودة والأيام معدودة ، قال تعالى (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون). ومضى فضيلته يقول إن حديث الزهد ليس تزهيدا في العمل ولا في عمارة الأرض ذلكم أن الصلاح الإنساني ينبع من أعماق النفوس ومن القلوب التي في الصدور تزكوا القلوب بالإيمان وأنوار القرآن وتتطهر النفوس بالطيب من القول والصالح من العمل والحسن من الخلق مصدر النعيم الأكبر في الدنيا قلب خالطته بشاشة الإيمان نعيم يغني عن كل نعيم. وبين أن عالم اليوم يعيش أزمات فكرية ومشكلات اقتصادية ومختنقات مالية ،وقال : وعلاقة الإنسان في ديننا في هذه الدنيا عمل وتسخير وبناء وتعمير كما إنها في ذات الوقت علاقة ابتلاء واختبار وغاية ذالك كله تحقيق العبادة لله عز وجل والمسلمون في عباداتهم يجمعون بين تحقيق العبودية لله وتوحيده والإخلاص له وبين شهود المنافع وابتغاء فضل الله. وأوضح أن الزهد في الدنيا يكون في ستة أشياء في النفس والناس والصورة والمال والرئاسة وكل ما دون الله مستشهدا بقول ابن القيم معلقا على ذلك ليس المراد رفضها فقد كان داوود وسليمان عليهما السلام من ازهد أهل زمانهما ولهما من الملك والمال والنساء مالهما وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أزهد البشر على الإطلاق وقدوة الزاهدين وكان يأكل اللحم والحلوى والعسل ويحب النساء والطيب والثياب الحسنه وكان علي بن أبي طالب وعبدالرحمن بن عوف والزبير وعثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين من الزهاد على ما كان لهم من الأموال الكثيرة وقد قيل للإمام احمد أيكون الرجل زاهدا ومعه ألف دينار قال نعم على ألا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت. وزاد الشيخ بن حميد يقول من حقق اليقين وثق بالله في أموره كلها ورضي بتدبيره ولم يتعلق بمخلوق لا خوفا ولا رجاء وطلب الدنيا بأسبابها المشروعة ومن رزق اليقين لم يرضي الناس بسخط الله ولم يحمدهم على رزق الله ولم يذمهم على ما لم يؤته الله وقد علم أن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا ترده كراهية كاره فكفى باليقين غنى ومن غني قلبه غنية يداه ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه فالقناعة لا تمنع ما كتب والحرص والطمع لا يجلب ما لم يكتب فما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطاك لم يكن ليصيبك. وأردف فضيلته يقول إن من اعتمد على الله كفاه ومن سأله أعطاه ومن استغنى به أغناه والقناعة كنز لا يفنى والرضي مال لا ينفذ وقليل يكفى خير من كثير يلهي والبر لا يبلى والإثم لا ينسى والديان لا يموت وكمال الرجل أن يستوي قلبه في المنع والعطاء والقوة والضعف والعز والذل وأطول الناس غما الحسود وأهنأهم عيشا القنوع والحر الكريم يخرج من الدنيا قبل أن يخرج منها. وقال إمام خطيب المسجد الحرام إن من عظمت الدنيا في عينه أحب المدح وكره الذم وربما حمله ذلك على ترك كثير من الحق خشية الذم والإقدام على شي من الباطل ابتغاء المدح فهو كاسب لغيره ساع لقاعد جائع لواجد فقره بلؤم طبعه وفرط شره وإشراف نفسه لا ينتفع بشي ولا يستريح من تعب كم من غني كثير المال تحسبه فقيرا معدما نفسه صغيرة ووجهه عابس ترهقه قترة حريص على ما في يديه طامع فيما لا يقدر عليه. وبين أن بعض العلماء قالوا لقد جهل قوم فظنوا أن الزهد تجنب الحلال فاعتزلوا الناس وضيعوا الحقوق وجفوا الأنام واكفهرت وجوههم ولم يعلموا أن الزهد في القلب وأن أصله انصراف الشهوة القلبية فلما اعتزلوها بالجوارح ظنوا أنهم استكملوا الزهد والقلب المعلق بالشهوات لا يتم له زهد ولا ورع. محاسبة النفس وفي المدينةالمنورة بين فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي الحذيفي في خطبة الجمعة أمس أن فلاح المسلم وحسن عاقبته وسعادته في الدارين بمحاسبة نفسه بحملها على ما يرضي الله تعالى وإبعادها عما يبغض المولى عز وجل ، قال الله تعالى (يا أيها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون). ومضى الشيخ الحذيفي قائلا (كلنا يرى ويعلم ما نزل بالمسلمين من المصائب وما حل بهم من النكبات وما أصابهم من الشدائد العظام في تاريخهم الحاضر وسبب ذلك من عند أنفسنا بالذنوب والمعاصي والتقصير في الواجبات والفرائض ، قال تعالى (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) ، فربنا عز وجل يحب التوابين والمتقين ولله سنن يجريها على خلقه بعدله وحكمته لا يحابي فيها أحدا وقد وعدنا الله تعالى ووعده الحق بأنه لا يعذب من آمن وشكر ، قال تعالى (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما)، قال المفسرون لا يعذبكم الله في الدنيا ولا في الآخرة إن شكرتم نعمه وعرفتم قدرها وآمنتم بربكم بعمل الصالحات وإنما يعذب من كفر بربه فعمل السيئات ولم يقم بشكر النعم فهل بعد هذا كرم وعدل). وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أن صلاح حال المسلمين في إصلاح ما بينهم وبين ربهم وما يؤتى الإنسان إلا من قبل نفسه وان استقامة أحوال المسلمين وثباتهم على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يتولى الله بذلك أمورهم ويقيم أحوالهم على الوجوه الحسنة ويدفع الله بذلك ضرر وكيد أعدائهم ، كما قال تبارك وتعالى (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط). وقال الشيخ الحذيفي إن الصلاة وتحقيق التوحيد لله رب العالمين يصلح الله بذلك الفرد والمجتمع مع ما يتبع التوحيد والصلاة من أحكام الدين وتشريعه والدعوة إليه ، وفي الحديث (أول ما يحاسب عليه العبدالصلاة فان قبلت قبل سائر العمل وان ردت رد سائر العمل) ، والصلاة زكاة البدن والأعمال والأقوال والاعتقاد ولا دين بلا صلاة وقد فرضها الله في كل دين شرعه وعلى كل امة أرسل إليها رسولا ، ومنزلتها في الإسلام أعلى منزلة فرضها الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته بلا واسطة ليلة الإسراء والمعراج وهي خمس في العمل وخمسون صلاة في الأجر . ومضى إمام وخطيب المسجد النبوي يقول إن سر نجاح المسلمين وسعادتهم في إقامتها ، قال الله تعالى (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) ، وإذا كان الخلل في الصلاة اختلت أمور الفرد والمجتمع وليعتبر المسلمون بحال الصحابة ومن تبعهم بإحسان فقد أحسنوا فجزاهم الله احسانا. وأضاف فضيلته أن الصلاة أقوال وأفعال مشروعة توجب التحري للسنة والتزام الإخلاص لله عز وجل والاجتهاد في تحقيق شروطها واستيفاء أركانها والقيام بواجباتها والاستكثار من المستحبات فيها لترفع للرب تبارك وتعالى وترفع صاحبها ، وإذا كان التابعون يكثرون من سؤال الصحابة عن كيفية وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويشاهدون صلاتهم التي صلوها مع خير البرية بل الصحابة يسأل بعضهم بعضا عن بعض صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض أحكامها التي خفيت على السائل ليقتدوا بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الكاملة امتثالا لقول الله تعالى ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) ، متسائلا فضيلته قائلا (إذا كانت هذه حالهم فكيف بحالنا في هذا العصر مع البعد عن عصر النبوة ولا شك أن الواجب علينا أعظم والاجتهاد أشد في معرفة تفاصيل الصلاة وأركانها وواجباتها وسننها لتكون وفق صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدر الاستطاعة). وقال الشيخ الحذيفي (إنه مع خفاء السنن في كثير من البلدان وانتشار الجهل بالعلم الشرعي يدخل الخلل والتقصير في الصلاة وإذا فقد الحرص على التعلم فلا تسأل عن ضياع الصلاة ولو قدر اختبار للمصلين في المساجد والبيوت والبوادي في العالم الإسلامي لكانت نتيجة الاختبار عدم إحسان كثير من المصلين لصلاتهم بل تقصيرهم في قراءة الفاتحة قراءة صحيحة وجهلهم باركان الصلاة وواجباتها فضلا عن سننها وأذكارها). وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أن روح الصلاة هو الخشوع والطمأنينة في أركانها وأقوالها بلا عجلة ولا إسراع وصحة الصلاة وكمالها في كل قراءة وذكر وفعل بوزنها بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالموافق من الصلاة مقبول مضاعف وصاحبها مأجور والمخالف لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود وصاحبها مأزور والتطويل في الصلاة والتخفيف مرد ذلك إلى السنة ، كما يرجع في التطويل والتخفيف الجائز إلى أهل العلم الراسخين من أهل السنة والجماعة ولا عبرة برغبة الجهال وأقوال أهل الأهواء والكسالى ، فعن أبي بردة الأسلمي رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح وكان يقرأ في الركعتين احداهما مابين الستين إلى المائة) ، وهذا إتقان وإحسان وكمال للصلاة وسبب خفة الصلاة عليهم مع طولها اتصافهم بالهمة والعزم الصادق الذي تتواضع أمامه الجبال الشامخات. وأوضح فضيلته أن الصفة الثانية هي المحبة ، وقال (المحب لا يستطيل زمن محبوبة بل يحب طول الوقت ليظفر به فقد جعلت قرة أعينهم في الصلاة وفي هذا الزمان ضعفت الهمة وضعفت المحبة فكانت صلاتنا دون صلاتهم ولكن على الأئمة أن يوفوا للناس صلاتهم وأن يسددوا ويقاربوا بما لا يخل بالصلاة ولا ينقص تمامها وبما لا يشق على المأمومين ويعسر عليهم وعلى المأمومين تنبيه الإمام إذا أخل بشيء من أفعال الصلاة وإعانته على الوفاء بأمانته بتذكيره بالنقص الذي يقع). وبين الشيخ الحذيفي أن الأمر الثاني الذي يصلح الله سبحانه وتعالى به أحوال المسلمين هو توحيد رب العالمين وهو أساس الدين وكل أركان الإسلام مبنية عليه وكل عمل صالح تابع للتوحيد فإن حققه المسلم فطوبى له وحقيقة التوحيد توجه القلب إلى الله وتعلقه بربه بالقصد والإرادة والمحبة والتوكل وطلب النفع للخيرات وسؤال الله لدفع الشرور والمكروهات وإخلاص الدعاء لله وكل رسول بعثه الله بالتوحيد وما وقع من التغيير والتبديل في شرائع الرسل قبلنا لم يقع ذلك إلا بعد نسيان التوحيد ووقوع الشرك المنافي لما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام.