أحمد الله أنني لست من أولئك المرجفين الذين دائما ما يتهمون أبناء مجتمعنا بل أبناءالأمة العربية بأنهم ضد النظام وأنهم غير منضبطين ونجدهم عند أدنى مناسبة يطرحون أبناء الغرب أنموذجا للالتزام بالأنظمة والتقيد بها. إنني أعتبر تكريس هذا المفهوم ضرباً من الاستلاب الحضاري، بل اختراقاً لأنقى تعالمينا وأزعم أنه يؤدي الى تكريس عدم التزام العربي بالأنظمة! نعم.. هناك أناس كثيرون لا يلتزمون بالأنظمة. لكن - من المؤكد - أنه ليس كل أبناء هذا المجتمع أو أبناء المجتمع العربي غير ملتزمين بها.! هذا من جانب.. أما الجانب الآخر والأهم فهو يعود الى «مسألة الوعي» حيث أننا عندما نقيس النقلة الثقافية والتعليمية لأبناء الغرب نجدهم في عصرنا الراهن سبقونا بأشواط كثيرة بعد أن كنا نحن السابقين.. ولكن الأيام دول..! إن رسالة أصحاب الكلمة سواء منابر الاعلام بكافة أشكالها، بل حتى في جلساتنا الخاصة هي أن نسعى الى بث المزيد من الوعي حول أهمية احترام الأنظمة والمواعيد من منطلقاتنا الدينية والحضارية العريقة وأن نبتعد عن تكريس عدم الانضباط وكأنه «وشم» في سلوكنا. إن مثل هذا التركيز على عدم تقيدنا بالأنظمة طرح يصيب باليأس والإحباط وبخاصة لدى الأجيال الجديدة!. إنني لا ألقي هذا الكلام اعتباطا ولا أطرحه تعصباً لأهلي وأبناء أمتي لكن الواقع يثبت ذلك!! وأمامي وأمامكم ثلاثة نماذج: انظروا مثلا عندما يأتي الناس «مستشفى» يسوده النظام والانضباط فإننا نجدهم منضبطين وكل واحد في مقعده ينتظر دوره سواء عند الدخول الى الطبيب أو عند الصيدلية أو غيرها، لكن في المقابل انظروا الى هؤلاء الناس عندما يراجعون جهة ليس النظام فيها منضبطا إنك تجد فوضى هؤلاء الناس وعدم تقيدهم بالأنظمة وترتيب الدخول والخروج!. إن الخلل هنا ليس في الناس ولكن الخلل في الأنظمة وعدم انضباطها وعدم مراقبتها والحزم في تطبيقها. كما لا أنسى ان هناك أمورا تتوقف على مسألة الوعي، والزمن فقط هو الكفيل بإصلاحها وتعديلها كما أشرت آنفا.أما الأنموذج الثاني فإن الكثيرين يذكرون في «الرياض» مثل أنه إلى سنوات معدودة كانت الأبواق تصك سمعك فهي عن يمينك وعن شمالك وهي تزعج الناس داخل الحارات والأحياء لكن تلاحظون الآن اختفاء ظاهرة ازعاج الأبواق بل أصبح سماع صوت بوق السيارة دونما سبب ظاهر ملفتا للنظر.. وإذا كانت هناك حالات شاذة فهذا الشذوذ هو الذي يؤكد القاعدة. وأشير أخيرا الى آخر أنموذج جسد احترام الناس للأنظمة وتقيدهم بها عندما سبق هذا التنظيم ولحقه توعية جيدة شاملة، ثم صاحب تطبيقه حزم ومراقبة، ذلكم هو نظام «حزام الأمان»!. لقد أصبحنا نرى أغلب الناس يتقيدون بربط الحزام عن قناعة وعن وعي في أغلب الحالات. أصبح الكثيرون حال ركوبهم سياراتهم «يدخلون لسان الحزام حتى يسمعون صوت المزلاج»، كما نسمع في تعاليم الطائرة التي كثيرا ما سمعناها وان كان الكثيرون منا لا يفهمون الكثير منها.! إذن.. المسألة مسألة وعي وزمن ومراقبة. وليس العيب في أبناء أمتنا وأهلنا فلندع ترسيخ مفهوم عدم انضباطية أبناء المجتمع وتكريس اتهامهم بالفوضوية. لنستبدل ذلك بزرع الثقة، والحفز على الانضباط، والنأي عن التثبيط، وترسيخ مفهوم ان «الفوضى هي قدرنا»!. حوارجمع بين الصدق والثقة شدني ذلك الحوار الذي امتاز بالصدق مع سمو الأمير فهد بن سلمان بن عبدالعزيز على قناة )ART(، لقد أحسست أن الضيف الكريم تحدث بكل نقائه وصدق أحاسيسه عن حياته وعن وطنه وعن رجال هذا الوطن، ولم يتورع أن يجيب على أي سؤال مهما تبدى أنه محرج والانسان الصادق يتلقى أي سؤال ويجيب عليه بكل ثقة..! ولقد توقفت متأثرا عند بعض اجابات الضيف الكريم. وأولها عندما سأله المحاورالأخ مساعد الخميس عن مفهوم السعادة لديه، فكانت اجابته:«إنني أحس بالسعادة كلما استطعت ان أساعد إنسانا» وقد صدق هذا الرجل قولا وفعلا فأنا أعرف وأسمع كثيرا عن حبه لعمل الخير وفقه الله، ولعل اجابته هذه تعضدها تلك الحكمة الجميلة التي تقول:«إذا أنت رششت العطر على الآخرين فلابد ينالك قطرات منه»، وهذا صحيح ومجرب فأنت عندما ترسم بسمة على شفة من يحتاج اليها فالله سبحانه يكافئك بالدنيا قبل الآخرة بسعادة غامرة تضخّ جداول الفرح بين وديان نفسك.! وثاني هذه الوقفات المؤثرة عندما سئل عن والده سمو الأمير سلمان فأجاب جمعت بين الدقة والصدق حيث قال:«إن كل شيمة طيبة فيّ فإنني اكتسبتها من والدي وإذا كان هناك أشياء أخرى غير جيدة فهي من نفسي».! وقد صدق، ونعم الأب القدوة، ونعم الابن المقتدي، ولعل أهم صفة اكتسبها من والده هو حب الخير ولا أريد ان أعلق على ذلك كثيرا فوالده الحبيب سلمان لكأنه لا يظفر بالراحة إلا عندما يعمل خيرا أويساعد إنسانا، ولكأن الشاعر عناه وأمثاله من المؤْثرين على أنفسهم عندما قال: «أقسِّم جسمي في جسوم كثيرة وأحسو قراح الماء والماء بارد» وأسأل الله أن يجعل له ذلك في الدنيا ذكرا باقيا، وفي الآخرة أجراً وافياً. أما حديث الأمير فهد بن سلمان عن والدته فأنا من الذين ينهزمون ويخفضون جناح الذل من الرحمة عندما يجيء الحديث عن الأم، حفظ الله له والدته ورحم الله أمي وكل أم رحلت عن هذه الدنيا. وأما النقطة الأخيرة التي توقفت عندها في هذا الحوار، فهي اجابته عندما سأله المحاور سؤالا ظن فيه بعض الحرج وذلك عندما سأله عن أخيه سلطان بن سلمان عندما تعين على مرتبة وزير وهل نابه شيء من الغيرة فكان الجواب الطبيعي والجميل والذي جسد عمق حب الأخ لأخيه:«بل إنني سعدت بذلك. ونحن لا يمكن ان يتم بيننا كإخوان بل كأسرة مثل هذا الشعور ثم أفاض بالثناء على أخيه سلطان الذي يستحق ذلك. وبعد: لقد عرفت من أبناء الأمير سلمان فهد وسلطان وعبدالعزيز وأحمد وفيصل وكلما عرفت واحداً منهم وجدته على ذلك الخلق الكريم والتواضع الجم، وحب هذا الوطن كيانا وانسانا وليس ذلك بمستغرب عليهم وقد تربوا في كنف سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وحفظ له. نداء ندى! فجأة وأنت غارق بين مشاغلك، مستغرق في شؤون الحياة التي لا تنتهي يأتيك: نداء ندي كقطرة مطر هتاف ضاج بالشوق كقلب عاشق صوت بهي كضحكة طفل كم تنتشي مشاعرك - عندها - بهذا النداء الندي عندما يكون من غال باعدت بينه صروف الدنيا.! إن نداء هذا الغالي يتهادى إليك فتحس به رحيقاً عذباً يطفىء لهب الحريق في وديان ظمأك.