هل فكّرْت أيها السائق، في الصباح الباكر، من كلّ يوم في أولادك، وهم يستعدون للذهاب إلى مدارسهم، وفي سلامتهم من الحوادث المرورية، مع الصباح الباكر؟ بل هلْ وضعت نفسك من ميزان الموازنة؟ وماذا قد يفاجِئك، إما بخطئك أو بخطأ غيرك ، وكيف تتفاجأ في زحمة الذهاب إلى العمل، وما يطرأ من بعض السائقين، وخاصة الشباب، الحريصين على تجاوز من كان أمامهم بحق أو بغير حقّ؟ ..بل لعلك تحسُّ بكثير من الحركات الطائشة، التي تسمعها من الإذاعة كلَّ صباح، كنشرة من المرور، عن مَواطن الاختناق في الطريق، والتوجيهات للمسارات البديلة.. ثم كُنت مِنْ المستجيبين، بل ما هو شعورك، وشعور كل أبٍ وأمٍ عندما تصل إلى مكتبك بالسلامة، فتفاجأ بسماعة الهاتف، تسأل عنك، ويجيبك على الطرف الثاني، رجل المرور مستوضحاً، هل أنت فلان، فتجيب بنعم، وتكون الإجابة صدْمةً لك، بأن ابنك أو ابنتك، أو أحد أقربائك، في المستشفى نتيجة حادث مروري، فتسرع منذهلاً لتعرف أنّ سائقاً من هؤلاء الشباب أسرع حتى يوصِّل إخوته لمدارسهم، أو غيره ممن تقدم به السنّ، وكان ذهنه شارداً، لتكون الضحية مَنْ هم أعز عليك من نفسك. إنَّ هذا وأمثاله كثير، في كل لحظة من ليل أو نهار، بسبب ضعف الوعي المروري، وعدم المبالاة بالآخرين، والأنظمة.. فلو أنّ كل قائد سيارة وضعَ نفسه في مَوْطن الإحساسِ والمسؤولية، واحترم غيره، وأعطى الأسبقية لمن منحته أنظمة المرور، تجاوزاً وتقيداً بالسرعة ويقظة، لخفت بإذن الله الحوادث. ولو أن إدارات المرور أعدّت كتيبات، تتضمن أنظمة السير، وكتبت على جوانب الشارع، الرئيسة والفرعية، السرعة وعلامات التقاطع الداخلية، لخفت حوادث المرور.. ولن نُطالبهم بتقديمها هدية لكل سائقٍ يجدد رخصته، أو يأخذها مجدداً، ومع كل رخصة سير للعربات بأنواعها، نقول: لا نريدها بالإهداء؛ لأن ما يهدى لا يقرأ.. ولكن بالثمن نقداً، وهو أنفع. أو يضاف على الرخص عموماً قيمة هذه النشرة التوعوية، وحتى نحفز من أخذها على الاهتمام يضاف فيها معلومات عن المخالفات وأقيامها؛ حتى يحسب لها السائق الحساب الغالي؛ لما في ذلك من مخاطبة للجيوب وما يخرج منها.. وحبذا في صفحة من هذه النشرة، التي سيكون لها أثرٌ وتدخل كل بيت، إعداد نشرة شهرية أو سنوية عن الحوادث والخسائر فيها، أنفساً وأموالاً، وصحة وإعاقات. فكم من امرأة ترمّلت، وكم من طفل أصبح يتيماً، وكم من أسرة مسّهم الضراء، وبدؤوا يتكفون الناس؛ لأن عائلهم الوحيد، الذي يقوم عليهم، كان من ضحايا المرور، وقلة الوعي بأنظمته. إنكم جميعاً، وبحمد الله في هذا البلد، مسلمون وحريصون على تعاليم هذا الدين، وإنْ حصلت غفلة من بعض الناس فإنه بالمواقف المحزنة والعاطفية يرعوي ويرقّ قلبه، فيذكّرون ببعض الحوادث وما جرّت من آثار نتيجة أمور كثيرة، هي من عدم المبالاة بأنظمة المرور، ومنها بعد وقت ووقت: 1 - فحص السيارات وعجلاتها دورياً. 2 - وتزداد الأهمية إذا كانت هذه السيارة ستأخذ سفراً وبعائلة. 3 - مراعاة الوقت المناسب للسفر. 4 - عدم القيادة والسائق لم يأخذ قِسطه من النوم. 5 - عدم تسليم القيادة للأحداث الصغار في السفر. 6 - تفقد الهواء في العجلات والوقود. 7 - الاستعداد بما يهم السيارة ومن فيها مدة السفر وزيادة. 8 - الحسبان للأمور الطارئة. 9 - ألا يقود السيارة من به مرض: كالحمى والسكر، والصداع وغيرها من أشياء لا تجعل الإنسان قادراً عن مراقبة الطريق، والتحكم في سيارته كالمنومات والمخدرات والمنشطات؛ فالإسلام يأمرنا بعدم الإساءة إلى الآخرين، ولا السعي في الأرض للإفساد، ولا التعالي والتكبر، ولا أنْ نُلْقي بأنفسنا إلى التهلكة، وذلك بالسرعة التي تتحكم فيك، ولا تتحكم فيها. فيجب التواضع؛ لأن مَنْ تواضع لله رفعه، وحسن الخلق؛ لأنّ البذاءة تجلب الضرر والمعاندة وشدة الغضب؛ ما ينتج عنه افتخار كل من الطرفين بسيارته وقوتها وسرعتها، فينتج عن هذا الاستعلاء أضرار كثيرة فيها، أو في المجتمع بسببها.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بحسن الخلق، ويقول: (إنكم لا تَسعُوا الناس بأرزاقكم ولا أموالكم، ولكن يسعهم منكم حُسْن الخلق وبسط الوجه)، وفي الحديث الآخر: (عليك بحسن الخلق فإنه جماع الأمر كله)، ولما سأله رجل بأن يوصيه، قال: (لا تغضب..). وإنّ من التوعية المرورية الاهتمام بترسيخ آداب الطريق، والتقيد بآدابه وواجباته، وأداء حقوقه كما ذكر الله عن نبيه لقمان عليه السلام، وبعض العلماء يرى أنه حكيم، وليس نبياً، وعلى كل حال، فرغم أنه كان مملوكاً إلا أن الله أكرمه بالحكمة، ومدحه سبحانه بصفات قالها لابنه، وجاءت وصايا لابنه، ينتفع بها الناس إلى قوم القيامة. وهنا نوردها لحاجة الناس إليها، ومنهم أصحاب المركبات بأنواعها، فمن تلك الوصايا المهمة في موضوعنا، قوله سبحانه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ. وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} سورة لقمان الآيات: 17-19). إن آداب الإسلام، التي يجب أن نتمثل بها، تبرز أمام الآخرين، الوافدين لديار المسلمين في حسن الخلق، وحسن التعامل والأدب الرفيع، والمرور بأنواعه وحركاته نموذج يجب أن يتأصل فينا؛ لما فيه من فوائد عدة، ومنها يعرف هذا الوافد لأول وهلة ما يريح نفسه، بانطباعه عن المستوى في قيادة السيارات، والانضباط في السير، وأداء ما يريح الآخرين في مثل هذه النماذج: 1 - تخفيف الحوادث بأكبر قدر ممكن. 2 - التعاطف مع أصحاب الحوادث بإسعاف المصابين. 3 - مساعدة مَن انقطع به سفره بسبب خلل في سيارته. 4 - عرض الخدمات لأصحاب أهل العطل في الطريق بالطعام والشراب وغير ذلك. 5 - الاهتمام بصاحب العائلة والأطفال. 6 - إبلاغ أول مركز صحي وأمني عن أصحاب العطل، من قطع غيار ونفاد محروقات وغيرها. 7 - الإحسان إلى من يحتاج إلى ذلك، ونقل صوته للجمعيات الخيرية على الطريق، وهذا داخل في مضمون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن مع المؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً) وشبّك بين أصابعه. 8 - إصلاح ذات البَيْن لمن يحصل بينهم شجار وخصومة؛ بسبب مماسات بين السيارات؛ لأن الله سبحانه يقول: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ..}( سورة النساء آية 114). وكثير من هذه الأمور تغطَّى مالياً، ومن مصارف الزكاة، حسب كل حالة، يقول سبحانه: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ..} (سورة النور آية 33). إنّ الوعي المروري، علاوة على كونه خُلقاً رفيعاً يأمر به ديننا، فإنه واجهة حسنة للأمة، أمام الآخرين والوافدين، يُعلي مكانة الأمة، وفي الاستهانة به ينفتح الباب لكل وافد أن يتلاعب بمقدرات الأمة، ويسيء سمعتها وينسب عملهم وصمةً علينا.. فيجب علينا أن نراعي ذلك. الفقر عدوّ قاسٍ: جاء في كتاب (مقالات الأدباء، ومناظرات النجباء) لعلي بن هذيل المتوفى آخر القرن الثامن الهجري، دراسة وتحقيق الدكتور عبدالرحمن بن عثمان الهليّل، في مقالة المؤلف الحادية والثمانين: أن الفضل بن يحيى بن برمك أمر بالنداء في الجانب الغربيّ في الجانب الغربي من بغداد (من كان غارماً أو منقطعاً به، أو مديوناً أو شاباً أراد التزويج فلم يمكنه، أو نالته جائحة في ماله، فليذكر ذلك برقعة، وليرفعها في رأس كل شهر، في أول خَمِيسٍ منه، ولا يخلُط ذلك بغيره، مما ذكرنا: من دعوى أو مظلمةٍ أو خصومة، ولا يخلط هذا بسعاية في أحد أو شكاية، فإننا لا ننظر في غير ما قدّمنا ذكره). فكتب بعض أولاد النعم ورقة كبيرة، وكتب فيها (انصرني من خصمي)، ثم كتب اسمه. فلما وقعت الورقة في يد الفضل، فكّها فلم يجد شيئاً، فقال للخادم: انشر فإني أحسبُ صاحب هذه القصة البائس قد خلط. فلما نشرها وقرأ ما فيها اغتاظ، وقال: يا غلام صِحْ في الناس: أين صاحب القصة البيضاء - يعني الورقة - فجاء ودخل، فلما كان بين يدي الفضل، وإذا عليه أطمار رثّة، إلا أنها ناعمة دَنِسَهْ. فنظر إليه ملياً ثم قال: أليس قد سمعت ما أمرنا به، من أنْ لا تخلِطْ هذا اليوم بشيء من الدعاوى، والمظالم، وإنا قد أقمنا من يعديكم على من استعديتم عليه: مَنْ كان وأيْن كان في شرقٍ أو في غرب؟ قال: بلى - أطال الله تعالى بقاءك - فإنّ الأمر على ما ذكرت، قال: فَلِم خالفت؟ قال: لأنه لا يقدر أن ينصرني على من استعديت إلا الأمير، أدام الله تعالى عمره، قال: وعلى من استعديت؟ قال: على أشدّ خلق الله بطشاً، وآلامه ظفراً، وأقساه قسوة، وأهتكه لستر، وأوصفه لقدم.. قال: ومَنْ هذا لا أحاطه الله تعالى، ولا كلله؟ قال: الفقر، أعز الله تعالى أمير المؤمنين. فأكبّ الأمير على البساط، ينكُثُ عليه بقضيبٍ كان في يده، ويفكر طويلاً، ثم رفع رأسه إليه، فقال: والله إنه لعلى ما ذكرت، وشرّ ما وصفت!! يا غلام عليّ ببدر عشر، فجيء بها. فقال: خُذْها، فغُمَّ بها فم الفقر (يعني سُدَّ بها فمه)، نشدتك الله تعالى، إن عاد فَعُد إليّ متظلماً. فقال الفتى: من عاد بعد هذا، فلا أنجبر. قال: ذلك إليك فاختر.. فسجع له الفتى في الدعاء، وانصرف. (ص242-243).