السعادة مطلب كل انسان وتبذل الملايين لنيلها والفوز بها ولكن هيهات. فالسعادة أعيت ذوي المال والجاه والمركز منذ القدم .ولا زلنا نرى أناساً سعداء مع ان أحوالهم مستورة ولديهم من المشاكل الكثير، كما نرى أناساً غير سعداء رغم رغد العيش وقلة المشاكل. والسبب في ذلك هو ان السعادة تنبع من داخل النفس وليس من خارجها، فالمؤثرات الخارجية بقاء تأثيرها قصير واذا زالت زالت السعادة معها ولكن اذا كانت تنبع من داخل النفس فإن ذلك معين لا ينضب ومقاومته للأحداث والنوائب قوية لا تجارى. وقد يقول قائل ما هي مؤهلاتك في درب السعادة حتى ترشدنا لأبوابها؟ فأقول إنني بذلت جهدا في التفكير وفي القراءة وفي المحاولة حتى تبينت لي معالمها وبدأت ألمسها واشم رائحتها وإن كنت لم أصل إليها حتى الآن وأريد ان أُشرك معي من أراد أن يسلك هذا الطريق فمهمتي هي وضعه على الطريق وعليه اكمال الباقي ومن سار على الدرب فقد وصل .طريق السعادة: لقد تيقنت ان الايمان الحق هو السعادة فالمؤمن يسعد بصلاته وبكل عباداته، ذلك لأن الايمان العميق ينزع من الانسان مقاومات السعادة مثل الحسد والحقد والغيرة والطمع والكراهية والتشاؤم والأنانية وهمُّ الغد ومقارنة النفس مع من هم أحسن منه وغيرها. ويمنحه مقوماتها مثل راحة البال وراحة الضمير والتفاؤل والقناعة والتسليم بالقدر، فعلى المرء ان يقوي ايمانه للوصول الى السعادة. ويصعب علينا ان نعرف السعادة ولكننا نستطيع ان نعرف الأجواء التي إذا توفرت هيأت أرضا خصبة لها ومن هذه: السعادة يسعى إليها: الخطوة الاولى التي يجب ان يعرفها الانسان هي ان السعادة لا تأتيه من ذاتها بل لابد ان يسعى إليها والخطوة الثانية هي ان السعادة تنبع من داخل النفس وليس من خارجها، فاذا عرف الانسان هاتين الحقيقتين فإنه قد وضع نفسه على أول الطريق. واذا جهل ذلك فإنه يظل يؤجل التمتع بما عنده وما هو فيه الى ان يحقق هذا ويصل الى ذاك ثم يضيع عمره وهو يحلم بالوصول الى واحة النعيم. ذلك ان الانسان اذا وصل الى مرحلة من النضوج العاطفي فإن ردود فعله تكون قد استقرت فإذا لم يكن سعيدا حينئذ فإنه قد يستمر كذلك ما لم تحصل تغيرات جوهرية في نفسه وفي محيطه ولكي لا يعتمد على الصدف فإن عليه ان يغير ما في نفسه وذلك بالتخلص من مقاومات السعادة التي ذكرتها سابقا وقد شرحت في مقالات سابقة كيف تتخلص من بعض العواطف السالبة كالغيرة والغضب ومركب الذنب وهي باختصار الاعتراف بها وقبول وجودها ثم البحث عن أسبابها وتصحيحها إن أمكن وأخيرا تفنيدها منطقيا.فطالما يتنازع الانسان مشاعر سالبة كهذه فإنه لن يكون سعيدا وليس المقصود ان يتخلص من هذه المشاعر مائة في المائة فذلك قد لا يكون في طاقته، ولكن يخففها الى درجة التعايش معها بسلام، وهذا جهد يجب ان يستمرطول العمر وفي نفس الوقت يبدأ بزرع العواطف الموجبة في نفسه كالتفاؤل والقناعة والرضا بما عنده وما هو فيه.. وكلما خفت العواطف السالبة سهل إحلال العواطف الموجبة محلها ويتم غرس مثل هذه العواطف بتعداد النعم التي انعم الله عليه بها وبالدعاء الى الله وبتغيير نظرته وتفسيره للأمور«وقد كتبت عن كيفية تحقيق ذلك في مقال سابق» وبتصنعها مع تكرارذلك دون ملل حتى يمنَّ الله عليه بها وهذه صدقوني طريقة فعالة وقد جربتها وينصح بها علماء النفس الذين ثبت لهم صحة مقالة ملتن: «إن العقل هو مكانها وبوسعه وحده ان يخلق نعيماً من جحيم وجحيماً من نعيم» ثم هناك مجال واسع من أبواب جلب السعادة وهو اعتناق عمل خيري أو صدقة ينفع الناس بها وتشغل نفسه وتملؤها بالسعادة ولا يلزم ان يكون كبيرا، بل على قدر طاقة الانسان وجهده. وبعد ذلك لا يحسب الانسان ان السعادة ستخيم عليه طول الوقت، فالحياة ليست كذلك ولكنه سيشعر بنفحات منها بدرجات متفاوتة مع راحة البال والتفاؤل بما هو آت: وهنالك من يظن ان القناعة وراحة البال هي وإن كانت من مقومات السعادة الا انها من دواعي الاستكانة والتثبيط عن التقدم وأنا أقول إنه قد صح خلاف هذا فمن الذي غرس فينا فكرة ان القلق هو الذي يحفز الانسان على التقدم وان راحة البال مدعاة للقناعة والركود؟ إن القناعة وراحة البال تجعل الانسان يرى الأشياء بصفاء ووضوح وتمكنه من رؤية الهدف والعمل من اجله بدقة وثبات لا يوفرهما القلق والتوتر والله الموفق. [email protected]