يظن البعض أن السعادة شيء صعب خاصة في هذا الزمن الذي طغت فيه المصالح والماديات.. ويظن البعض الآخر أن السعادة لا تكون إلا بالمال والجاه والترف وكثرة الخدم. لكن الحقيقة الغائبة عن البعض أن السعادة الحقيقية والطعم الأصلي لها لا يكون إلا بالتقرب من الله والرضا بقضائه وقدره. السعادة عندما تحس أن كل يوم يقربك من الله وكل لحظة من حياتك هي لله فأكلك لله وشربك لله ونومك لله، عوامل تساعدك على عبادة الله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}. السعادة أن تجعل حياتك بيضاء يشع فيها نور الإيمان: هدفك فيها رضا الله والجنان والتقرب إليه بأنواع العبادات، وحكمتك فيها {قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}. السعادة الحقيقية في عبوديتك المطلقة لله، تلك العبادة التي على نهجها ترسم طريقك نحو سعادة سرمدية أبدية بجوار الرحمن ومع الأنبياء والصديقين والشهداء ومع الأحباب، والخلان. السعادة عندما تتقلب في نعم الله أمن وآمان، وصحة في الأبدان، وراحة واطمئنان، وقلب كله إيمان، تلك سعادة لا تقدر بالأثمان. السعادة بحكمة يمنحك الله إياها وبفكر وحس سليم تعرف به أين يكون الصواب وأين يكون الخطأ، وبعلم يحصنك ويحميك ويكون لك وقاية وسياجاً عن الوقوع فيما حرم الله، السعادة بدموع غزار تهطل في وقت فيه الناس نيام، تناجي فيها ربك أن يرحم أمواتنا ويغفر زلاتنا.. حقاً ما أجملها من لحظات تلك اللحظات التي يكون فيها معنى السعادة عظيماً وأصيلاً، يقول أحد الصالحين: لولا قيام الليل ما أحببت هذه الدنيا أبداً. ويقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: إن في القلب شعثاً لا يلمه إلا الإقبال على الله وإن فيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وإن فيه حزناً لا يذهبه إلا السرور بمعرفة الله وصدق معاملته، وإن فيه قلقاً لا يسكنه إلا الفرار إليه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له، وفيه حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه والصبر على قضائه إلى يوم لقائه. قال تعالى {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}. السعادة عندما يمنحك الله أماً تجسد لك كل معاني الحب والحنان والأمومة فترتمي في أحضانها متى شئت وكلما اشتقت لها. وبلمسة حنان من يديها تنسى كل ما كان يكابدك أو يشقيك من هموم وأحزان. حقاً ما أجمل أن يكون في حياتك من تشتاق إليه لكن المؤلم جداً جداً ألا تجده كلما اشتقت إليه. السعادة باب حريص يكون لك الأب والأخ والصديق، حريص على راحتك وصحتك يسعى ويعمل لتنعم أنت، يعيش معك ماضيك وحاضرك يخطط لمستقبلك يسعى لأن تكون الأفضل. السعادة بفرحة تدخلها على قلب مسكين فقير فيلهج لك بالدعاء ليل نهار لأنك في النهاية تبرعت بوريقات قليلة فكت أزمته وفرجت كربته. السعادة عندما تكون نفسك مليئة بالحب مشحونة بالتفاؤل فتعرف كيف تسكبها على قوالب الحياة، حينما تنظر إلى الناس من حولك فتجدهم أصدقاء وأحباباً الكل يبحث ويسأل عنك ويتلهف لرؤيتك. السعادة أن تمنح الحب لكل من حولك وتعاملهم بالحب فتصبح صديقاً فتصطبغ الحياة بالألوان ويكتنفها نهر الوفاء في عالم لا يعرف إلا التسامح والود والبياض، السعادة أن يعرف الإنسان أن التعامل مع الناس فن فيتعلم كيف يمتلك أدواته ومهارة تحتاج إلى جهد ورياضة فيسعى إلى تطوير ذاته نحو الفاعلية والإيجابية المطلوبة في كل وقت وآن. السعادة أن يعرف الإنسان حق المعرفة أن سلامة الصدر مطلب عظيم وهدف نبيل يحقق لك جزءاً من السعادة. أيها الإنسان الباحث عن السعادة... السعادة تنبع من ذاتك وحب كل ما هو حولك فستجد كل الحب، لا تنظر إلى الوراء فقد مضى بأفراحه وأتراحه، بأيامه وشهوره، هذا لا يعني أن ننساه بل ندعه في سكونه وصمته، نتذكر منه ما نستقوي به على مجابهة ما تفاجئنا به الحياة، أن نستلهم منه العبر والدروس، أن نتذكر ما فقدناه فيه من أحباب بشيء من الثبات والرضا بالقضاء فنبكي بكاء يخفف من مصابنا لا أن نزيد الفقد ألماً والألم حسرة وندماً. وابتسم ستجد الحياة تضج بألوان الفرح، انظر إلى المستقبل نظرة تفاؤل نظرة نور وبياض وبجرعة أمل ستجد كل ما حولك يلوح بالسعادة وصدق قول من قال: (إن تنمية التفكير المتفائل ورؤية الجوانب المشرقة في الحياة تجعل الإنسان سعيداً). أيها الإنسان الباحث عن السعادة انظر إلى حالك فأنت تملك الكثير وأمامك الكثير، لكن لابد من القناعة فهي زاد مهم في حياتك، إن علاجك شيء من القناعة التي هي في حد ذاتها جزء من السعادة. يقول الشيخ عبد الله بن حميد: السعادة مصدرها القلب ومظهرها الرضا ودليلها إدراك النعم والاعتراف بها.. والسعيد لا يأكل أكثر مما يأكل الناس ولا يملك أكثر مما يملك الناس ولكنه يرضى أكثر مما يرضى الناس. السعادة معادلة سهلة صعبة، سهلة في متناول اليد لمن عرف كيف تدار الحياة في ظل هذا الزمان، كيف تتحكم في عواطفك وأموالك، كيف تستفيد من علمك الذي حباك الله، كيف تكون محباً ومحبوباً في آن. السعادة أن يتعلم الإنسان كيف يستفيد من الأخطاء، كيف يتعدى الجراح دون أن يدفع تنازلات أو تضحيات. هكذا تضج الحياة بكل ما فيها بألوان من السعادة، فقد لا تكون واضحة للعيان، غير محسوسة في الوجدان لكن بمجرد أن يفقد الإنسان جزءاً منها يعلم ما كان فيه من نعيم وسعادة {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}. السعادة قريبة منك بعيدة عنك، فأنت تملك المقومات لكنك تجهل الطريق الموصل والمؤدي إليها، نظرة فاحصة وعميقة إلى وضعك وحالك مع الله، إلى قلبك وإيمانك، إلى حياتك وأعمالك فيها كفيلة بالإصلاح.. إنها بداية الطريق نحو السعادة. همسة يا أماني التي أهفو لها أشعريني بالرضا وابتسمي ليس هذا العمر إلا لحظة لا تضيعيها بدنيا الألم