الوقف في الإسلام أساس عظيم من أسس البناء الاقتصادي والتنموي، وركيزة مهمة من ركائز البناء الاجتماعي، ولاسيما في مجال التكافل، وفي ميدان العلاقات الاجتماعية الراشدة التي يضيئها التعاون على البر والتقوى. وفي العصور الإسلامية الأولى كانت هذه الشعيرة ظاهرة ومؤثرة في البناءين الاقتصادي والاجتماعي، يتضح ذلك من تصفح مواد التاريخ الإسلامي، ومافيه من إشارات إلى أوقاف على طلبة العلم والفقراء والمجاهدين والقضاة والعلماء، والمستشفيات والمصحات والمكتبات والمساجد ودور الأيتام وغير ذلك من مسالك الخير. والذين يقولون إن هذا الأساس أصبح ضعيفاً في المجتمع الإسلامي في العصور المتأخرة معهم كثير من الحقيقة، وإن كان الخير باقياً في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة بحمدالله. المؤلم حقاً ان يكون تطبيق هذه الشعيرة تطبيقاً لايحقق الأهداف المرومة منها، ولايناسب أحوال العصر الحاضر الذي يعيشه الناس في حياتهم اليومية المتجددة، ومافيها من معاناة وصعوبات تحتاج إلى تنظيم وإعانة من القادرين، وذلك إما بوقف أعيان لا تسد حاجة المجتمع، وإما بصرف مصارف الوقف إلى مصارف ليست أشد حاجة من غيرها. إن عملية اختيار الموقوف، واختيار مصارف الوقف فيما يحقق مصلحة مجتمع المسلمين الناجزة التي تناسب حال عصرهم هي من الضرورة الحالة التي لابد من تنوير بصائر الناس إليها بالحكمة والبيان السديد. ولاريب ان وسائل الاتصال المختلفة، من وسائل إعلامية متنوعة، ومن منابر جمعة وجماعات، ومن منابر وعظية، ومن منابر علمية في مدرجات الفصول الدراسية؛ عليها مسؤولية كبرى في التواصل مع المجتمع عبر وشيجة الطرح الجاد المعين على تبصير الفرد والمجتمع بأهمية الوقف وقدرته على مسايرة احتياجات الناس في هذا العصر. وفي سياق هذه المسؤولية، واستشعاراً لأهميتها وضرورتها أصدرت وكالة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد لشؤون الأوقاف كتاباً قيماً بعنوان: «الأوقاف في المملكة العربية السعودية» في ثلاثة أبواب. أما الباب الأول فقد تضمن خمسة فصول، كان الفصل الأول منها عن معنى الوقف ومشروعيته والحكمة منه وأركانه وجاء الفصل الثاني عن شروط الواقف وشروط الموقوف وشروط الجهة الموقوف عليها، وخصص الفصل الثالث للحديث عما يجري على الوقف من التصرفات كبيعه وإبداله بوقف آخر، وإجارته، وزيادة أجرته بعد العقد. والفصل الرابع خصص للحديث عن أحكام تصرفات الناظر، من حيث العمل الذي يقوم به عند إطلاق النظارة له، ومن حيث مخالفته لشرط الواقف، ومن حيث استدانته لمصلحة الوقف، مع شرح فقهي مفصل لقول الفقهاء: «شرط الواقف كنص الشارع». وتطرق الفصل الخامس إلى بيان الولاية علي الوقف، من حيث شروط الناظر، ومن حيث العمل عند عدم تعيين ناظر، أو فوض الأمر إلى اثنين فأكثر، ومن حيث أجرة الناظر، ومن حيث عزله. أما الباب الثاني فلم يقسم إلى فصول وإنما تضمن ثلاثة عناوين مهمة هي: الوقف وتجارب الأمم والحضارات الأخرى، وأثر الوقف في بناء الحياة الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية، وتاريخ الأوقاف في المملكة العربية السعودية. أما الباب الثالث فتضمن أربعة عناوين، تعد من تطبيقات ماورد في الباب السابق وهي: دور الوقف في تنمية الحياة الاجتماعية، ونظرة في مفهوم الإسلام للتنمية ومجالات ذلك، ورعاية الأوقاف في العصر الحاضر، والوقف في المملكة العربية السعودية. تكون الكتاب من مائة وأربعين صفحة مطبوعة طباعة فاخرة، واشتمل على اثنتين وثلاثين صورة لبعض الأوقاف في المملكة العربية السعودية، مع وضع فهرس في آخر الكتاب؛ للتعريف بها وتحديد أماكنها في صفحات الكتاب. كما ألحق بالبحث تسعة ملاحق لتوثيق ما صدر من أوامر وأنظمة بشأن الأوقاف في المملكة العربية السعودية، فكان الملحق الأول عما صدر بشأن مراعاة الأوقاف عند طلب استحكام العقارات، والملحق الثاني عما صدر بشأن وضع اليد على الأراضي الحكومية، والملحق الثالث عما صدر بشأن اعتماد مايتقرر شرعا حيال شرط الواقف الأول، والملحق الرابع عما صدر حول إشراف مديرية الأوقاف على الأوقاف المسجلة بالمحكمة الشرعية. والملحق الخامس عما صدر حول شروط وقف أملاك الأجانب، والملحق السادس عما صدر بشأن مضي المدة في الوقف، والملحق السابع عما صدر حيال شراء بدل للأوقاف، والملحق الثامن عن نظام مجلس الأوقاف الأعلى الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم 584 والمتوج بالمرسوم الملكي رقم 35 في 18/7/1386ه والتعديلات التي ألحقت به. وخصص الملحق التاسع لمشروع لائحة تنظيم الأوقاف الخيرية الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم 80 في 29/1/1393ه. وإحقاقاً للحق فقد اشتمل الكتاب على معلومات علمية وثقافية عميقة وشاملة، وكان أقرب إلى كونه موسوعة فقهية في بابه؛ حيث اهتم بإيراد الأدلة الشرعية من القرآن الكريم ومن السنة النبوية الشريفة مع عزو الأدلة، ومع الحرص على بيان موقف المذاهب الأربعة من كل مسألة من المسائل الفقهية المتعلقة بالوقف الواردة في الكتاب بالتفصيل، وذكر المراجع والمصادر من كل مذهب ومواضع المسائل فيها في الحاشية. لقد جاء الكتاب حاملاً في طياته تأكيدا علمياً لمكانة الوقف وخصائصه في الإسلام ومبرزاً باستدلالاته الممتازة العناية الفائقة به في تاريخ الإسلام من خلال مراجعة المذاهب الأربعة المعروفة، ومجلياً عناية المملكة العربية السعودية بالأوقاف وحرصها على رعايتها ونموها. إن هذا الجهد العلمي البارز الذي قامت به وكالة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون الأوقاف حري أن يشاد به، وأن يشكر فاعلوه علي جهودهم المتميزة ومثابرتهم النافعة، ولاسيما المشرف على تحرير هذا السفر الرائع فضيلة الدكتور عبدالرحمن بن سليمان المطرودي وكيل الوزارة لشؤون الأوقاف. يضاف إلى ذلك من صور الاهتمام بالوقف تلك الندوات التي تقيمها وكالة الوزارة للأوقاف مثل ندوة «مكانة الوقف وأثره في الدعوة والتنمية» التي عقدت بمكة المكرمة في شهر شوال عام 1420ه، وقبلها عقدت ندوة «المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية» في المدينةالمنورة ثم طبعت بحوثها في مجلد واحد لإفادة الباحثين منها. ثم إن هذه الجهود الموفقة بإذن الله تدفعني وغيري لإبراز تصور يلبس ثياب أمنية مهمة هي أن تتولى وكالة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد لشؤون الأوقاف أو مركز الدراسات والبحوث الإسلامية التابع للوزارة تبني إصدار مشروع علمي بعنوان )الكشاف عما كتب عن الأوقاف( يتمثل المشروع المقترح في رصد ببليوجرافي نسقي أو تحليلي يحدد به وصف الكشاف في العنوان لكل ما ألف عن الأوقاف من مخطوطات وكتب، وما كتب من أبحاث علمية ومقالات صحفية؛ ليكون هذا العمل العلمي المهم مرجعاً للباحثين، ويمكن الاستعانة بالكشاف الصادر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت، وان لم يكن دقيقاً في عنوانه وليس شاملاً في محتواه، ولكنه في كل الأحوال جهد مشكور ومبادرة مقدرة. ومما يزيد الحماس ان وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد أصدرت كتاباً بعنوان «دليل الباحث إلى مصادر الأوقاف في مكتبات المملكة العربية السعودية» الذي جمعه ورتبه عبدالرحمن البديع الباحث في وكالة الوزارة للأوقاف، وهو جهد علمي موفق عند تأمل أهدافه وفائدته ولابد أن يحرض هذا التأمل على إعداد الكشاف المطلوب؛ لظهور أهميته وضرورته العلمية. والببليوجرافيا )ويقابلها في اللغة العربية الوراقة( كلمة استخدمت قديما للدلالة على كل مايتصل بصناعة الكتب من تأليف ونسخ وتيسير للإفادة منها وتنقسم إلى قسمين هما: 1 ببليوجرافيا تحليلية وهي المتضمنة تعريفاً وضعياً وتقييماً نقدياً للكتب المدرجة بها. 2 ببليوجرافيا نسقية أو منهجية وهي التي تعد قوائم منظمة لمجموعة من الكتب تابعة لموضوع محدد دون تقييم أو تعريف بمفردات هذه القوائم. وعلى هذا فكلا القسمين يقدم بين أيدي الباحثين والعلماء سجلا للأفكار في أي مجال من مجالات المعرفة. والعملية الحصرية تسعى إلى تناول معظم المواد المكتوبة المنشورة وغير المنشورة من مؤلفات ورسائل جامعية ومقالات علمية ومخطوطات ووثائق وبحوث ومطبوعات رسمية وغير رسمية، هي لب الببليوجرافيا بحثا وتمحيصاً؛ للدلالة إلى أرقامها في الارشيفات والمكتبات والدوريات وأماكن وجودها. ولاتخفى صعوبة العملية الحصرية؛ نظراً لتعدد مصادرها وأماكنها مما يحتاج إلى جهد مضاعف وعمل دؤوب وذهن متوقد وبصيرة متحفزة؛ لأن هدف العملية الحصرية هو الشمول قدر الإمكان والطاقة، وهذا الهدف يتطلب البحث عن مفردات الموضوع في مظانها وفي غير مظانها، مهما كانت نسبة النجاح المتوقعة منها؛ ليكون العمل شاملاً وحاملاً الجديد المفيد. كما أن العملية الحصرية لن تكون مثمرة ناجحة إلا إذا أيدها فكر بصير بأبعاد العمل وخباياه وكيفية التعامل معه، فالعناوين أحياناً تكون خادعة فحيناً تجد العنوان الذي فزعت إليه واستبشرت به بعيداً عن حدود موضوعك وتجد عنواناً آخر غفلت عنه أو عجز عن جذب تفكيرك بعد التوغل في مواده لصيقاً ببحثك فتحمد الله على أنك هديت إليه. فإذا كانت المواد التي تبحث عنها متعددة الأماكن بين كتب منشورة ومخطوطة ودراسات علمية وبحوث متنوعة، ومقالات في الصحف والمجلات العلمية والعامة، وإذا انضم لكل ذلك أهمية الموضوع فإن الجهد العلمي المبذول سيكون أكثر وأكبر. إن موضوع الأوقاف في الفقه الإسلامي وتطبيقاته في المجتمعات الإسلامية الحاضرة والغابرة موضوع مهم يؤكد تميز الدين الإسلامي العظيم من خلال تشريعاته التي تنظم حياة البشر، ليس بدافع دنيوي فحسب كما هو حال الأنظمة البشرية، ولكنه تنظيم يراعي المطالب الإيمانية، والمطالب الدنيوية، فيكون تأثيره أقوى، ونفعه أكبر. ومن هنا تظهر الحاجة إلى إبراز هذا التميز عن طريق الدراسات العلمية المتخصصة، والدراسات الببليوجرافية مجال مهم من مجالات هذه الدراسات؛ لما تحققه من فائدة وتيسير للباحثين والعلماء. وقبل هذا ومعه لابد من توعية الناس بأهمية الوقف وتعدد مجالاته مما يجعل كل مسلم قادراً على أن يفعله، فالمسلم يستطيع وقف مبردة للماء ويتعاهدها، ويستطيع أقل من ذلك وقف كرسي متحرك في مسجد أو مستشفى لينتفع به ذوو الإعاقات، بل يستطيع وقف عصا للعميان، وهكذا فالكل قادر على الوقف، ولابد كذلك من توعية الناس بالفرق بين الوصية والوقف لجهل كثير من الناس بهذا الفرق، واختلاف أثرهما وفائدتهما وأجرهما. والمأمول الأكبر أن تفصح وزارة الشؤون الإسلامية عن أعمالها في استثمار الأوقاف وثمارها ومشروعاتها في التصرف بها، وأن تفتح أذنيها للآراء السديدة في أحسن طرق هذا الاستثمار للأخذ بها، وأن تبني قنوات تعاونية مع وسائل الإعلام في هذا الصدد؛ لأن ذلك مما يولد الثقة لدى الناس في حسن التصرف بأوقافهم إذا أوقفوها فيبادرون لها، ولن تولد هذه الثقة في جو مشحون بالسرية والتكتم.