عزيزي القارئ لاشك انك تدرك ان مسألة الاقتناع الذاتي من اهم المسائل التي تختصر الزمن والوقت وتقلل من الجهد في سبيل تحقيق اي هدف من الاهداف او الوصول الى نتيجة مرجوة لأي عمل من الاعمال، بل ان الاقتناع هو الفيصل في حسم الكثير من القضايا التي تصول وتجول في خواطر النفس البشرية وذلك من خلال اعتمادها واعتبارها من عدمه بعيداً عن تأثير الغير في فرض الاراء والالزام بها. والحقيقة ان اي جنوح او مخالفة لبعض ما يطلب من الانسان سواء في امر دينه او دنياه ما هو الا تعبير واضح وتفسير جلي يعكس عدم الاقتناع في نفس هذا الانسان وبالتالي انتفاء الرغبة في الامتثال نعم.. يجب الا نغفل اسباب المخالفات الاخرى التي منها على سبيل المثال عوامل ومؤثرات داخلية تنبع من الذات كالغضب والانتقام او الانتصار للنفس.. او الانكفاء تحت تأثير عوامل خارجية من قبل او على حساب الغير كالاكراه والالتزام او المجاملات.. ومع ذلك كله يبقى الاقتناع الذاتي هو المسؤول الاول عن رغبة الانسان للقيام بعمل من الاعمال او ابداء رأي او طرح فكرة وما شابه ذلك. واذا تأصل في النفس البشرية الاقتناع الذاتي قبل الاقتناع من الغير اصبح الامتثال والالتزام باوامر الدين ومتطلبات الحياة راسخاً وثابتاً لا يتزعزع ، وما هذا الا لأن الاقتناع يولد الرغبة ويقوي الارادة ويرفد العزيمة ولزاماً سيكون هناك نتيجة مرضية وغاية تنتهي الى هدف منشود. عزيزي القارئ: ولتحقيق ذلك تأمل كيف يخاطبنا الرب سبحانه في كتابه العزيز من خلال الترغيب والترهيب والتمثيل القصصي وضرب الحكم والامثال والدعوة الى إعمال الفكر وإمعان النظر في انفسنا وفي الحياة من حولنا. بل وسار على هذا النهج الرباني الحكيم رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه. فتأمل طريقته في تبليغ الرسالة والدعوة الى الله، كيف كان يتعامل مع طبقات البشر وفئات الناس من خلال التنويع في الاساليب وطرق الحوار مع الاخرين.. فيصف الدواء حسب حال الشخص المدعو بدءاً بالاولويات ثم الاهم فالمهم وعلى سبيل المثال لا الحصر قصة معاذ رضي الله عنه لما بعثه الى اليمن. ولا تخفى عليك قصة الشاب الذي جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم ليستأذنه في الزنا، كيف كان الرد الجميل والجواب الشافي من رسولنا الكريم من خلال الحوار الهادف والمؤثر في نفس الوقت حتى اوصله الى ان يتصور شناعة تلك الجريمة ومدى خطورتها الى ان وصل به المطاف الى غاية سامية وهدف منشود.. واخيراً اقتنع هذا الشاب بتحريم الزنا وكراهيته له. ما كان ذلك ان يكون لولا هذا الحوار الذي دار بينه وبين معلم الناس النبي صلى الله عليه وسلم . وخذ قصصا مثل ذلك كما في قصة الاعرابي الذي بال في المسجد والرجل الذي تكلم في الصلاة بل ان السيرة النبوية الشريفة مليئة بمثل هذه القصص والوقائع. ولا يعني هذا ان الانسان فيما يخص الامور الدينية ان يفعل ما يقتنع به ويدع ما لا رغبة له فيه بل يجب عليه الامتثال والانقياد لاوامر الشرع بنفس مطمئنة راغبة مع صادق المحبة والولاء طمعاً في الثواب وخوفاً من العقاب. لكن المقصد الاسمى هو ان يسعى الانسان جاهداً لاقناع نفسه وانه يعمل ويترك مراعياً بذلك النصوص الشرعية والانظمة المرعية وفقاً لقناعات داخلية ثابتة لا تغيرها افكار مضللة دخيلة ولا تزعزها شبهات تتعاقب كتعاقب الليل والنهار. كل هذا من الناحية الاعظم والركن المهم وهي الامور الدينية. ومن ناحية اخرى لا تقل اهمية عن تلك هي دور الاقتناع الذاتي في تحقيق الاهداف الدنيوية والمطالب الحياتية سواء اكان ذلك معنوياً كقواعد الاخلاق والمجاملات او التقاليد والاعراف التي بدورها تكون سبباً في تحقيق وجود مجتمع متحضر يحقق اماله وطموحاته بنفسه ورغباته، او حتى لو كانت تلك المطالب مادية ومحسوسة كقواعد الالتزام بالانظمة والتعليمات التي تفرضها السلطة لمصلحة الشعوب والارتقاء بها نحو الافضل . فعلى سبيل المثال كم نسمع ونشاهد ونقرأ عن اهمية الالتزام بالتعليمات والتقيد بالانظمة وعدم مخالفتها والعمل على تحقيق اهدافها.. وكذلك الكلام والتوصية بالترشيد في شتى ضروريات الحياة وعلى رأسها «الماء» وكذا الوعي الاستهلاكي وترشيد الانفاق على وجه العموم. واهمية دور المواطن في المحافظة على البنية وغيرها كثير من الامور التي تمس حياة الفرد المعيشية.. والسؤال: الا يعتبر الاقتناع الذاتي والشعور بالمسؤولية تجاه هذه الامور افضل الطرق وايسرها لتطبيقها وتحقيق اهدافها؟! ولا يعني ذلك تهميش دور التوجيه والارشاد في حلول مثل هذه المشكلات، لكن الاهم كيف نصل الى ايسر الطرق باستخدام افضل الوسائل التي بدورها تعمل على تأصيل مثل هذه القناعات والثوابت في النفوس بحيث يصبح كل فرد منا لديه شعور بالمسؤولية وتحمل لمهامها. اخيرا ً لابد من الاهتمام وبجدية تامة في مخاطبة الشعور والتحدث مع كوامن النفس حتى نصل الى نتيجة فاعلة ومرضية تخدم مصالح الفرد والمجتمع في آن واحد. ختاماً.. يجب ان ندرك ان صاحب القناعة الثابتة لا يمكن ان يخالف ما يقتنع به ويؤمن به لأنه بهذا يخادع نفسه وبالتالي يشعر بالازدواجية والتناقض مع ذاته. يبقى ان نعلم ان طرق ووسائل الاقتناع كثيرة ومتعددة والمطلوب هو البدء في طرحها وتطبيقها على ارض الواقع.والله من وراء القصد. خالد بن عايض البشري