تفترض نظرية العدالة أن الأفراد يدركون علاقات التعامل فيما بينهم، ويحيطون بمضامينها وما يترتب عليها في العديد من المواقف من خلال أمرين اثنين هما: الأول: مقارنة ما يقدمونه وما يبذلونه من جهود، أو ما يقومون به من مساهمات، بما يحصلون عليه من عوائد أو مترتبات على تباينها . والثاني: مقارنة نتائج مساهمات الفرد وعوائده، بمساهمات الآخرين وعوائدهم. من هذه النظرية جاءت نظرية الحساسية للعدالة، وذلك من خلال تطوير نظرية العدالة نفسها, وهذه النظرية المطورة ترى أن الأفراد يسلكون طرقاً متناسقة في الغالب، وان اختلفت في ردود الأفعال، وهذا الاختلاف في ردة الفعل يعتمد على أنماط ينتمون إليها، أو مجموعة يحاكونها في واقع التصنيف التنظيمي، وهي ثلاثة أنماط: غيريّون، مساوون، أنانيون. أما المساوون فهم الغالبية التي يمكن اعتبارها غير مؤثرة، نظرا لبعدهم عن الخصوصية التي تسببها الإمكانيات الفردية، والنظرة غير العادية للأمور. والأنانيون هم أولئك الذين يحتكرون الموضوع كله في الذات وحدها، وهؤلاء وإن كانوا في الغالب متميزين هم الذين تطغى مصالحهم على العام، وتجعلها في خانة الخاص غير المقبول إلا لديهم فقط. أما الغيريون فهم الضالة التي يبحث عنها كل متأمل في الوصول الى الحقوق، وكل باحث عن العدالة التي سبق الحديث عنها، هؤلاء يمكن الاستغناء بهم عن المساوين والأنانيين معا، بل إن المجتمع الذي يكثر الغيريّون فيه يعتبر مجتمعا متميزا مليئا بالإيثار وتسخير الذات لخدمة الجماعة. الملك عبدالعزيز يرحمه الله، وأبناؤه الذين ساروا على دربه على رأس القياديين الغيريّين هؤلاء، وكثير من أفاضل الرجال من حولهم، فهم غيريون أيضاً وتربويون,, وهل هناك مثال على أصالة الغيريين في مواقفهم وسلوكياتهم الأصيلة أكثر من هؤلاء؟! وبجهود هذه النخبة من الغيريّين عاشت بلادنا نعمة الأمن الحقيقة، فعلى ايدي قيادتها الغيرية تم توجيه الأمة بما يتفق مع تعاليم الإسلام الحنيف ومنابع فكره الأصيلة، وتعاملت مع الفكر المعاصر من خلاله وأثبتت أن القيادة الإسلامية الحكيمة تنطلق من أصالتها في تطوير مفاهيم اقتصادية وتربوية واجتماعية وسياسية مرتكزة على هذه الأصالة وتنسجم مع واقعها وتطلعاتها, بجهود هؤلاء الرشيدين والغيريّين عبر مسيرة بناء الإنسان والأوطان، وصلنا الى ما وصلنا إليه، وزهونا بما زرعه هؤلاء في نفوسنا وما مهدوه أمامنا من سبل الإبداع وفرص التعليم وجهود التربية الحقة. بعض من المواقف التي تحدث هنا وهناك هذه الايام تجعلنا نتشبث أكثر بغيريينا، ونبتعد أكثر عن الأنانيين، ولا ننظر كثيرا الى المساويين، ولكن يبدو ان بعض الأنانيين يحاولون من خلال ممارسات غير مقبولة أن يفرضوا علينا أنانيتهم بعد ما رفضناها بإصرار وعناد غير عاديين,, وتاليتها؟