لا أحد من الخلق معصوم من الخطأ إلا الرسل والملائكة. كل حي معرض للخطأ، بل يقال إن الذي لا يُخطئ لا يمكن أن يكون حيّاً، وألا تخطئ معنى ذلك أنك ميّت. ولا يعيب الإنسان أن يُخطئ، ولكن يعيبه أن (يُراوغ) ويكابر ويغالط ويصر على الخطأ، والذي لا يتعلم من أخطائه، ويصر عليها، ويتلمس الأعذار لتبريرها، فإنه أقرب الناس إلى أن يكررها؛ فضلاً عن أنه - أيضاً - يفتقر إلى الثقة بالنفس التي تؤهله لأن يقول بملء فمه: (أخطأت). وكما يقولون: الاعتراف بالخطأ فضيلة، والعودة عنه قوة؛ هل تذكرون المقولة المرويّة عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (أخطأ عمر وأصابت امرأة) كان هذا المعلم العظيم يُرسخ بمقولته تلك أن الاعتراف بالخطأ نهج الأقوياء. غير أن ثقافتنا المعاصرة، والمتخلفة - للأسف - تعتبر أنَّ من (القوة) أن تثبت على مواقفك، ولا تتزحزح عن أقوالك، ولا تعترف بأنك أخطأت. ثقافة الاعتراف بالخطأ لا وجود لها في العقلية العربية المعاصرة، بل الإصرار والثبات على الموقف؛ فاعترافك بالخطأ - كما يظنون - دليل على ضعفك، وسهولة تراجعك عن مواقفك، مما سيقلل من (هيبتك) ومكانتك الاجتماعية واحترام الناس لك، بينما أن الواقع والتجربة تقول: إن الذي يملك الشجاعة لأن يقول: (نعم أنا أخطأت) هو في حقيقة الأمر لا يُعبر عن شجاعته الأدبية وثقته في نفسه فحسب، وإنما يثبت أنه أهلٌ لتحمل المسؤولية أياً كانت هذه المسؤولية، فاعترافه بالخطأ يعني أنه على استعداد أن يتعلم من أخطائه، ولا يعود إليها ثانية، بينما أن المراوغ والمكابر والمغالط والعنيد هو أخطر من يجلس على كرسي المسؤولية، لأنه سيخطئ، ثم يكابر، ويتمادى في خطئه، وينتهي بنفسه وبالآخرين إلى كارثة. وفي خضم الحراك الثقافي الذي تشهده الساحة السعودية هذه الأيام، طفت على السطح قضايا مختلفة، كانت محل تجاذب وجدل بين الأطياف الثقافية، وبعض هذه القضايا اقترف فيها المتحاورون أخطاء لا يمكن أن يُدافعَ عنها عاقل، ولا أن يذبَّ عنها إلا من أعمت (الحزبيّة) البغيضة بصيرته؛ (فالنصرة) تأتي في سلم الأولويات (الحزبية) قبل القناعة بما يقول صاحبك، المهم أن تنصره دون تفكير، ودون أن يكون لقناعاتك دخل في نصرة صاحبك. كما أن هناك من تسلم مسؤوليات كبرى (خدمية) في الدولة، وكانت لهم أخطاء كارثية - كالمسؤولين عن كارثة جدة مثلاً - ولم يُسجل لنا التاريخ إلا نادراً أن أحداً من هؤلاء، أو أحداً من أقرانهم، أقرّ بأخطائه، أو اعترف بفشله، واستقال بمحض إرادته عن مهامه؛ فإذا لم (يعفَ) فسيظل في الغالب متشبثاً بمنصبه حتى القبر. وفي تقديري أن غياب ثقافة الاعتراف بالخطأ، وكذلك ثقافة الاعتذار، تدل على (جبن) الإنسان، وضعفه، وعجزه من مواجهة أخطائه؛ بمعنى أن الرجل المكابر العنيد المصر على أخطائه، هو في الواقع يحاول أن يحمي نفسه، وأن يحصن ذاته بالعناد والمكابرة، كي لا ينكشف (ضعفه)؛ وعندما يجد ألا مفر من الاعتراف بالخطأ، يلجأ في الغالب إلى مشجب (التبرير) ليعلق عليه أخطاءه؛ فتجده يجتهد لأن يبحث عن مبرر مهما كان واهياً وغير مقنع ليتملص به من تحمل المسؤولية، وهو لا يعلم أنه يكشف عن وَهَنه وهشاشته للآخرين، وإن حاول جاهداً أن يبدو خلاف ذلك. إلى اللقاء.