في عصر تتصارع فيه القوى وتتسارع فيه الخطى للبحث عن مكانة عالية وسلطة مطلقة وهيمنة مفرطة، في عالم يأكل القوي فيه الضعيف.. نجده مليئا بالمتناقضات والمعلومات المضللة البعيدة عن الحقائق التي تمثل الشائعة فيها أداة فتاكة في يد الأعداء، يسخرونها للنَّيل من المجتمعات كسلاح فتاك يؤدي إلى فقدان الثقة وتحطيم الروح المعنوية. كانت الشائعة تُستخدم ضد الجيوش وفي الحروب وأثناء المعارك والهزائم والانتصارات.. عن اندحار العدو وتكبيده الخسائر بالأرواح وقتل قادته وبث الرعب في قلوب الجند وإيهامهم بأنهم يخوضون معركة خاسرة.. واستخدمت الشائعة في كثير من الحروب قديماً وحديثاً وتسببت في هزائم منكرة لجيوش كبيرة، وحطَّمت آمال شعوب غفيرة. وفي هذا العصر وصل خطر الشائعة إلى كل مواطن عادي؛ نظراً إلى توافر وسائل الاتصال والتواصل بين الناس عبر المعلومة حتى ولو كانت كاذبة. وتصديق الشائعات سبب رئيسي في قتل روح التعاون بين أفراد المجتمع الواحد، ويؤدي إلى ضعف الإرادة وتفتيت الصفوف؛ لأن للشائعة تأثيرا سلبيا وخطيرا على العقول والعواطف، وهي التي تؤدي إلى الهزيمة النفسية.. ورغم هذه المضار فإن كثيراً من الناس يلهثون خلف الشائعة، ويروجون لها في مجالسهم دون وعي وإدراك منهم بالخطر المحدق الذي لا يقل عن خطر الفتنة وعن خطر التناحر والتشرذم وإهمال القيم والمبادئ. لقد انتشرت الشائعات في المجالس وكثرت الأقاويل والدعاوى والفتاوى والتوقعات والمشاحنات.. فهناك من يتحدث عن حروب مدمرة تأكل الأخضر واليابس، وهناك من يتحدث عن نضوب البترول وعودة الناس إلى الحياة البدائية وبيوت الشعر، وهناك من يتحدث عن أدوية تعالج كل الأمراض.. وهناك من يتحدث عن كثير من الأمور دون تثبت، وهناك الخوض في قضايا عالمية.. وغير ذلك من أحاديث المجالس. وما دمنا ندرك أن للشائعة أخطارا رهيبة تهدد حياة المجتمع وأمنه ومكانته فلا بد من محاربة هذه الظاهرة والرجوع إلى المصادر الحقيقية الموثوقة التي من خلالها يتعرف الإنسان على الخطأ والصواب؛ وبالتالي الابتعاد عن الزيف والشك والريبة ومواصلة المشوار نحو التقدُّم والتطوُّر والتلاحم والتعاضد والتكافل الاجتماعي والمساهمة في القضاء على التكهنات والتوقعات؛ لأن هذه الأمور تنمُّ عن ضيق الأفق والقصور في المعرفة وقصور ذهني وإيماني؛ وبالتالي فإن تصديق الشائعات والانجراف خلفها يساهم في شل كل الحركات الخيرة التي يسعى لها الفرد والمجتمع والأمة. لقد كذب المنجمون ولو صدقوا، وكذب مروجو الشائعات ولا صدقوا؛ فلا تصدقوا الشائعات؛ لأن شرورها كالنار التي تحرق الهشيم؛ فانتبهوا لها، وابتعدوا عنها؛ لأنها باختصار خطر قاتل.