أي مجتمع إنساني في الدنيا.. له مميزات ولديه ظروف اجتماعية واقتصادية وأمنية، وإذا تعرضت تلك الظروف لأدنى اختبار حقيقي، نتجت منها مخاوف، وأنتجت تلك المخاوف بلبلة، وأثارت تساؤلات إذا لم تجد الإجابات الشافية عنها، اخترعت لها إجابات ترضي ضمير المجتمع أو تقنعه بشكل ما. ومعظم الشائعات لا تخضع للدراسات الاجتماعية، وإنما يتم التعامل معها من الناحية الأمنية فقط، ذلك التعامل الذي يحارب المظاهر الخارجية للظاهرة، ولكنه لا يصل إلى الجذور، فتظل الأمور قائمة كما هي في حدود التداول بالهمس. وعلى الرغم من أن علم الاجتماع رصد الشائعة كظاهرة اجتماعية تنم عن قلق المجتمع لسبب ما يتعلق بظروفه الحياتية، وأن الإعلام صنّف العديد من أنواع الشائعات، فإننا في المجتمعات الخليجية ما زلنا غير مهتمين كثيرا بالجانب العلمي للظاهرة، وجل ما نفعله هو إنكارها لتظهر بعدها شائعة أخرى ثم ثالثة ثم رابعة حتى تصل الشائعة إلى الحد المستعصي على التصديق، فتنكشف ويلفظها الناس بعد فترة من القلق والتساؤلات، ولا يخفى على أحد ما للشائعات من أضرار اجتماعية واقتصادية خطيرة على من ينساق خلفها ويصدقها ويسهم في وصولها إلى أوسع قطاع من الناس دون أن يدري بخطرها على المجتمع ولحمته الإنسانية وقواعده السلوكية وقيمه وأدواته. ونسمع كل يوم تقريبا الكثير من الشائعات، وهذا الأمر معروف في كل المجتمعات، وما يترتب عليها من أضرار، وهي سريعة الانتشار كالنار في الهشيم. وما دفعني إلى كل ذلك هو الشائعة التي انتشرت أخيرا بوجود مادة الزئبق الأحمر داخل ماكينات الخياطة النسائية القديمة، وكيف تدافع الجميع من نساء ورجال إلى البحث عنها وبيعها، كما قرأت في التحقيق المميز الذي نشرته “شمس” في عددها رقم (1189) الصادر الثلاثاء 14 / 4 / 2009 بعنوان (زئبق سنجر.. كذبة مغناطيسية). وهنا يقع على وسائل الإعلام دور كبير في محاربة تفشي مثل هذه الشائعات، التي طالما ارتبط ذكرها بما لا تحمد عقباه، وهي مذمومة في كل حال لأن عمادها الكذب.