(وما الموت إلا رحلة غير أنها من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي) هذه هي سنة الله في الحياة.. أناس يولدون وآخرون يرحلون.. أناس اليوم هم فوق ظهر الأرض، وغداً في بطنها. دار هذا (الهاجس الحزين) في وديان نفسي وأنا أقرأ الخبر الحزين الذي نشرته صحيفة (الجزيرة) عن رحيل رجل الخير والبر والأعمال الباقية الشيخ صالح بن مطلق الحناكي رحمه الله. هذا الرجل كنت أسمع عنه وأسعد بأعماله الخيرية المباركة.. وكلما زرت القصيم كنت أعد نفسي بزيارة لهذا الرجل الذي هو أحد رموز الخير في محافظة الرس وفي منطقة القصيم والمملكة عموماً.. وتوالت الأيام ولم أزره إلا العام الماضي عندما دعيت لمناسبة كريمة من الصديق الشاعر صالح بن محمد المزروع؛ فكان من أولويات زيارتي للرس اللقاء والسلام على الشيخ صالح الحناكي في دارته العامرة.. ولقد وجدت هذا الرجل الكبير سناً ومقاماً كما توقعته: عمق في الرأي، وهدوء في الحديث وصمت حكيم.. يتحدث.. فقط عندما يرى أنه سوف يضيف رأياً أو مشورة.. ثم بعدها اطلعت على بعض أعماله المباركة في محافظة الرس العزيزة من مساجد ومشروعات ودعم لكل عمل خير، فضلاً عن صدقات وأعمال أخرى كثيرة لا يعلن عنها ولا يعرف عنها، جعل الله هذه الأعمال له من الباقيات الصالحات؛ فقد أدرك - رحمه الله - أن هذا هو ما سيبقى له. (أماوي إن المال غاد ورائح ويبقى من المال الأحاديث والذكر) ويبقى الأهم: الأجر عند الله ليكون الجزاء: جنة المأوى مصداقاً لقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (274) سورة البقرة.. أسأل الله أن يكون الراحل الغالي من هؤلاء الذين لا خوف عليهم ولا هم يوم القيامة يحزنون. إن رحيل أمثال هؤلاء الأخيار يقدم رسالة بالغة الأهمية إلى كل القادرين تقول: إنه لا يبقى لهم من أموالهم إلا عمل الخير وزرع البر، وإقامة المساجد والمستوصفات والمشروعات الخيرية.. فكل شيء هالك إلا وجه الله.. وهذا هو الشيخ صالح الحناكي رحل عن الدنيا وسيبقى ذكره وسيظل الدعاء له، وستتعطر المجالس كلما عبقت بالحديث عن الأخيار والمحسنين. لعل من توفيق الله للراحلين الأخيار في هذه الدنيا عندما يكون لهم أبناء بررة نشأوا على حب عمل الخير.. والشيخ الحناكي خلف أبناء وبنات، فضلاً عن برّهم خلال حياته وحنوهم عليه أيام مرضه - جعل الله ما أصابه تطهيراً له من كل ذنب - فهم محبون للخير باذلون له، وإنني أثق أن أبناء وبنات الراحل سيواصلون السير على نهج والدهم في عمل الخير وزرع البر؛ ليبقى له رحمه الله عاطر الذكر، وتواصل الأجر، وموصول الوفاء. ** وبعد: أيها الراحل العزيز لكأن ذلك الشاعر (نايف رشدان) يعنيك عندما قال: (بشراك غرسٌ لا يغيب غمامه ودعاء ثكلى هدّها التسهيد) رحمك الله أيها الفقيد الكبير وجعل قبرك روضة من رياض الجنة وجمعنا مع والدينا والغالين علينا في جنة المأوى.