صورة الرئيس الأميركي باراك أوباما يقود مهرجاناً انتخابياً في عقر دار الديموقراطيين في ماساتشوستس للدفاع عن مقعد عرابه السياسي السناتور الراحل إدوارد كينيدي تختصر وقائع العام الأول له في البيت الأبيض. فأوباما، الذي وصل الرئاسة محملاً بوعود الإنعاش الاقتصادي واستعادة مكانة الولاياتالمتحدة في الخارج، يجد نفسه محاصراً بين أرقام البطالة وعبء الضمان الصحي في الداخل، ومعضلات سياسية وعسكرية في الخارج، من إيران الى أفغانستان الى عملية السلام، بشكل قضى على زخم صعوده إنما من دون أن يقوي خصومه أو يشلّ قدرته السياسية. مسؤولون أميركيون يؤكدون ل «الحياة» أن ثمار العام الأول «كانت في تقوية موقع الولاياتالمتحدة» دولياً و «تفادي انهيار شامل للاقتصاد العالمي»، الى جانب رصّ جبهة مشتركة للتعامل مع ايران، ويعتبرون أن الشق المتعلق بعملية السلام وتحقيق تقدم في حرب أفغانستان «يحتاج الى وقت للنضوج» ويبدون ثقة بأن الانسحاب من العراق سيتم طبقاً «للجدول المحدد». الا أن هناك أصواتاً منتقدة، أبرزها من السياسي الأميركي المخضرم في إدارات جمهورية متعاقبة أليوت أبرامز الذي يشير ل «الحياة» أن أوباما «فوّت فرصاً عدة في عامه الأول» وأن نهج الخطابات والانقلاب على سياسات بوش لم يأتِ بنفع في الساحة الدولية وأن المصالح القومية ستفرض نهجاً أكثر واقعية في المرحلة المقبلة. يتحدث مسؤول من البيت الأبيض ل «الحياة» عن «الإرث الصعب» الذي استقبل أوباما في يومه الأول في الرئاسة، بين أزمة اقتصادية هي الأضخم منذ ثلاثينات القرن الماضي وحربين كان لهما دور في تراجع موقع الولاياتالمتحدة في العالم». وانعكست تداعيات الأزمة الاقتصادية وأرقام البطالة (عشرة في المئة) في تآكل شعبية أوباما (50 في المئة) ومخاوف الديموقراطيين من خسارة مدوية في الانتخابات النصفية المقبلة بعد خسارتهم حاكمية ولايتي نيوجيرسي وفيرجينيا ونزاعهم المستميت على مقعد كينيدي الذي كان طوال 27 سنة للحزب. مع ذلك يحافظ المسؤولون في الإدارة على نبرة تفاؤلية في انتظار انتهاء الركود الاقتصادي وانخفاض نسب البطالة والتي سيكون من شأنها، بحسب هؤلاء، تحسين أرقام الرئيس والديموقراطيين. وهيمنت خطة الضمان الصحي داخلياً على الأجندة الرئاسية وبعد مماطلة ستة أشهر لتمريرها واستمرار الخلاف بين مجلسي الشيوخ والنواب حول مضمونها. وستشكل الخطة في حال المصادقة عليها الانتصار التشريعي الأكبر للإدارة، وفي السياق نفسه الانتكاسة الأكبر في حال فشل تمريرها. ويحدد المسؤول في البيت الأبيض الإنجازات الأكبر لأوباما في عامه الأول في «إنقاذ الاقتصاد العالمي من شفير الانهيار» وتحسين موقع أميركا في العالم من خلال «إعادة مد جسور مع العالم العربي والإسلامي، خصوصاً في خطابي أنقرة والقاهرة» كما يشير المسؤول الى «إعادة التركيز على عملية السلام» كمحرك للسياسة الشرق الأوسطية وتحديد جدول الانسحاب من العراق. إلّا أن هذه المبادرات التي طبعت انطلاقة أوباما، تكرس في نظر معارضيه «مفهوماً خاطئاً» للسياسية الخارجية. اذ يشير أبرامز، الذي هندس سياسات الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال ولايتي الرئيس السابق جورج بوش، الى أن أوباما «جاء الى البيت الأبيض مقتنعاً بأن الولاياتالمتحدة في عزلة بسبب سياسات بوش، وأن نهجه الجديد بالانخراط، واللغة الجذابة التي وظفها لتحسين العلاقة مع روسيا والصين وايران والعالم الإسلامي وفنزويلا وكوبا، لم تأتِ بالتعاون المرجو». ويوضح أبرامز «أن هذا مفهوم خاطئ في السياسة لأن علاقتنا لم تتغير مع أي من هؤلاء»، وأن «المصالح بين الدول لا تستند الى حبهم رئيساً أو كرههم آخر»، ويستغرب من «أن الإدارة لم تفهم هذا الأمر بعد ولم تعدل في سياساتها». وإذ تعبر وجهة نظر أبرامز عن مدرسة أقل مرونة في السياسة الخارجية، يدافع البيت الأبيض عن سياساته ويرى فيها «آلية صحيحة لتعميق التعاون الدولي في القرن الواحد والعشرين»، ويعتبر أن انفتاح أوباما على روسيا ساعد في بدء المفاوضات وللوصول الى تفاهمات حول «ترسانة الأسلحة لدى البلدين» وفي «نيل تعاون أكبر من موسكو في الملف الإيراني»، خصوصاً بعد تقديم واشنطن تنازلات بخصوص الدرع الصاروخية. وإذ يكرر المسؤول أن موقع الولاياتالمتحدة «تحسن خلال العام الأول لأوباما» يشير أبرامز أن «الدور الأميركي وصل الى أقصاه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ثم جاءت حرب الخليج الأولى والثانية ورأينا صعود التأثير الأميركي بعد إطاحة سريعة لنظام صدام حسين قبل أن يتراجع التأثير في خضم تعثرات الوضع في العراق، وبسبب نمو التأثير الإيراني». ويعتبر أبرامز أن معيار التأثير الأميركي في الشرق الأوسط سيكون في التحدي الإيراني و «إذا ما كانت ستسمح الولاياتلطهران بأن تصبح قوة نووية». ايران التحدي الإيراني لم يغب عن أولويات الإدارة هذا العام، مع تواصل أوباما مباشرة مع الإيرانيين في عيد النوروز وبعدها بكسر الجمود الديبلوماسي ولقاء وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون نظيرها منوشهر متقي على هامش مؤتمرات أفغانستان، الى حين الانتخابات الإيرانية في حزيران (يونيو) الفائت التي أربكت الوضع الداخلي في إيران ومعه حسابات الإدارة في مقاربتها الملف الإيراني. وفيما تحولت اللهجة الأميركية الرسمية من انتظار الرد الإيراني على اقتراح تشرين الأول (أكتوبر) المقدم من مجموعة الدول الست بنقل اليورانيوم المخصب الى خارج ايران، الى التلويح بفرض عقوبات مشددة في مجلس الأمن تستهدف بشكل أساسي الحرس الثوري الإيراني، يرى أبرامز أن «الصفقة السياسية ما زالت ممكنة مع طهران». ويشير أبرامز الذي عاصر فضيحة «ايران كونترا» عن كثب أيام ريغان وجرت إدانته بإخفاء معلومات عن الكونغرس، أنه «منذ سنة، لم تكن فكرة مساعدة المعارضة الإيرانية موجودة، وكانت النظرة الى المعارضة أنها نخبوية ومن شمال طهران»، بينما «اليوم تغير الوضع، وهناك بحث عن آلية لدعم أو على الأقل عدم تحجيم المعارضة الإيرانية». ويشير المسؤول أن هذا يشكل «دينامكية جديدة في الملف النووي»، ويطرح السؤال حول ما «اذا تغير النظام، فهل تقبل (الولاياتالمتحدة) البرنامج النووي الإيراني»؟ ويعطي مثلاً جنوب افريقيا، وأوكرانيا اللتين تم قبولهما في المجتمع الدولي. أبرامز يرى «أن النظام الإيراني لا يريد الانخراط وأن قرار الإدارة الأميركية بالانتظار حتى الانتخابات الإيرانية للانخراط وصوغ السياسة حيال طهران كان صائباً». الا أنه يعتبر أن «انتخابات حزيران غيرت كل شيء وفي اعتقادي ان الإدارة كانت بطيئة في فترة ما بعد حزيران ولم تدعم المعارضة في شكل سريع وحتى الآن هي الى حد ما بخيلة في دعمها ...مقارنة مع فرنسا مثلاً». ويضيف أن الإدارة أخطأت «في تحييد الخيار العسكري على لسان (رئيس هيئة الأركان) الأميرال مايكل مولن ووزير الدفاع روبرت غيتس»، ويعتبر أنه «من المهم تذكير طهران أن الخيار العسكري ليس صعباً علينا كثيراً، وأنه قد يكون صعباً على اسرائيل إنما ليس علينا». ويلتقي أبرامز مع وجهة نظر الإدارة في اعتبار «أن المفاوضات (والحل الديبلوماسي) ما زالت ممكنة» ويشير الى أن «الوضع داخل ايران صعب جداً، والنظام يعي ذلك... واذا شعروا أن العقوبات آتية فهم سيسعون الى صفقة، لتفادي العقوبات». ويضيف أبرامز الذي يعمل اليوم في مجلس العلاقات الخارجية أن «الصفقة ممكنة، فمثلاً اذا وضعنا عقوبات تستهدف النفط وتمنع ايران من استيراده فهذا سيؤذي الاقتصاد الإيراني، وسيكون هناك أصوات في النظام تقول لخامنئي أنه بدل حصد السلاح النووي في 2010 أو 2012 فلننتظر خمس سنوات أو عشر سنوات ونوقع الصفقة». عملية السلام أكثر من عشر جولات للمبعوث الأميركي جورج ميتشل لمنطقة الشرق الأوسط ولقاء ثلاثي يتيم بين أوباما ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في أيلول (سبتمبر) الفائت، كانت حصيلة العام في جهود الإدارة المبكرة للدفع بعملية السلام. وإذ يصر المسؤولون الأميركيون على أن الإدارة «تدرك صعوبات المهمة» وأنها «ملتزمة الوصول لاستئناف عاجل للمفاوضات»، يبدو واضحاً تراجع أولوية الملف بعد فشل واشنطن في الضغط على إسرائيل لحصد تجميد كامل للاستيطان، والتشنج في العلاقة بين البيت الأبيض وتل أبيب انعكس في البروتوكولات الديبلوماسية وفي عدم زيارة أوباما إسرائيل طوال العام. الا أن أبرامز، المعروف بقربه من الجانب الإسرائيلي، يرى أن «خطأ ميتشل وأوباما كان مطالبة بتجميد كامل للاستيطان وهو غير مسبوق في المفاوضات التي بدأت منذ أوسلو وكانت اسرائيل تبني المستوطنات». ويعتبر أن «الشرط مستحيل، وما من حكومة اسرائيلية قادرة على تنفيذه، وهو ساهم الى حد كبير أيضاً في حشر الفلسطينيين وعباس». ويشير أبرامز الى أن المفاوضات «قد تنطلق مثلما كان الأمر مع مؤتمر أنابوليس انما هذا لا يعني النجاح» ويذهب الى حد نعي حظوط المفاوضات «التي فشلت طوال عشرين سنة في بناء دولة فلسطينية»، ويضيف: «لا نبني الدولة الفلسطينية بالمفاوضات بل على الأرض بتأسيس الجامعات والشرطة (البنى التحتية للدولة)». وفي ما يتعلق بالعلاقة السورية الأميركية، وبعد استئناف الزيارات الأميركية لدمشق وتوجه ميتشل أول الصيف الفائت على أن يعود اليها خلال أيام، رسمت سياسة الإدارة الجديدة منعطف انخراط حذر مع الجانب السوري، بدأ مع زيارة وفود عسكرية وسياسية ودرس إمكانية استئناف التعاون الاستخباري، الا أن هذا المناخ تراجع مع تردي الوضع الأمني في العراق والأزمة بين بغداد ودمشق الخريف الفائت. وفيما يؤكد مسؤولون أميركيون ل «الحياة» أن عودة السفير الأميركي الى دمشق ستتم «فور حل العقد اللوجيستية حول تعيينه»، يرى أبرامز أن إدارة أوباما تبدي تساهلاً مع الجانب السوري. ويشير إلى أنه «في 2009 لم يتغير تصرف سورية على الإطلاق، لا حيال العراق، (تسلل الجهاديين)، ولا بالنسبة لحزب الله وتسريب السلاح، ولا تغيير حول لبنان بحيث أن قوى 14 آذار فازت في الانتخابات ولم تكن قادرة على تأليف الحكومة، ولا تغيير في سياسة الداخل وفي ملاحقة الحريات وشخصيات من المعارضة». وما زالت الإدارة الأميركية تراقب التصرف السوري حيال ملفات إقليمية وفي العلاقة مع ايران. إلا أن أبرامز يوضح أن «سورية لا تعيد حساباتها بسبب الوضع الداخلي في ايران، ومن الصعب نصح (الرئيس السوري بشار) الأسد بترك ايران اليوم لأن النظام ما زال متماسكاً، إنما أعتقد أنه قلق جداً حوله، لأنه في حال سقوط نظام طهران في سنة أو خمس أو ثماني سنوات وجاء نظام جديد ديموقراطي فهو سيغير العلاقة مع سورية». أولويات الإدارة، وبحسب المسؤولين الذين تحدثت اليهم «الحياة» ستستمر في المرحلة المقبلة في السعي الى تمتين التحالفات الدولية وتعميق التعاون الاستخباري والاقتصادي مع القوى الرئيسة مثل الصين وروسيا والهند. تلك هي ركائز المدرسة البراغماتية التي يأتي منها أوباما وفريقه في السياسة الخارجية. الا أن غياب أي اختراقات ديبلوماسية جدية، واستمرار العبء الداخلي بالمستوى الذي هو عليه، سيفرض نمطاً أكثر حذراً ووسطية للإدارة في المرحلة المقبلة وقدراً أقل من التنازلات لتفادي مواجهات مع أطراف إقليميين.