شكلت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردي وبعض فصائل الجيش السوري الحر على منطقة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، نقاطاً مهمة في خريطة الصراع الدائر في سورية، ولعل أبرزها إخراج تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) من المنطقة، وما رافق عمليات السيطرة على المنطقة من تهجير منظم لسكان منطقة عدد سكانها الحاليين يتجاوز 250 الف شخص يتوزعون على رقعة جغرافية تقدر مساحتها ب 10 آلاف كيلومتر مربع. في أقل من شهر وعلى جبهتين تمت السيطرة على منطقة تل ابيض. الجبهة الغربية أطلق عليها اسم «بركان الفرات» وتضم وحدات حماية الشعب الكردي ولواء ثوار الرقة وكتائب شمس الشمال والمجلس العسكري في دير الزور وتقدمت من منطقة عين العرب للسيطرة على الريف الغربي والجنوبي، بينما تقدمت وحدات حماية الشعب من الجهة الشرقية قادمة من منطقة رأس العين في محافظة الحسكة وتضم تمثيلاً رمزياً من عناصر الصناديد التابعين لأحد شيوخ عشيرة شمر في الحسكة ولواء التحرير، وتحالف بين قوى اهدافها متناقضة. الجبهة الأخيرة هي التي شهدت عملية التهجير الكبير للسكان، فقد تقدمت الوحدات تحت جناح طائرات التحالف الدولي وقامت بقصف عدد من القرى وكانت البداية من الزيدي وصولاً الى قرية بلدة تل ابيض شرقي. يتحدث عدد من سكان تل القرى الذين وصل بعضهم الى مدينة (اقجا قلعة) التركية بعد سبعة ايام من الانتظار عند الشريط الحدودي مع تركيا عن قصف تعرضت له قراهم من قبل طائرات التحالف الدولي ومن بقي منهم طردته القوات الكردية، كما دمرت الطائرات والمدفعية قرية كنيطرة (10 كيلومترات شرق ناحية سلوك) بحجة ان بعض ابناء القرية من امراء تنظيم داعش». أمام الانتقادات التي طاولت وحدات حماية الشعب من ناشطين محليين وجهات في المعارضة وصولاً الى الرئيس التركي رجب طيب ارودغان، حاولت وحدات حماية الشعب عبر وسائل الاعلام المرافقة لها اظهار الترحاب الذي قوبلت به تلك الوحدات... البعض تحدث عن اسماء حقيقية لأشخاص في المنطقة وآخرون شككوا بأن من ظهروا في التسجيلات التلفزيونية لا ينتمون الى القرى التي تحدثوا منها». هذه الانتهاكات دفعت 16 فصيلاً من كبرى فصائل المعارضة السورية المسلحة الى توعد وحدات حماية الشعب الكردي في بيان بأن «قوى الثورة السورية المدنية والعسكرية، سترد بحزم على كل المتورطين في هذا العمل الإجرامي، ولن تسمح بالتفريط بحقوق أهلنا ومطالبهم، ووحدة ترابهم». ووصف المسؤول في الإدارة الذاتية بمنطقة الجزيرة عبد الكريم ساروخان بيان الفصائل السورية المسلحة «بأنه جزء من حملة إعلامية يائسة يراد منها ضرب المكون الكردي والعربي بعضهما ببعض» ونفى صاروخان اي «عملية تهجير قامت بها الوحدات». لم يشهد ريف تل ابيض الغربي تهجيراً كبيراً بحسب مصادر محلية في تل المنطقة «نظراً الى وجود عدد كبير من عناصر الجيش الحر بعضهم من ابناء المنطقة في تلك الجبهة والتي تضم مقاتلي لواء ثوار الرقة، في حين كان نصيب الريف الشرقي من التهجير هو الأكبر حيث غادر جميع سكان المنطقة قراهم ومزارعهم وبلداتهم الى مدينة الرقة وريفها وبعض المناطق الاخرى ودخل أكثر من 30 الف شخص الى تركيا». وأقدم عدد من الشباب الكرد في مدينة (اقجا قلعة) التركية على الاعتداء على الناشط السوري احمد الحاج صالح لانتقاده التهجير الذي طاول العرب في منطقة تل ابيض وكتب الحاج صالح على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي «خلال وصولي الى الفندق المقابل للبوابه الحدوديه لاحظت ثلاثة شباب في العشرينات يلاحقونني مرة ويسبقونني ومرة يتخلفون وعند زاوية مظلمة امسك اثنان منهم بي وهددني الثالث بسكين بيده: «هدول تاج راسك وهم يلي حرروك من داعش»... وقاموا بضربي على وجهي ورأسي وصدري وهددوني بالسكين». بعد يومين من سيطرة الوحدات على المدينة بدأ بعض الأهالي الذين يفترشون حدائق وأرصفة اقجا قلعة التركية العودة الى قراهم والى تل ابيض ولكن العدد الاكبر من العائدين كان من الاكراد في حين اعتقل عناصر الوحدات الكردية عدداً من المواطنين العرب. ترى بعض اوساط المعارضة السورية المسلحة ان تحالف عدد من فصائل المعارضة مع وحدات حماية الشعب الكردي هو تحالف مرحلي ولا يمكن ان يستمر بل ان هذا التحالف يمكن ان يقود الى مواجهة مستقبلية بينهم، ولكن الوحدات تدرك بأنها الطرف القوي ما دامت القوات العربية المتحالفة معها متفرقة، وما حصل عندما انزل عناصر الوحدات (علم الثورة) من بوابة تل ابيض الحدودية يبين حجم الخلاف ونظرة الوحدات لتلك الفصائل. دخول فصائل عربية وأبرزها لواء ثوار الرقة الذي يحظى بقبول شعبي وعشائري في تحالف مع وحدات حماية الشعب الكردي ساهم في وقوف آلاف من العرب بل وانضمام المئات منهم الى اللواء لمقاتلة «داعش»، وبحسب مصادر مقربة انه لو تم فتح باب التطوع سينضم آلاف من ابناء محافظة الرقة اليهم». الا ان الامتحان الحقيقي لهذا التحالف هو هل سيستمر الجميع بالقتال جنباً الى جنب حتى تحرير محافظة الرقة والتوجه الى دير الزور الذي يشارك مجلسها العسكري في هذا التحالف؟. ترى بعض اوساط المعارضة السورية ان «قتال لواء ثوار الرقة حالياً في منطقة عين عيسى من دون تغطية جوية يثير علامات الاستفهام» بل ان الاكراد الذين سيطروا على مدينة تل ابيض يريدون حدوداً حتى طريق حلب القامشلي والذي يبعد عن الحدود السورية التركية باتجاه مدينة الرقة (25-35) كيلومتراً. وعدم تقدم الوحدات باتجاه مدينة الرقة يعني ان لواء ثوار الرقة سوف يواجه «داعش» منفرداً على اطراف حدود مدينة الرقة وعندها سوف تستقبل قوات ابو عيسى (قائد لواء ثوار الرقة) مفخخات «داعش لوحدها. ومع ذلك يجري الحديث وبصوت عالٍ بين القوات المتحالفة بأن معركتهم واحدة ولن يتخلى الاكراد وطائرات التحالف عن شركائهم في معركة تحرير عين العرب حتى طرد تنظيم الدولة الاسلامية من الرقة ودير الزور.