اعتاد أحمد بيه على العمل في شهر رمضان مسحّراتياً، فهو يهوى إيقاظ المؤمنين في بعض أحياء اسطنبول، على أنغام طبلته التي ترافقه منذ أكثر من سبع سنوات. ويقول أحمد الذي يعمل صباحاً في جمع المعدات القديمة، إنه يتقاضى أجراً زهيداً من البلدية لقيامه بدور المسحراتي، كما أن الأهالي يتصدقون عليه ببعض المال والأشياء التي يحتاجها. وبعد أن يتأكد هذا المسحراتي من أنه تجوّل في كل الحارات المخصّصة له وفق خريطة يتّفق عليها مع المسؤولين، يذهب إلى ساحة مسجد السلطان أحمد ليتناول سحوره قرب متحف آيا صوفيا، ويروي: «وجبة السحور هي المفضّلة لدي في شهر رمضان، لأن الطقوس الاحتفالية التي تزدحم بها المساجد خلال السحور تنسيني تعبي وهمومي، وتشعرني بأنني في شهر مختلف عن بقية شهور السنة. التسحّر في المساجد وأداء صلاة الفجر فيها، من العادات القديمة التي ورثناها عن أجدادنا ونحرص على تعليمها لأطفالنا». أما صاحب محل المنسوجات فؤاد آوز، فلا يكتفي باصطحاب عائلته يومياً للتسحّر في ساحة مسجد «الخرقة الشريفة» في منطقة الفاتح، بل يتصدّق على المحتاجين الذين يقصدون المسجد، ويقول: «اعتدت وبعض أصدقائي التجار على التصدّق في وقت السحور، لأن السحور ساعة مباركة ويُقبل فيها الدعاء ويتضاعف فيها الثواب. يعرف المحتاجون موعد وصولي إلى المسجد، فيقصدونني لأساعدهم». وهو يحرص على اصطحاب أطفاله لمشاهدة هذا الطقس كي يتابعوا مسيرته من بعده، والأمر ذاته كان الحاج والد فؤاد آوز يقوم به قبل وفاته. ولا يقتصر طقس السحور في مساجد اسطنبول على تقديم وجبات الطعام والشراب، بل تزدهر الساحات بالباعة المتجوّلين والمغنين الذين يؤدون أناشيد دينية. وتقول السورية أم عفاف، إنه بعدما منعت البلدية الإفطار في مسجد أيوب سلطان، صارت تتسحّر يومياً في ساحة مسجد السلطان أحمد، مضيفة: «لدي أربعة أطفال تتراوح أعمارهم بين 5 و12 سنة، ولا شك في أن وجبتَي السحور والفطور اللتين تقدّمهما البلديات مجاناً، تخفّف عني أعباء مادية كبيرة».