بعد أن أصبح موقع «تويتر» عالماً يرتاده سعوديون تغريداً وتفاعلاً، وبات سمة بارزة في حياتهم اليومية التي لا يستغنون عنها، ولج أخيراً من هذا الباب حساب مزيف لطفلة تدّعي إصابتها بسرطان الدم، لتأسر قلوب المجتمع السعودي وتتربّع على عرش أكبر شريحة متعاطفة معها من شخصيات معروفة في المجال الفني والاجتماعي، ومن مسؤولين آخرين في القطاع الحكومي. ولم يقتصر هذا الحساب الذي دخل من باب الاحتيال على كسب التعاطف واستمالة القلوب، بل امتد إلى استدرار العطف لكسب المال الذي هو هدفه الأساسي، ويظهر ذلك من خلال الحساب الذي تابعه أكثر من 75 ألف شخص، فيما بلغ متابعو الحساب عبر تطبيق «إنستغرام» حوالى 11 ألف شخص. وتكشّفت حقيقة حساب الطفلة المزيّفة سارة ابراهيم أخيراً، بعد افتضاح الأمر عبر مغردين، ليتضح أنه يعود إلى لص إلكتروني استغل شغف السعوديين في حب العمل الخيري والإنساني، ومساعدة الملهوف، ومد يد العون إلى كل محتاج، مثيراً عاطفتهم في هذا الجانب من طريق ادعاء المرض بسرطان الدم، منتحلاً صوراً لفتاة أميركية تدعى Team Esme مريضة ب osteosarcoma ليتكسّب من وراء ذلك، ويجني الأموال بطريق غير مشروعة. وعلى مدار عام متواصل وأكثر لم يتوانَ السعوديون عن تقديم المساندة والدعم لصاحب الحساب «سارة ابراهيم المصابة بسرطان الدم» معتقدين صحته، وذلك إيماناً منهم أنه يصعب على الإنسان أن يلصق بنفسه مرضاً خبيثاً إلا إذا كان في معاناة حقيقية مع هذا المرض. وقبل أن يتعرّفوا على حقيقة الأمر أطلقوا وسماً بعنوان «#صديق_سارة» شهد تضامناً ملحوظاً عبر الموقع. فمنهم من أطلق الأشعار والقصائد، والأناشيد والدعوات الصادقة، والكلمات المخلصة. ولم يقتصر على ذلك فحسب بل امتد إلى مبادرات، وإعانات مادية وصدقات، وتأدية عمرة إلى مكةالمكرمة، جاعلين ثوابها وأجرها لصاحبة الحساب التي تُدعى سارة سائلين الله أن يشفيها. وكان صاحب الحساب يدّعي قبل أن ينجلي سره، الذي كشفه أحد المغردين من خلال الصور المزيّفة التي ضمّنها تغريداته، والتي تعود إلى فتاة حقيقية من الجنسية الأميركية، أنه في رحلة علاج من مرض سرطان الدم في أميركا، مشيراً إلى أنه يعاني من آلام تلقي العلاج الكيماوي. فيما ذكر أخيراً قبل أن يغلق حسابه بعد انكشاف تلاعبه أنه في طريق الانتهاء من رحلة العلاج، طالباً من متابعيه الدعاء له بالشفاء، غير أن المجتمع السعودي تلقّى صدمة كبيرة قد تفقده الثقة مستقبلاً بمن يطلبون المساعدة أو يدعون المرض في العالم الافتراضي، ويظهر ذلك من خلال الوسم «#كذبة_سارة_إبراهيم» الذي شهد سخطهم واستياءهم من أمر احتيال صاحب الحساب الذي أوقعهم في شركه وصدقوه عن طهر قلب، مطالبين بالعقوبة على كل من يحتال من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، مبينين أن عقوبة الاحتيال في المواقع الإلكترونية هي السجن فيما لا يزيد عن عامين وغرامة لا تزيد عن مليوني ريال، وفق تغريدات متداولة في ما بينهم. وصنّف أستاذ علم الاجتماع في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور منصور العسكر، قضية حساب سارة إبراهيم على «تويتر» أنها من قضايا التحايل من بُعد من خلال العالم الافتراضي، وقال: «وفقاً لنظرية الوتيرة الاقتصادية التي جاء بها المنظّر الفرنسي في علم الاجتماع غابريال تارد، في ما يتعلّق بالانحراف والجريمة يكون نتيجة للصعود المفاجئ نحو الغنى أو الهبوط المفاجئ نحو الفقر». وزاد: «هناك إفرازات ناتجة عن التحولات الاجتماعية والانهيارات الاقتصادية في المجتمعات حولّت أفراداً يتمتعون بالثراء إلى أصحاب دخل منخفض جداً، ما دفعهم إلى التحايل من بُعد عبر وسائل التواصل الاجتماعي في العالم الافتراضي». وأشار العسكر إلى أن التغيّر السريع الذي طرأ على المجتمع السعودي نتيجة وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة، فأحدث نقلة في ما يتعلّق بالتعامل مع الآخرين، لافتاً إلى أن المجتمع السعودي يتميّز ببساطة في التعامل، وأحياناً قلة في الوعي والإدراك في عالم يموج بكثيرين ممن لديهم حقائق ودراسات حول التحولات الاجتماعية التي تحدث في المجتمعات، وفي القضايا المتعلقة بالاحتيال والنصب ومنها التحايل من بُعد». وعزا العسكر في حديثة إلى «الحياة» سبب الوثوق وتصديق مثل هذه الحسابات الوهمية في العالم الافتراضي من قبل شريحة كبيرة من الناس، إلى غياب الجهات الرقابية الرسمية على مثل هذه القضايا، وعدم وجود قنوات موثوقة لجمع التبرعات تبعث في نفوس المتبرّعين الطمأنينة من ذهاب أموالهم لمستحقيها. وشدد على ضرورة استخدام أشد أساليب الجزاء الرادع لمن يتحايل على المجتمع في جمع تبرّعات وهمية، مطالباً بتوعية الجيل الجديد بعدم الوثوق في ما يبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مبيّناً أن وسائل الاحتيال كثيرة وقد تكون بطرق فنية تتميز بالدهاء والذكاء، ما يجعل بعض أفراد المجتمع يقع ضحية في مثل هذه الظروف، إن لم يأخذ الحيطة والحذر.