كثيرا ما تعاطفت مع حالة ذلك العجوز الهرم الذي ما أن نفرغ من الصلاة بالمسجد حتى يقف وبيده صك أو فاتورة موضحا بأنه لا يملك المال للوفاء بها، وكثيرا ما دمعت عيني مع حالة ذلك الشاب الذي يحضر بثياب مهترئة ويحمل بين يديه طفلا غالبا ما يعاني من حالات تشنج أو شلل رباعي أو ضمور بالمخ مدعيا بأنه عاجز كليا عن رعايته وعلاجه، وكثيرا ما تألمت لحال تلك السيدة التي تفترش مع أبنائها أمام باب المسجد وهي تلهج بالدعاء للمارة وتطلب المساعدة منهم ولو بالقليل لتسد جوعها وجوع صغارها. دائما ما يتفاعل أغلب المصلين مع تلك الحالات الإنسانية التي لا تخرج عن هذه الصور الثلاث على الرغم مما يجده ذلك المتسول من مقاطعة أو نهر أثناء شرحه لحالته بحجة الإزعاج الذي قد يتسبب فيه أو لحرمة المسألة دون حاجة، اليوم يكثر الحديث حول مغردة بتويتر اسمها (سارة إبراهيم) ما أن تدخل في حسابها الشخصي حتى يتفطر قلبك من هول صورة العرض التي وضعتها وهي لطفلة بدون شعر ولا حواجب وتبتسم ابتسامة منلوزية، وقد كتب على متن التعريف (مصابة بسرطان الدم لو مريتم من هنا ادعولي بالشفاء). سبب الفورة والغضب الذي عم مواقع التواصل، هو ما أشيع مؤخرا من أن هذا الحساب وهمي وأن الصورة تعود لطفلة أمريكية تدعى Esme مصابة بمرض سرطان العظام منذ عام 2013 وأن هناك من تجرد من إنسانيته واستغل هذه الحالة لكسب التعاطف وجمع التبرعات، وأمام ذلك أرى من جهتي بأن كل التوقعات تظل قائمة، ذلك أن صورة العرض لا يشترط أن تكون لصاحب الحساب فهناك صور ورسومات رمزية يضعها الأغلبية العظمى من المغردين، وفي المقابل هناك انفلات ملحوظ وغياب تام للضوابط فيما ينتج ويدور بهذا العالم الافتراضي !؟. ما أثارني حقا هو ردود الفعل المصاحبة، حيث إننا نجد بأن من تعاطفوا وتفاعلوا مع الحالة منذ إنشاء الحساب هم نفسهم الان من يؤيدون دون تفكير فرضية أن الحساب وهمي، ليتمحور الحديث بعد ذلك حول الأسباب التي أدت إلى وقوع بعض الضحايا في شراك هذا المغرد، وهل ذلك عائد إلى الطيبة الزائدة التي يتحلى بها مجتمعنا أم أنه عائد إلى الغباء المستفحل الذي سبق أن أوقعهم في العديد من عمليات النصب والمساهمات الوهمية، أما الأصوات المتزنة التي يفترض أن تطالب بإرجاء الحكم على الحالة لحين الكشف عن الحقيقة من قبل الجهة المختصة فلن تجدها !!. إنني لم أخفِ ولم أنكر مبدأ التعاطف مع الحالة الإنسانية حين تؤثر فيك الحالة التي أمامك، ولكن الحذر الشديد مطلوب حين تأتي الحالة عبر موقع أو بريد إلكتروني، وعلى العموم فإنه يتعين على الضحايا تقديم شكوى أمام الجهة المختصة للكشف عن صاحب الحساب ومساءلته، وإذا ما ثبتت التهمة عليه، فإنه سيكون عرضة للسجن والغرامة والتشهير، وكم أتمنى بأن يطال التشهير أولئك الضحايا وذلك بالإعلان عنهم تحت عنوان (الذين ضحكت عليهم سارة إبراهيم) لعلهم ولعل مجتمعنا يستوعب هذا الدرس القاسي فلا يكون هدفا سهلا للمحتالين والنصابين !؟..