بدت تركيا بعد عام 2002 وكأنها تعيد تموضعها الجغرافي والسياسي باتجاه ما يمكن تسميته بعمقها الحضاري والتاريخي في الشرق الأوسط. فتركيا في المرحلة الراهنة تصوغ سياسة خارجية تختلف كلياً عن السياسة التقليدية التي مارستها سابقاً، وهي بزعامة التيار الإسلامي تبدو فاعلة ديبلوماسياً واستراتيجياً عبر التحول الناشط لإعادة التمركز، بعد تراجع دورها كقاعدة غربية متقدمة في الحرب الباردة في مواجهة المعسكر الشرقي والاتحاد السوفياتي آنذاك. «الحياة»التقت أمر الله ايشلر مبعوث الرئيس التركي الخاص، النائب في البرلمان التركي، ونائب رئيس الوزراء السابق، وحاورته حول العديد من القضايا التي تهم المواطن العربي: كيف ستتعامل تركيا مع ملفات الشرق الأوسط الساخنة في المرحلة المقبلة؟ - لا يخفى على أحد أن هناك روابط تاريخية متجذرة وأخرى دينية وإنسانية تربط بين الشعب التركي وشعوب المنطقة، وبالتالي فإن تأمين أجواء يسودها السلام والاستقرار لشعوب الشرق الأوسط من أولويات السياسة الخارجية التركية. كما أن التطورات التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الأخيرة، والتي كان لها تأثيرها المباشر وغير المباشر على تركيا في ظل العلاقات الراسخة ومتعددة الأطراف مع دول المنطقة قد جعلت من لعب بلدنا دوراً نشطاً أمراً طبيعياً للغاية، خصوصاً أمام استمرار مجموعة من القضايا التي تعيق تأسيس سلامٍ حقيقي في المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية أي القضية المحورية التي تشكل العقبة الكبرى أمام تحقيق السلام إلى جانب الصراع الداخلي في سورية، وملف اليمن الذي بات ينذر بخطر الانقسام إثر انقلاب الحوثيين، وكذلك عدم الاستقرار الدائم في العراق، والسياسات الإقصائية والاستبدادية التي تنتهجها الحكومة المصرية. وعلى رغم كل هذه الأزمات، فإنني أعتقد بأن ثورة الشعوب العربية التي انطلقت في تونس وباتت تعرف باسم الربيع العربي، ستفتح - على المدى الطويل - الطريق أمام إحلال السلام والاستقرار في المنطقة، خصوصاً أن الشعوب التي حُكِمَت على مدار أكثر من مئة عام، من قبل أنظمة مستبدّة، تسيرها ديناميات أجنبية، اندفعت لتعبر عن إرادتها الذاتية حيث أشهرت رفضها الصارخ لواقعها المرير، فضلاً عن أن مطالبها المشروعة منحتها قدرة التصدي والممانعة وبعثت الأمل في نفوس الأجيال اليائسة، وانطلاقاً من هذه النقطة، يمكننا القول إن تركيا أصبحت «مصدر إلهامٍ» لتلك الشعوب، في خضم التطورات آنفة الذكر، وذلك بفضل نجاحها في حل المشاكل التي اعترتها على الصعيدين الداخلي والخارجي، وقدرتها على دفع عجلة الاقتصاد التركي في شكل سريع لتتبوأ مكانة متقدمة ضمن اقتصاديات العالم خصوصاً لموقفها المبدئي المدافع عن الشعوب المضطهدة والمعبرة عن لسان حالها، حيث أصبحت تركيا بمثابة الأنصار للمهاجرين السوريين، وصوتَ المظلومين الفلسطينيين والصوماليين. لذا، فإن تركيا ستواصل - كما كانت قبل الربيع العربي وكما هي عليه اليوم - تحمل مسؤولياتها على الصعيدين الإقليمي والعالمي، من أجل السلام والاستقرار. وعليه، فقد وقفت تركيا إلى جانب جميع المساعي والجهود التي تنصب في تحقيق الاستقرار بالمنطقة، ومن هذا المنطلق، دعمت تركيا عملية «عاصفة الحزم»، التي تشنها عشر دول ضد مواقع للحوثيين في اليمن، إيماناً منها بمساهمة تلك العملية في حماية البلاد من حرب أهلية ومن خطر الفوضى، وفي إنعاش سلطة الدولة الشرعية في اليمن. ما رأيكم بالنقاشات التي تدور حول «العثمانية الجديدة»؟ - إن فكرة «العثمانية الجديدة»، طرحت للمرة الأولى في بدايات عام 1990، ثم عادت لتطرح مجدداً في عهد حكومات حزب العدالة والتنمية، ويأتي طرح تلك الفكرة دائماً بالتزامن مع حدوث أي تقارب في العلاقات التركية العربية، لخلق انطباع زائف بهدف إجهاض أي تقدم في مسار تلك العلاقات. أود أن ألفتك إلى أن حقبة التسعينات من القرن الماضي، شهدت ظهور تورغوت أوزال، ذلك الزعيم الذي آمن بالتغيير وعلم بأنه لا يمكن تركيا أن تبقى على النهج المعتاد في تلك الحقبة، وكان الرئيس أوزال قد نجح في في نيل مساندة وتأييد جزء كبير من الشعب التركي، إضافة إلى ذلك، فقد آمن أوزال بضرورة إجراء تغييرات على النظام المتبع منذ مرحلة إعلان عهد الإصلاحات والتحديث في الدولة العثمانية عام 1839 أو ما يعرف ب «عهد التنظيمات»، والذي كان عماده تغريب السياسات الخارجية للدولة، لذا، فقد شهد عهد أوزال أكبر التحركات التي تهدف إلى التغيير منذ تأسيس تركيا حتى ذلك الحين، إلا أن جميع الأطراف التي رفضت نمو البلاد وعملت من أجل الحفاظ على الوضع القائم، شنت حملة دعائية واسعة النطاق كان هدفها النيل من أوزال والإنجازات التي تحققت في عهده، لذا فلا نستطيع القول إن طرح فكرة «العثمانية الجديدة» في عهد أوزال كانت من قبيل الصدفة، بل إنها تندرج ضمن حملة دعائية واسعة النطاق، خصوصاً أن بعض الفئات تعمل جاهدة من أجل كبح عجلة النمو في تركيا ووضع العقبات أمام مسيرة تحسين العلاقات التركية العربية. وهنا، نرى أن إعادة طرح هذا الموضوع مجدداً خلال عهد حزب العدالة والتنمية، تتطلب تقييماً من هذه الزاوية، حيث يعتقد حزب العدالة والتنمية أن العالم ليس عبارة عن الغرب فقط ويؤمن بضرورة إعادة بناء العلاقات التركية العربية، التي تم تقطيع أوصالها في شكل متعمد عبر مئات السنين، وفي مقابل ذلك، نرى ظهور ديناميات داخلية وخارجية مجدداً، للعمل على الحيلولة دون تحسين العلاقات البينية مع العالم العربي، ولخلق تصورات خاطئة تتناقض مع الواقع. وكما تعلمون، فإن تلك الديناميات تعمل على الترويج لرأي مفاده، هو أن تركيا لم تحصل على ما تريد من الغرب، وبالتالي تحولت نحو الدول التي كانت ضمن حدود الدولة العثمانية في القرن الماضي، أي أنها تسعى للهيمنة على هذه المنطقة مرة أخرى، ومع ذلك، فإني أريد أن أعبر بوضوح وفي شكل لا يدع مجالاً للشك، عن أن تركيا لا تمتلك أية أجندة سرّية أو مخفية تجاه المنطقة، وأن هدفها الوحيد هو إعادة تأسيس السلام والاستقرار، استناداً إلى أسس الأخوة والتاريخ والثقافة المشتركة، كما أن تركيا تتطلع نحو جغرافيا إسلامية رحبة، تمتلك فيها الحدود قيمة رمزية لا أكثر، وتُمكن مواطنيها من التنقل بين دولها بسهولة ومن دون أي عقبات. هل هناك أي شروط تركية في ما يخص إمكانية تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر؟ بداية، أود إيضاح هذه النقطة الهامة، لا يمكننا الحديث عن إمكانية القيام بأي تطبيع للعلاقات التركية المصرية في ظل الظروف الحالية، كما أن المتابعين للخط الذي تسير عليه السياسات الخارجية التركية، يمكنهم ملاحظة النهج المبدئي الذي تعتمده تلك السياسات، ذلك أن الخطوط الحمراء في السياسات الخارجية التركية، لا تستند إلى المصالح بل إلى المبادئ التي تدافع عنها تركيا، وبالتالي، فإنه ليس من الممكن التخلي عن تلك المبادئ. وكما هو معروف، فإن تركيا عانت الكثير بسبب الانقلابات العسكرية، كل انقلاب عسكري أرجع البلاد 10 سنوات إلى الوراء، وأدى إلى ظهور مجموعة من الصدمات الخطيرة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، فضلاً عن أن تاريخ العالم السياسي يقف أمامنا شاهداً على أن الانقلابات العسكرية لم تجلب أبداً أي نوع من أنواع الاستقرار لأي بلد في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن أن نطاق عيش الأنظمة الديكتاتورية التي وصلت إلى السلطة من خلال انقلابات عسكرية قد تلاشى، في القرن ال 21 الذي شهد نشاطاً وانتعاشاً للديموقراطية وحقوق الإنسان وحرياته. نحن نريد للعالم الإسلامي شيئاً واحداً فقط، وهو أن ينعم بأنظمة وسلطات مشروعة تعبر عن إرادة الشعب، وانتشار أنظمة حكم تستند إلى الإرادة الشعبية، لذا، على الإدارة المصرية أن تصغي إلى صوت الشعب المصري الذي لا يزال في الشوارع، وعليها أن تكف عن اتباع سياسة الاستقطاب التي اتسمت في مصر من خلال العزل والإقصاء وحملات التشهير وممارسة مختلف أنواع الضغوط، خصوصاً أن العديد من الأحداث التاريخية تبعث لنا برسائل مفادها، «أنه ما من قوة في العالم إلا وهي غير قادرة على مواجهة إرادة الشعب مهما بلغت». وهنا أود أن أعبر بوضوح عن أنه ليست لدينا أية مشكلة مع الشعب المصري، وأن مصر بالنسبة لنا لا تعني الإخوان فقط، كما أننا نعتبر جميع المصريين - الساعين إلى ضمان وحدة بلادهم الوطنية واستقرارها وتحقيق الرفاهية لها، والرافضين للعقلية الانقلابية - إخوة لنا، بكل ما تحتويه تلك الكلمة من معاني نبيلة. نحن نعلم تماماً أهمية وقوّة مصر في العالم العربي والإسلامي، ونعلم أيضاً، أنه من المستحيل تأسيس السلام والاستقرار بصفة فعلية في العالم الإسلامي في غياب مصر قويّة في المنطقة، ولذلك، فنحن نتمنى أن يتخلص الشعب المصري في أقرب وقت ممكن من العقلية الانقلابية، وأن تصل مصر إلى المكان الذي تستحقه في العالم الإسلامي. ما هو موقف تركيا في شأن الأحداث التي تشهدها ليبيا؟ هل يمكنكم أن تعطونا معلومات حول الدور الذي تقومون به في ليبيا؟ - إن نظرة بلادنا لحل الأزمة في ليبيا واضحة للغاية، حيث نؤمن بأن الحل لا يتم إلا من خلال الحوار، ونعتقد بإمكانية إجراء عملية حوارٍ تجمع جميع الفرقاء بطريقة صحيحة وشاملة، وكما تعلمون، فقد بدأت عملية حوار تحت مظلة الأممالمتحدة وبرعاية من قبل المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا برناردينو ليون، ونحن في تركيا، دعمنا وما زلنا ندعم حتى الآن جهود الأممالمتحدة الرامية لإيجاد حل للأزمة الليبية. إن تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، يشغل أهمية قصوى على صعيد نجاح عملية الحوار، وضمان الحصول على حل حقيقي للأزمة، لقد تأثرت ليبيا سلباً جراء النزاعات المسلحة، وتضررت البنية التحتية في شكل كبير، وانقسمت البلاد إلى جبهتين سياسية وعسكرية، فيما يفقد أخوة ليبيون حياتهم، ويعمل آخرون بكل ما أوتوا من قوة للحفاظ على أرواحهم وتأمين لقمة عيشهم في ظل ظروف صعبة للغاية، وانطلاقاً من أهمية المرحلة التي وصلنا إليها اليوم، والمفاوضات الجارية، نرى أن استمرار استخدام لغة السلاح، وقتل المدنيين، وقصف المطارات المدنية، لن يساهم في دفع عملية المفاوضات قدماً نحو الأمام، ولن يحمل الخير لمستقبل البلاد. وفي نهاية الأمر فإن حل الأزمة في ليبيا بأيدي الليبيين أنفسهم، ولربما بمساعدة من المجتمع الدولي فقط، وعليه، أتمنى من الإخوة في ليبيا الاتفاق على خريطة طريق سياسية تخرج البلاد من عنق الزجاجة وتأخذها نحو طريق الانفراج، وتشكيل حكومة وحدة وطنية لتنفيذ خريطة الطريق. وهنا أود التشديد مرة أخرى على أن أي تدخل عسكري من خارج ليبيا، سيؤدي إلى تعميق الأزمة واتساع رقعة المشاكل في عموم البلاد. كما أود في هذا المقام، الإشارة إلى نقطة أخرى ذات صلة، وللأسف، إن دور تركيا في الملف الليبي يواجه حملة تضليل خطيرة، من قبل بعض وسائل الإعلام، التي تقوم بنشر أنباء تدّعي من خلالها وجود دعم تركي لجماعات متطرفة في ليبيا، بهدف إجهاض الدور البناء والإيجابي الذي نقوم به في الملف الليبي، لقد أجرينا زيارة إلى ليبيا قبل قرار المحكمة، والتقينا مع جميع الأطراف هناك، كما أننا نواصل محادثاتنا مع جميع الأطراف في أعقاب قرار المحكمة، لأن وحدة ليبيا واستقرارها هو أمر أساسيٌّ بالنسبة لنا، نحن لا نفضل أي جماعة أو طرف في ليبيا على أيّ جماعة أو طرف آخر، لأننا عندما ننظر إلى ليبيا لا نرى ما فيها من آبار نفط، بل نرى فيها وشائج الإخوة والتاريخ والدين والثقافة المشتركة، التي تربطنا مع أخوتنا في ذلك البلد الشقيق. ما موقع تركيا من الأزمة السورية الآن؟ إن الأحداث التي شهدتها سورية منذ آذار (مارس) 2011 لا تزال مستمرة حتى الآن، وراح ضحيتها قرابة 300 ألف شخص من الأبرياء، أدت إلى رسم معالم جديدة لسياسات سورية وعلاقاتنا الثنائية معها، وأعادت صياغة جداول أعمال المنطقة برمتها، لقد شكلت مطالب الإصلاحات الديموقراطية وإجراء عملية تحوّل سياسي في البلاد في شكل سلمي، من أجل حماية وحدة التراب الوطني لسورية، ووقف إراقة الدماء في البلاد، وتلبية المطالب المشروعة للشعب السوري، العناصر الأساسية في سياستنا المتبعة منذ اليوم الأول تجاه التطورات في سورية. لقد دافعنا كدولة منذ اليوم الأول للثورات العربية عن ضرورة الاستجابة لإرادة الشعب، لكن وللأسف، رفض النظام السوري وعلى مدى الأشهر الستة الأولى من عمر الأزمة أي نوع من أنواع النصيحة أو المشورة التي قدّمناها إليه من باب الصداقة القائمة بين بلدينا، فلجأ إلى ارتكاب جميع أنواع الجرائم ضد الإنسانية في حق شعبه بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية، وعلى رغم مرور ثلاث سنوات ونصف على الأحداث، ومقتل قرابة 300 ألف إنسان، إلا أن النظام السوري لا يزال مستمراً بارتكاب المذابح والمجازر بحق أبناء شعبه. في الواقع، هنالك نقطة مهمة يجب التأكيد عليها بخصوص الموضوع السوري، إن الديناميات الخارجية التي حولت الساحة السوريّة إلى حرب عالمية صغيرة، بسبب جملة من المخاوف الطائفية والاقتصادية والاستراتيجية، والتي كانت تدعي مع العالم المتحضّر بأنها قد وصلت إلى قمة الحضارة، وأكدت ضرورة تأمين وضمان حقوق الإنسان وحرّياته في شكل كامل، خلال القرن ال 21، إلا أننا نجد تلك الديناميات المذكورة اليوم قد التزمت بالصمت حيال الإبادة الجماعية الجارية في سورية، الأمر الذي سيجعل تلك المذابح أكبر وصمة عارٍ أندت جبين الإنسانية خلال قرننا الحالي. وأقولها متأسفاً... إن الإنسانية قد أخفقت في الامتحان السوري. وكما أن الإنسانية قد أخفقت في الامتحان السوري، فإن إيران التي قدمت جميع أشكال الدعم للنظام السوري بما في ذلك إرسال جنود ومقاتلين، بناء على هواجسها الطائفية وسياساتها الإيديولوجية، قد خسرت سمعتها ومكانتها في قلوب الشعوب المسلمة ونزعت من طي ضمائرهم، فضلاً عن أن سياساتها التي اعتمدت على استغلال وضع البلدان العربية في ظل مرحلة الثورات العربية، قد أكّدت ما ذهب إليه الكثير من الأكاديميين والمفكرين، الذين كتبوا وتحدثوا كثيراً عن امتلاك إيران منذ قيام ثورة عام 1979 حتى الآن عقلية سياسية إمبريالية، تهدف إلى تصدير الثورة وإقامة مشروع الهلال الشيعي، وقد جرحت إيران مشاعر وضمائر الشعوب الإسلامية مرّة أخرى، من خلال جر اليمن نحو حرب أهلية، عبر تقديم جميع أنواع الدعم للحوثيين، ولم تكتف عند هذا الحد، بل قال مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، «علي رضا زاكاني»، وكأنما كان يبارك سقوط العاصمة اليمنية صنعاء بيد الحوثيين، إن «ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإيرانية الإسلامية»، وتابع زاكاني المعروف بقربه من المرشد الإيراني علي خامنئي «إن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية»، معلناً ما هو معلوم في شكل واضح مما لا يدع مجالاً للشك. وانطلاقاً من معطيات المرحلة الحالية يمكننا القول إن الأضرار التي ألحقتها إيران بوحدة العالم الإسلامي، وروحه المعنوية، فاقت جميع الأضرار التي تسببت بها الهجمات الصهيونيّة، فضلاً عن أن المواقف التي اتخذتها إيران قد أدمت أيضاً قلوب أصحاب الضمائر من الشيعة، وأدت إلى ردود فعل صاخبة من قبلهم تجاه إيران، وعليه، انتقد مؤسس حزب الله اللبناني وأمينه العام الأسبق، الشيخ صبحي الطفيلي، فعاليات إيران في المنطقة، مشيراً إلى أن تلك الفعاليات كانت سبباً للفتنة في المنطقة، وأنها أدت إلى قطع جميع الأواصر التي كانت تربط إيران بالمنطقة. وهنا أود الإشارة إلى أن إيران، كانت تملك قدراً لا بأس به من التعاطف في جميع أنحاء العالم الإسلامي، إلى أن بدأت مرحلة الثورات المضادّة للربيع العربي، إلا أن إيران اتجهت نحو الاستيلاء على عواصم كل من العراق وسورية واليمن، حتى لو كان الثمن هو تدمير تلك العواصم، مما أدى إلى فقدانها لذلك التعاطف باستثناء بعض المناطق الشيعية في العالم الإسلامي. إن بلدنا، يعمل على توفير المساعدة الإنسانية اللازمة لتضميد جراح السوريين الفارين من ظلم واضطهاد النظام، بالتوازي مع بذل الجهود والمبادرات التي توفر العون والتعاون والتنسيق لجميع المبادرات والجهود التي يبذلها المجتمع الدولي، بهدف إنهاء الصراع في سورية في أقرب وقت، وفي شكل سلمي. إن الوصول إلى تسوية نهائية اعتماداً على الوسائل السلمية في ما يخص الصراع في سورية، يتطلب أولاً وضع حد للسياسات القمعية التي ينتهجها النظام، وإيقاف العنف الذي يستهدف الشعب السوري، ورحيل جميع المسؤولين الذين تلطخت أيديهم بالدماء في أقرب وقت ممكن. ونأمل أن تتوج المرحلة بحماية البنية التحتية القائمة والمؤسسات العامة في سورية والبدء بعملية تحول ديموقراطي فعّالة تماشياً مع المطالب المشروعة للشعب السوري وتطلعاته، وتأسيس نظامٍ ديموقراطي حر، يتضمن الحقوق الأساسية لجميع المواطنين السوريين على أساس المساواة في الحريات، وضمانات دستورية، لصيانة حقوق جميع المواطنين السوريين، من دون التمييز في ما بينهم لأسباب عرقية ودينية وطائفية، وذلك من خلال انتهاج الوسائل السلمية، أما تركيا، فستواصل في هذه الفترة الصعبة الوقوف إلى جانب الشعب السوري بكل حزم، والتمسك بحماية الوحدة الوطنية لسورية ووحدة ترابها الوطني، بين أهدافها الأساسية.