نادت الكثير من الآراء وعلى مدى أعوام كثيرة في المملكة العربية السعودية إلى ضرورة سن قانون التجنيد الإلزامي على الشبان، وعادت تلك المطالبات أخيراً إلى الظهور مرة أخرى بعد أن انطلقت عاصفة الحزم في 26 آذار (مارس) الماضي في حربها على الميليشيات الحوثية في اليمن، وقوى الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح المعارضة لشرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي. وتعالت تلك المطالبات بعد أن دعا مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ في خطبة له الشهر الجاري، إلى التجنيد الإلزامي للشبان، وذلك ليكونوا درعاً للدفاع عن الدين والوطن، بحسب تعبيره، مضيفاً: «لا بد أن نهتم بشبابنا ونهيئهم، والتجنيد الإجباري -إذا وُفقت الأمة له- سيسهم في إعداد الشباب لأداء المهام». وأردف قائلاً إن هذه الخطوة مهمة للشباب في دينهم ولحماية أوطانهم، وتابع «نعيش في نعمة الأمن وهي نعمة يحسدنا عليها الآخرون، ومن باب شكر النعمة أن يكون شبابنا في حالة استعداد دائم للدفاع عن الدين والوطن، من خلال تدريبهم عبر التجنيد الإلزامي». واعتبر مفتي السعودية أن حماية البلاد تتطلب استعداداً دائماً ومتواصلاً في إعداد القوة وتدريب الأبناء، «إن الاستعداد عند الأزمات يفيد وقتياً، وإنه لا بد من استعداد دائم وتدريب على كل المهمات». ويعرّف التجنيد الإجباري بأنه طريقة اختيار الرجال وفي بعض الأحيان النساء للخدمة العسكرية الإلزامية، ويسمى أيضًا التجنيد الإلزامي أو الخدمة الوطنية، وعادةً، يتم التجنيد الإجباري بمجرد انتهاء الدراسة، فيخدم المجنّدون لمدة تتراوح بين عام واحد أو ثلاثة أعوام. وقد استخدمت كثير من الدول التجنيد الإجباري في وقت الحرب، ولكن عددًا قليلاً من الدول استخدمته أثناء فترات السلم. وعُرف التجنيد الإجباري في أوروبا لأكثر من 2000 عام، إذ دعمت اليونان القديمة وروما الجيوش العاملة بالمجندين من الرجال في زمن الحرب. وفي العصور الوسطى، وضعت كثير من المدن في إنجلترا وفرنسا فرقًاً مُدَرَّبة من أجل حماية هذه المدن. وقد بدأ أول تدريب عسكري إلزامي على نطاق واسع في سويسرا في القرن السادس عشر الميلادي. يذكر أن الكثير من الدول استغنت عن التجنيد الإجباري مثل، الولاياتالمتحدة الأميركية وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا والهند وباكستان. كما أن دولاً أخرى كثيرة، وخصوصًا في أوروبا ، قد خَفَّضَت مدد الخدمة. وقد أدخلت بعض البلدان العربية نظام التجنيد الإجباري في أواخر القرن العشرين. من جهته، أكد رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية اللواء الدكتور أنور عشقي ل»الحياة» أن التجنيد الإجباري في السعودية بات ضرورة ملحة على الشباب في الوقت الحالي، إذ يجب أن نقرأ الأحداث المستقبلية قبل فرضه، موضحاً أن أخد أهم فوائد التجنيد ومزاياه هو تعليم الانضباط للشباب، والتعود على المصاعب والجلد والصبر في الحياة، إضافة إلى أنه طريق نحو القضاء على البطالة. وقال إن التجنيد الإلزامي للشباب يتم بشكل منطقي وليس تعسفياً كبعض الدول التي تفرضه تعسفياً، بمعنى أن تتم مراعاة أصحاب الظروف الخاصة، وذوي الأعمال المهمة التي لا تتحمل غياب أصحابها فترة طويلة، إذ يجب أن تؤخذ تلك في الاعتبار، مشيراً إلى أن الدين الإسلامي لا يعارض تلك الفكرة، والتي ترتكز على حماية الوطن، وخدمة العلم. وبيّن عشقي أن دعوة مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ إلى التجنيد الإجباري، خير برهان على أنه جائز شرعاً، وأحد أهم المشاركات الضرورية لأبناء الوطن بحماية وطنهم، مشدداً على ضرورة وضع كافة الأنظمة والتعليمات التي تهيئ للتجنيد الإجباري في السعودية، والحرص على تطبيقه. وأضاف: «توجد آراء بزيادة أعداد المنتسبين إلى الجيش السعودي، أو التطوع بالتدريب الكامل لمدة لا تتجاوز الأسابيع، ليعودوا بعدها على أعمالهم العامة، وكل تلك الآراء منطقية ومحل الدراسة، بيد أن التجنيد الإجباري لا التعسفي لا تقتصر أهدافه على الخدمة العسكرية فقط، أو التعامل مع السلاح، بل يتم إكساب المجندين مهارات جديدة مثل الانضباط، والصبر».