منذ نحو عامين أخبرتنا جهينة الخبر اليقين: ثمة جائزة مهولة القيمة الدولارية، أُطلقت عليها تسمية جائزة البوكر العربية تيمناً بالبوكر البريطانية الوقور، الحسنة الصيت والطيبة السمعة. تابعنا بلهفة وحسن نية أخبار الجائزة... ثم ظهرت كتابات، مثل ما كتبه الناقد صبري حافظ، تشكّك في صدقية الجائزة وبنيوية أسسها من خلال ما تم الإعلان عنه من أسماء مجلس أمناء الجائزة ثم اعضاء لجان تحكيمها. رد بعضهم – مهاجماً – من الذين تربطهم علاقة «بنيوية» بالجائزة والداعين إليها (مثل الكاتب التونسي حسونة المصباحي) على صبري حافظ. ولم يكن الرد موضوعياً بقدر ما كان شخصياً. هكذا دار سجال بعضه صحيح وموضوعي، وبعضه شخصي، نميمي. الصحيح كان هدفه إطلاق العنان للرواية العربية إلى آفاق «بوكرية» بريطانية لمئات الكتاّب العرب من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر (أو بالعكس). أما النميمي فلا يعنينا. أما شخصياً فقد راقبت المعركة من بعد، لأسباب ذاتية وأسباب انانية. فالذاتية هي انني مثل كثيرين غيري تربطني بصموئيل شمعون وزوجته السيدة ماغي (الموجودة في بنيوية الجائزة) مودة وتعارف. وأنانية بأنه ليس لي في الجائزة طور ولا طحين. وحينما فاز بهاء طاهر بها عن «واحة الغروب» قررت أن ابتعد بعض الشيء عن الشخصي والأناني فكتبت أن «واحة الغروب» ليست أحسن أعمال هذا الكاتب المبدع الذي أتابعه وتربطني به أيضاً مودة وتاريخ قديم... قررت خوض المعركة غير مبال بالمودات والتواريخ متسلحاً بأنني لم - ولن - أتقدم إلى الجائزة، فأنا - إذاً من وجهة نظري - لا أنطق عن هوى ولا قميص عثمان لديّ! ثم جرت نقود الجائزة تحت جسور كثيرة لتفوز «عزازيل» في الدورة الثانية للجائزة من دار النشر نفسها التي قدمت «واحة الغروب» وهي دار الشروق المصرية. ثم جاءت، أو صاحبت «عزازيل» استقالة الناشر رياض الريس من مجلس الأمناء. كنت أيامها في بيروت والتقيت الريس وحكينا عن الجائزة وأشياء أخرى منها كتابات وروايات محددة، لكن ما سمعته من الريس ومن آخرين أثار انزعاجي وقلقي وشكي. وبدأت أحاول أن افهم آلية حركة الجائزة ولجان تحكيمها وبنيوتها التركيبية والعلاقات والمصالح التي تربط بين الأفراد ودور النشر وبخاصة دار الشروق التي نهضت فجأة كالعنقاء تنفض عنها رماداً كثيراً وتلتهم معظم ما في السوق المصرية والعربية من أعمال أدبية وتراثية. وانفتحت شهية القائمين على أمرها وأمر «المؤسسة» فتصدر صحيفة يومية ثم هناك وعد ما بقناة فضائية. لماذا أقول قولي هذا وهو ليس نميمة ولا أهمس به همساً، لأن «الشروق «ومن يقوم بها وعليها، اصبحوا «أمراً عاماً» من المسموح مناقشته في حدود المتعارف عليه من قانون واحترام للأشخاص. أثارت «عزازيل» عاصفة مسيحية هوجاء في مصر التي لا يتحمل كيانها الطائفي الهش (الآن) عاصفة هوجاء. ومن تابع ويتابع الحوارات والهجوم المتبادل بين أساقفة وقساوسة أقباط من جهة ومؤلف «عزازيل» من جهة أخرى يدرك رهافة الموقف الطائفي وحدته. لن أدخل هنا في لجاجة طائفية حول نص «عزازيل»، لكنني سأناقش مع القارئ معلومات محددة حول برتوكولات الجوائز وتلك العربية بالتحديد التي – دائماً - تراعي الحدود الدينية والطائفية والعرقية بل والإقليمية أيضاً. فالجوائز العربية المعروفة، تعلن شروطها في وسائل الاعلام ثم تعلن نتائجها سنوياً، وتمر الإعلانات بهدوء ووقار يناسبان صدقية الجائزة والقائمين عليها. لكن عاصفة البوكر العربية اشتعلت قبل أن تبدأ، لماذا؟ لأن معظم اعضاء لجانها (وأقول معظم.. وأؤكد) ليسوا على قدْر يؤهلهم للحكم على اعمال كتّاّب عرب بينهم رواد وقممٌ من شباب وكهول. كذلك لم تعلن الجائزة منذ انطلاقتها حتى الآن آلية الاختيار وقواعده، ولا عن آلية الفوز بالقائمة القصيرة وقواعده. فما بالك بآلية الفوز بالجائزة الكبرى وقواعده! ما تم... تم ويتم في الخفاء وبتكتم من يخاف الضوء الباهر الكاشف. وطبقاً لموقع البوكر العربية والمواقع التي تنقل منها نجد أن اللجنة الأولى ضمت الكاتب والناقد المغربي محمد برادة، والشاعر والناقد المغربي محمد بنيس، والكاتب والناقد الفلسطيني فيصل دراج، والكاتب والمستعرب البريطاني بول ستاركي، والناقدة اللبنانية يمنى العيد والكاتبة والصحافية السورية غالية قباني. وتكونت هيئة الأمناء من: مارغريت اوبانك (ناشرة ورئيسة تحرير مجلة «بانيبال» - بريطانيا)، جوناثان تايلور (رئيس مجلس إدارة مؤسسة «بوكر» - بريطانيا)، خالد الحروب (كاتب وأكاديمي عربي - بريطانيا)، رياض نجيب الريس (ناشر وكاتب - سورية، لبنان)، ياسر سليمان (أستاذ في جامعة كامبريدج - الأردن)، افلين سميث (من مؤسسة «بوكر» - بريطانيا)، وليم سيغهارت (ناشر وكاتب - بريطانيا)، ماري تيريز عبد المسيح (أستاذة جامعية - مصر)، عمر سيف غباش (ناشط ثقافي - الإمارات)، بيتر كلارك (مستشرق ومستشار ثقافي - بريطانيا)، فاروق مردم بك (كاتب وناشر - فرنسا، سورية)، إبراهيم المعلم (ناشر ورئيس سابق لاتحاد الناشرين العرب، وناشر «واحة الغروب» و «عزازيل») وساشا هافليتشيك (المديرة التنفيذية لمعهد وايدنفيلد - بريطانيا). ثم الألماني هلموت هيرتمش الذي يمتلك دار نشر صغيرة. ويؤكد رئيس مجلس إدارة مؤسسة جائزة بوكر البريطانية جوناثان تايلور على أن أحد أهداف «هذه» الجائزة هو ضمان الاعتراف بالأدب العربي ذي النوعية العالية، ومكافأته والتشجيع على اكتشافه. هنا نقطة مهمة: هل فعلاً إن الأدب العربي غير معترف به عالميا؟ وأي نوعية عالية ينادي بها السيد المحترم؟ هل «واحة الغروب» مع احترامي لأعمال بهاء طاهر «نوعية عالية»؟ هذا لغو... فمنذ أن تمت ترجمة «ألف ليلة وليلة» بقلم السير بيرتون، وذيوع كتابات جبران، وما تبعه من عرب كتبوا باللغات الأوروبية أو ترجمات توفيق الحكيم وطه حسين وكتابات أمين معلوف وكتابات اللبنانيين والسوريين المتواجدة في الغرب ومكتباته العامة والخاصة (أنا أعيش في الغرب وأعرف ما أقول)، أصبح الأدب العربي بالفعل عالمياً وعلى أعلى مستوى من الجودة وإلا لما تمت ترجمته. وإذا ألقينا نظرة على الاعضاء الأجانب في الجائزة، فإن الذين يعيشون في الغرب مثلي، يعلمون أن وزنهم الأدبي والثقافي وعلاقتهم بالثقافة والأدب العربي لا يؤهلانهم للحكم على اعمال مكتوبة باللغة العربية، وهم بالكاد يفكّون الحروف، ومنهم هنا في الغرب عشرات لا يعتد بآرائهم المتعلقة بالأدب العربي. أما بوكر البريطانية بآليات عملها، فهي بعيدة تماماً عن اداء لجنة التحكيم العربية المختلطة، وعن آليات اختياراتها. والسؤال الذي يجب أن يُطرح: لماذا ظهرت هذه الجائزة أذاً؟ وكيف صدقناها وتهيأنا لها، معتبرين إياها رديفاً لجائزة «بوكر» البريطانية؟ إنها بالفعل «سبوبة» (كما يقول عمال اليومية في مصر) للحصول على سبعين ألف دولار و «مصاريف» تكبدها المحكمون. «ماشي». رزق «الشاطرين» على....! ثمة قول معرفي يقول أن كل عمل «عام « له سبب وجود وسبب وجود الجائزة - إن كان لها سبب وجود غير ما أثارت من مكائد - هو إذكاء الروح في الكتابة العربية الروائية. وبالتالي فلست ضد سبب وجودها بل أريد لها - كجائزة – أن تترفع عن الصغائر وتبتعد عن المكائد ليتحقق لها بالفعل سبب وجودها أو ليصبح لها سبب وجود يلائمها ويرفع من قدرها. هذا دورنا الآن، باعتبار أن لنا مصلحة مباشرة معرفية وليست مصلحة «مالية» في استمرار الجائزة... شرط أن تكسب احترامنا من خلال اعلانها آلية تحكيمها وتقول لنا كيف تمت قراءة بضع مئات من الروايات وفي أي وقت، وبأي شروط وقواعد، وصل بعضها إلى القائمة الطويلة قبل القصيرة، مع احترامنا التام لكل من شارك فيها، هذه المرة والمرتين السابقتين. * روائي مصري، مقيم في هولندا