تجلس الفتيات الأربع على رصيف في منطقة التجهيز في دمشق. يتأملن أختهن الكبرى تطلب من شابين القليل من المال لشراء طعام لها ولأخواتها، غير أن الشابين لا يلتفتان نحو الطفلة بالحجاب الأسود. تسهل ملاحظة الأعداد الكبيرة للمتسولين في محتلف المناطق السورية. ويقول أحد الشابين اللذين رفضا إعطاء الطفلة مالاً، إن "التسول مهنة قديمة، احترفها كثر لكن العدد ارتفع خلال الحرب بسبب عزوف البعض عن العمل وصعوبة تأمينه، إضافة إلى كسل بعض الأفراد من جهة ثانية، فيعتمدون على تعاطف الناس مع الأطفال النازحين بسبب الحرب". ويذكر شاب يعمل في منظمة إغاثية وتنموية إن عدداً من الجمعيات الخيرية تتولى تأمين مساكن للمشردين في الشوارع، وتحاول توفير عمل أو إعطاء بعض الأفراد قرضاً مالياً ميسّراً، لكن عدداً كبيراً من المحتاجين لا يعلمون بأمر هذه التسهيلات، وعدداً آخر يخافون من أن يسبب لهم هذا الأمر مشاكل معينة، بخاصة وأنهم نازحون من مناطق الإشتباكات. ويقول الشاب إن "بعض المنظمات توزع سللاً غذائية وصحية على العائلات النازحة شهرياً، كما توفر الرعاية الصحية وتقدم اللقاحات، وتحاول أيضاً تقديم دروس إضافية لطلاب الشهادات الإعدادية والثانوية وتؤمن إعادة تسجيل الأطفال في المدارس من دون وثائق، لكن موضوع التسول يبقى عصياً على أن يضبط بشكل نهائي لأسباب كثيرة". تقول فاطمة (27 عاماً) إن ضياع أوراقها الرسمية حرمها من الحصول على المساعدات، ما اضطرها للجلوس مع طفليها على الرصيف والتسوّل لشراء الطعام. وتضيف أنها قصدت عدداً من مراكز الإقامة المؤقتة، لكن لم يتم قبولها بسبب غياب ما يثبت هويتها وطفليها. وتعليقاً على ما ذكرته فاطمة، يقول أحد العاملين في منظمة إغاثية إنه "لا بد لكل من فقد أوراقه الثبوتية أن يتوجه إلى الجهة المعنية لاستخراج أوراق هوية. وإن لم يفعل ذلك، فإنه يتخذ الموضوع حجة من أجل التسول. غير أن بعض المشردين في شوارع دمشق وغيرها من المناطق الآمنة، يخافون من الذهاب إلى المراكز الحكومية بسبب صلات قرابة تجمعهم بمسلحين. وهناك حالات أخرى مختلفة، منها مثلاً حالة فيروز التي نرحت مع أطفالها الأربعة من حلب بعدما خطف مسلحو الشمال زوجها، بحجة أن أخيها موظف حكومي، وهي تقدّمت بطلب إلى الجهات المعنية لمساعدتها وإدخالها إلى مركز إيواء، غير أن الأمر تأخر على رغم أنها تحمل كل ثبوتياتها".