سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لاجئ يروي قصة تعذيبه وضابط منشق يشهد على مذهبية نظام الأسد أبو أحمد لم يتوقع الثورة ويعتبر إسرائيل وإيران وجهين لعملة واحدة * محمود خزعل: نزوح 1142 عائلة إلى لبنان والعدد مرشح للزيادة
قضى محمود الشاب العشريني نحو شهر في أحد معتقلات النظام السوري وتحديدا في الأمن العسكري في حمص. قصة عذابه خلال خمسة أيام من التحقيقات والتعذيب تختصر قصة شباب حمص الذين ثاروا على النظام الأسدي وجرائمه والذين زجوا في المعتقلات دون محاكمات. خلال الأيام الخمسة من التحقيقات ذاق آلاما فظيعة "كانت القصة تتكرر كل يوم، كانوا يقيدونني في وضع (الشبح) ويصعقونني بالكهرباء على جسمي وعلى خصيتي. في بعض الأحيان كنت أصرخ بصوت عال جدا وأتوسل إلى المحقق بأن يتوقف، ولكنه لم يكن يأبه لذلك". محمود لا يقول أكثر من أنه واحد من الشبان الذين نزحوا إلى لبنان بعد التجربة المرة التي عاشها لأنه فقط حلم بالحرية وبالعيش الكريم كما يؤكد. في إحدى بلدات وادي خالد التي نزح إليها أهالي سورية في القرى الحدودية المجاورة لاسيما تل كلخ والعريضة والمشيرفة وغيرها، التقينا محمود، كما التقينا الشيخ والمدرس في الأندية الشرعية وخطيب جامع تلكلخ أسامة العكاري، الذي أكّد انه أعتقل حين كان يقوم بتجديد جواز سفره في مركز الأمن، وتم اقتياده إلى فرع المخابرات العسكرية في حمص. ويقول العكاري "بعد اعتقالي قامت تظاهرات كبيرة لإخلاء سبيلي، إلا أن الأجهزة الأمنية تنصلت من الموضوع". ويوضح أنه تم التحقيق معه في مركز الأمن العسكري وأخبروني أن تهمتي هي قيادة المظاهرات وتحريض المواطنين للتظاهر بعد خروجهم من المسجد، وبعد اعتقالي ب15 يوما ذهبت برفقة ممثل منطقة تلكلخ وقابلت بشار الأسد، وأخبرته عن ضغوط النظام القمعية التي فجرّت الوضع في المنطقة". يضيف "كل كلمة نريد قولها كان علينا أخذ موافقة النظام، حتى في مسائل التوظيف والإدارات يجب على المواطن أن يأتي بواسطة من النظام، إضافة إلى كل ذلك لم يتورع هذا النظام من التهجّم على بيوتنا واغتصاب نسائنا وضربهن واعتقال الأطفال والعزل بشكل وحشي". ويشير إلى أن "صمت الشعب السوري في السابق كان بسبب بطش النظام، فلكل مواطن سوري عنصر من المخابرات فوق رأسه، يلاحقه ويسجل تحركاته، لدرجة أنه إذا أراد أي مواطن إقامة عرس عليه أخذ موافقة مسبقة من الأجهزة المخابراتية، وهذه الموافقة لم تكن تعطى مجانا بل على مقدم الطلب أن يدفع رشوة قدرها 500 ليرة سورية". ويوضح "التهمة الجاهزة دوما في مطبخ المخابرات السورية في حال رفض أي مواطن دفع رشوة هي أنه من "فتح الإسلام" أو "سلفي". والرشوة ممكن أن تحّل العديد من الصعاب والمشكلات، فبإمكانها أن تسمح بتهريب الحبوب المهلوسة والمخدرات وأسلحة حتى، وهو ما يقوله عكاري الذي أكّد أن معظم الأهالي في المنطقة كانوا يلاحظون هذه الأمور وبرضا من شرطة وأمن العام وجمارك. تمييز عنصري وطائفي أما من أبرز الصعاب التي يعانيها اللاجئون إلى لبنان حسب ما يروي عكاري "هي التمييز العنصري والطائفي حيث يسمح لبعض الناس العبور وبعضهم يمنعون، فهناك العديد من النساء والأطفال ممنوعون من عبور الحدود إلى لبنان أو يتم إطلاق النار عليهم، ، فضلا عن المشاكل التي نعانيها من الجانب اللبناني سيما مع مخابرات الجيش التي تعاملنا بقسوة وعجرفة باعتبارنا ناشطين ملاحقين، أما النقطة الثانية هي عندما نريد إدخال جريح من سورية إلى لبنان تقوم حواجز الجيش اللبناني بإعاقة عملنا، وأحيانا يتم القبض على بعض المسعفين بتهمة أنهم متسللون غير شرعيين". ومسلسل المعاناة الطويل للنازحين لا ينتهي، فإضافة للمشاكل السابقة، يعاني هؤلاء من خطر الألغام المزروعة على الحدود، وانتقالا من مشكلة الألغام إلى مشكلة أخرى وهي العثور على المسكن المناسب لإيواء العائلات المتشردة، وهنا تكمن الصعوبة الكبرى "حيث نجبر في غالب الأحيان بوضع ثلاث عائلات أو أكثر في غرفة واحدة أو منزل صغير، لعدم وجود أمكنة كافية وصحية لهؤلاء، ومعظم الأوقات لا نعثر على مفروشات واللوازم الضرورية التي تحتاجها تلك العائلات، كما يقول عكاري. ويلفت إلى "أن هناك مدرستين في وادي خالد تم وضع عشرات العائلات داخلهما ولكنهما غير كافيتين، مما يجبرنا على توزيع الأهالي في العديد من الخيم داخل قرى عكار، وهذا الأمر يقلقنا ويثير الرعب في نفوسنا، لأننا نرفض أن نصبح لاجئين في مخيمات كالإخوة الفلسطينيين، فنحن لدينا وطن ومكان، ولا نريد أن نتخلى عنهما". الجمعيات الأهلية الجمعيات الأهلية والإنسانية تقوم بدورها على أكمل وجه، وتحاول قدر المستطاع تقديم المساعدات إلى اللاجئين وهذا ما يشيد به الشيخ عكاري، ولكنه يؤكد أن "دور الجمعيات غير كاف، فغالبا ما نستقبل عشرات العائلات دفعة واحدة وفي ليلة واحدة، حينها نقع في مشكلة تأمين الوسادات والأغطية والشراشف، وهذا أبسط أمر يمكن تأمينه للاجئين. إضافة لعدم إمكانية تأمين الطعام والأدوية الكافية لهم". روايات مرعبة من القصص والمآسي المرعبة التي ينفذها النظام الديكتاتوري بحق شعبه، يروي بعضها لنا "أبو شهد" أحد المنشقين عن صفوف الجيش السوري، وهو برتبة ملازم طبيب، فيقول "كنت في حمص وكنا كقوات خاصة موجودين في جبل الشيخ، وبينما كنا نجتاز الحدود طلب أحد الحواجز العسكرية منا النزول من مركبتنا العسكرية وعدم تكملة طريقنا لأن هناك جماعات إرهابية مسلّحة يمكن مهاجمتنا، بعدها أخذونا من جبل الشيخ إلى قرية البيضة لاقتحامها كونه يوجد داخلها إرهابيون ويجب القضاء عليهم، بعدما وصلنا القرية لم نجد فيها سوى نساء وأطفال، ثم دخلت إلى أحد المنازل لقضاء الحاجة، كان المنزل خاليا من السكان ولا يوجد سوى طاولة عليها طعام، مما يدل على أن القوات السورية دخلت إلى المنطقة وحاصرت سكانها وهجرتهم". ويتابع أبو شهد "انتقلنا فيما بعد إلى بانياس لمحاصرتها، وبعد أن هدأ الوضع داخلها انتقلنا إلى حمص حيث مكثنا فترة طويلة فيها، وهنا ظهرت الكوارث والفضائح، الدبابات مزروعة في الشوارع تحاصر البيوت، المسلحون منتشرون في الأحياء، بعد ذلك تم اقتحام الرستن، في هذه المنطقة كانت أعمال النهب والسرقة تجري على قدم وساق، كانوا يفتحون أبواب المحلات لسرقتها، لم يتركوا شيئا سرقوا من كل المحلات ومن كل المحتويات". ويضيف أبو شهد "انتقلنا إلى منطقة أخرى وتحديدا إلى مدرسة حسن بن هيثم، وهناك اقتحمنا باب عمرو في عيد الفطر الماضي، وكانت النية أن تسقط المنطقة في 5 أيام، ولكن في غضون 3 أيام خرجنا من المنطقة بسبب كثافة إطلاق النيران. الانتظام بالجيش الحر وعن كيفية مجيئه إلى لبنان يقول أبو شهد "في إحدى العمليات التي كنا نقوم بها تعرفت صدفة إلى أحد الضباط في الجيش الحر في منطقة القصير، وعندما بقيت معهم لفترة ثلاثة أيام أدركت تماما أنهم أشخاص طيبون، وهذا الشخص ساعدني في العبور من الحدود، وعرّفني على اللجنة الطبية في الجيش الحر وطلب مني التعاون معهم نظرا لكثرة النازحين وعدم كفاية أطباء متخصصين يقومون بمعالجتهم". وعن الصعوبات التي يواجهونها في لبنان بالنسبة للجرحى يؤكد "أنها كبيرة ولا يوجد حلول لها، أبرزها عدم توافر الأمكنة للمرضى والمصابين، ثانيا عدم استقبال المستوصفات لبعض الحالات إذا لم يكونوا مسجلين على لائحة الغوث". ومن الحالات المأساوية التي صادفها خلال الحملات العلاجية للمصابين أن "هناك فتاة أصيبت بالشلل بسبب جرح بليغ في عمودها الفقري ولم يتم إسعافها بالشكل السريع، فضلا عن عدم تقديم الدواء اللازم لها، وهناك شخص آخر أصيب في صدره، ولعدم إسعافه مباشرة فارق الحياة بعد ساعات، هذا فضلا عن غلاء الأدوية الذي لا يمكن شراؤه وأحيانا نعتمد على التبرعات من بعض الميسورين ومن بعض الجمعيات الطبية". وأكثر الأدوية التي يحتاجونها هي حبوب الضغط والقلب والسكر، كما أن هناك أدوية خاصة بالمعاقين وهي غالية جدا ولا يمكن شراؤها بسهولة. المذهبية عنوان النظام ويروي أبو شهد كيف يتعامل النظام بعنصرية ومذهبية مع اللاجئين حيث تتم محاصرة اللاجئين السنة ويمنع عنهم وصول المعونات، بينما المناطق التي يسكنها العلويون يتم دعمها بالأغذية ووسائل الراحة المطلوبة فقط لتشجعيهم على قتل السنة. أحد اللاجئين السوريين الموجودين في جبل أكروم ويدعى أبو أحمد، ابنه استشهد مع الجيش الحر يروي معاناة نزوحه إلى عكار، وأنه "كيف لم يكن يتوقع يوما حصول ثورة في سورية، لأن نسبة كبيرة من السكان كانت ترزح تحت خوف وترهيب النظام العلوي الذي كان بجزمته يدوس أكبر رأس من السنة خاصة ومن باقي السوريين عامة، وغير صحيح أن الشعب كان يحبه بل كان يخاف من التعبير بكرهه له". وعن دخوله إلى لبنان قال "إنه دفع بعض المال كي يستطيع العبور، وهناك بعض الناس لم تكن لديهم هويات وأوراق ثبوتية، ولكن تم إدخالهم". المصيبة الكبرى التي وقعت على "أبو أحمد" خلال وجوده في لبنان هو سماع خبر استشهاد ولده في حمص، وهي من أكبر الكوارث التي حصلت معه في حياته، ويؤكد أنه "أوكل أمره إلى الله، وهو شهيد فداء الوطن". إيران وإسرائيل وجهان لعملة ويعتبر كغيره من المواطنين السوريين أن إيران تحتل سورية كما إسرائيل تحتل فلسطين، والفرق بين الحالتين أن النظام العلوي هو من يدعم الاحتلال الإيراني بسبب التقارب الديني والفكري بينهما، وإيران هي من تسلح الجيش السوري للقضاء على كل شخص غير علوي، وهذه مسلمة واضحة لدى الجميع، سيما أن جرائم القتل على حد قول "أبو أحمد" تنفذ بطريقة وحشية لا يقوم بها إلا أعداء الوطن والشعب. ويؤكد أن السكان في منطقة وادي خالد لاحظوا وجود عناصر من حزب الله سألت عن بعض الأشخاص، وأنهم يحاولون دائما القدوم والتجسس على اللاجئين، ولكن السكان لا يعطوهم أجوبة واضحة أو أي معلومات. 1142 عائلة في مكتب إغاثة اللاجئين السوريين الذي تأسس منذ شهرين، نلتقي رئيسه محمود خزعل الذي كان يشرف على تفريغ شاحنة مساعدات حوت مواد غذائية وفرش إسفنج. يستقبلنا بعد إنهاء المهمة ونسأله بداية عن عدد المهجرين في قرى المنطقة، فيمد يده إلى ملف ويبرز لنا الأرقام المسجلة وجاءت على الشكل الآتي: المنصورة: 23 عائلة، حنيدر 34، الكنية 59، وادي خالد 28، مشتى حسن 52، مشتى حمود 109، ضرب الحياة 24، رجم بيت حسين 19، رجم خلف 26، رجم عيسى 20، العماير 113، الخطبة 3، العويشات 7، البعلية 2، بني صخر 28، متفرقات 4 عائلات، العبرة 17، البترون 60، البقيعة 111، المجدل 17، العوادة 11، المونة 21، اكروم السهلة 13، الراحة 154، الهيشة 123، المقبيلة 42، الفرط 23، أي ما مجموعه 1142 عائلة. ويوضح خزعل بداية، أنه لا يمكن اعتماد إحصاءات دقيقة إذ تتزايد أعداد اللاجئين يوما بعد يوم وفي كل ساعة، داعيا إلى تزويد اللاجئين بمقومات صمودهم، منتقدا بعض الهيئات التي تقدم مساعدات دعائية. ويؤكد أنه مع إعطاء كل عائلة مبلغا شهريا بقيمة مليون ليرة لبنانية (حوالي 600 دولار) لتدبير أمورها بدل توزيع مساعدات عليها.
غدا.. ناشط يروي مساهمته في الثورة: تربينا منذ 4 عقود على ثقافة "الحيطان لها آذان"