انتهت الانتخابات العامة في إسرائيل قبل أسبوع، لكن غبار المعركة الانتخابية لم ينقشع ونيرانها الطائفية لم تخمد بعد، بل اتسعت ألسنتها في الأيام الأخيرة مع ارتفاع منسوب العنف الكلامي والتحريض على خلفية عنصرية وطائفية، ليس فقط ضد المواطنين العرب، كما فعل رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو يوم الانتخابات، إنما بين اليمين واليسار من جهة، وبين اليهود «الأشكناز» (من أصول غربية، المهاجرون من اوروبا) و «السفاراديم» (من أصول شرقية، من المهاجرين من الدول العربية). وعلى رغم محاولات متواصلة على مرّ ستة عقود وأكثر لإبقاء المارد الطائفي في القمقم وإخفاء التناحر الطائفي والعرقي، إلا أن الأسابيع الأخيرة أثبتت أنه ما زال مارداً عملاقاً يطل برأسه في مناسبات عديدة. وفي العادة، يطل المارد الطائفي خلال الانتخابات، خصوصاً من جانب المتدينين الشرقيين المتزمتين المؤيدين لحركة «شاس» بزعامة أريه درعي الذي لم يتردد في اعتماد شعار «الشرقي يصوّت للشرقي»، في محاولة لاجتذاب أصوات الشرقيين من مصوتي «ليكود»، والظهور بمظهر الضحية لاستدرار المشاعر أمام العلمانيين المتمثلين بحزب «يش عتيد» بزعامة يئير لبيد. كذلك وقعت النائب من «البيت اليهودي» الأشكنازية اييلت شكيد في مطب التحريض الطائفي حين وصفت لاعب الكرة السابق الشرقي ايلي اوحانا الذي اعتزم زعيم حزبها ترشيحه على القائمة، بأنه «شرقيّ جنتلمان»، ما دفع بالأخير إلى سحب ترشيحه. وبلغت «الحرب المتبادلة» ذروتها أول من أمس حين هاجم الأستاذ الجامعي أمير حتسروني، في بث مباشر في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، مقدمة البرنامج الصباحي «الشرقية» أميرة بوزاغلو بعنف قائلاً: «كان أفضل لو بقي أهلك في المغرب وتعفنوا هناك»، فردّت عليه بأن «من يتحدث بهذه الصورة عن اليهود الشرقيين هو فاشي وعنصري وحقير. أنت لا تختلف عن الزعيم النازي أدولف هتلر». وأمر زميلها المقدم بطرد الأستاذ من الاستوديو لتقوم قائمة الشرقيين، ويهب سدنة الدولة العبرية في محاولة لإخماد النيران. ورفض حتسروني الاعتذار عن أقواله، بل كرر القول إن «الخطيئة الأصلية هي التي ارتكبها حزب العمل (مؤسس الدولة العبرية) بالسماح لهجرة اليهود الشرقيين الذين تحول أبناؤهم لمصوتي اليمين». وكان حتسروني أثار الشرقيين في «ستاتوسات» عدة في صفحته على «فايسبوك» جاء فيها أنه «لو قامت الدولة بعملية انتقاء للمهاجرين الشرقيين إليها واختارت الأفضل بينهم لمنعت حصول غالبية تصوت لليمين». وأعلن القائد العام للشرطة يوحنان دنينو أنه أعطى تعليماته لفحص أقوال حتسروني وما إذا كانت تنطوي على تحريض على العنصرية يحاسبه القانون عليه. وندد وزير الدفاع السابق «الشرقي» عمير بيرتس بأقوال حتسروني «التي تمس بجميع المواطنين وتخلق الكراهية، ومن شأنها أن تتسبب في انعكاسات خطيرة لا رجعة فيها»، ودعا إلى محاكمته. واشتكت المغنية احينوعام نيني المحسوبة على اليسار، من تعرض شبان لها بالشتائم على خلفية مواقفها السياسية، وتهديدها بمصير مماثل لزميلها الفنان اليساري يوناتان غيفن الذي اعتدى عليه يميني برشقه بالبيض. وقالت نيني إن التصعيد في العنف الكلامي هو «نتاج المعركة الانتخابية الصاخبة والعنصرية التي شهدتها إسرائيل». ويتهم اليمين الفنان اليساري يئير غاربوز بأنه أول من بدأ المعركة الطائفية خلال الانتخابات حين تهكم في الاجتماع الانتخابي الكبير لأنصار اليسار قبل أسبوعين في تل أبيب، من الشرقيين الذين يؤمنون بالتعاويذ. واستذكر الإسرائيليون مقولة أشنع للفنان دودو توباز عام 1981 حين وصف الشرقيين ب»الرعاع»، ليستغل رئيس الحكومة في حينه مناحيم بيغين هذا الوصف، ويثير مشاعر الشرقيين ويفوز في الانتخابات. ونددت زعيمة حزب «العمل» سابقاً النائب شيلي يحيموفتش بأقوال نتانياهو يوم الانتخابات عن «تصويت كميات من العرب»، ودعته إلى الاعتذار الواضح عنها. ووصفت التصريح بالمحرّض، وقالت إنه لو نطق بمثله زعيم غربي عن يهود أو سود، لندد به الجميع من على كل المنصات. ورد الوزير من «ليكود» يغال اردان عليها بالقول إنه «كان ممكناً أن يصوغ نتانياهو أقواله في شكل أفضل».