وزير التجارة يدشّن "منتدى مكة للحلال"    مجلس إدارة «المؤسسة» برئاسة ولي العهد يعلن: افتتاح أولى مراحل «المسار الرياضي» بخمس وجهات    أمانة جدة تطلق خدمة «وافق» الرقمية    المملكة تدين قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي مناطق في سوريا    الأردن يؤكد دعم سيادة سوريا والتنسيق لضبط الحدود    بين انفراجة صفقة الأسرى وتهرب نتنياهو من المرحلة الثانية.. سباق مع الزمن لإنقاذ هدنة غزة    وزير الدفاع يبحث مع مسؤولين أمريكيين التعاون المشترك    في ختام الجولة 22 من "روشن".. الخليج يوقف الاتحاد.. والاتفاق يواصل الانطلاق    ولي العهد يهنئ رئيس الوزراء اللبناني بمناسبة تشكيل الحكومة برئاسته    المحكمة العليا تدعو لتحري رؤية هلال رمضان غداً    درجات الحرارة «تحت الصفر» في 5 مناطق سعودية    أمير المدينة: حريصون على تحقيق الراحة للمصلين في المسجد النبوي    روشتة بالذكاء الاصطناعي من «ChatGPT» لصوم صحي    تجمّع مكة الصحي يكمل تجهيز 8 مستشفيات و 43 مركزًا صحيًا    تحطم طائرة عسكرية يوقع 46 قتيلاً في السودان    المحكمة العليا تدعو إلى تحري رؤية هلال رمضان مساء غدٍ    سلال رمضان.. عادات أصيلة تعكس روح التآخي    المنتدى السعودي للإعلام صياغة للمستقبل    احتفالية جذور الوحدة والتلاحم    الحربي رئيساً للاتحاد السعودي لرفع الأثقال    «شؤون الحرمين» تدعو إلى الالتزام بإرشادات السلامة    الأخضر يتطلع لنهائي آسيا في مواجهة كوريا    موازنة أميركية لتنفيذ أجندة ترمب    بيتربان السعودي    تيم لاب فينومينا أبوظبي يفتح أبوابه في 18 أبريل    الوكالة والعميل.. شراكة إستراتيجية أم مواجهة دائمة ؟    الإصلاحات تمنح المملكة الثقة عالميًا    هنا تضمر الحكاية..أيام تجري وقلوب تتوه..    الجوهرة    الذهب يتعافى.. مع تزايد مخاوف الرسوم الجمركية    «جيبكا» ترحب بقرار مجلس الوزراء على استضافة مقرها في الرياض    الإنسان ومتغيرات الحياة    أمانة الطائف تقوم بتشغيل ممشى السد الجديد على مساحة 10.500 م2    "طبيّة" جامعة الملك سعود تحتفي بيوم التأسيس    جمعيّة أصدقاء المجتمع تحتفل بيوم التأسيس    هيئة الإذاعة والتلفزيون تدشن أضخم الأعمال على شاشتها الرمضانية    سفارة المملكة في فنلندا تحتفل بيوم التأسيس    نائب أمير الرياض يُشرّف حفل سفارة الكويت    محافظ الطائف يلتقي الرئيس التنفيذي لجمعية مراكز الأحياء    محافظ خميس مشيط يعقد الاجتماع الأول للتعريف بمبادرة «أجاويد 3»    القرقاح يشهد احتفال أهالي محايل بيوم التأسيس    تخريج دورة الفرد الأساسي للقطاعات الأمنية بأكاديمية الأمير نايف    أمير تبوك يواسي بن هرماس في وفاة والده    الاتحاد الأوروبي المنقسم !    أمير الشرقية يستقبل وزير الحرس الوطني    أمير القصيم: سباق الدرعية يعكس ارتباط الفروسية بتاريخ المملكة    أمير تبوك يترأس اجتماع الادارات الحكومية والخدمية لاستعدادات رمضان    سلمان بن سلطان    في وداع سيد اللعبة.. عن كيسنجر والشرق    مواقف رمضان !    إنجازات «إنسان» على طاولة فيصل بن بندر    بتوجيه من أمير تبوك وعلى نفقته الخاصة اللجان القائمة على توزيع معونة الشتاء    يا أئمة المساجد.. أيكم أمّ الناس فليخفف.. !    دونيس: أحتاج لاعبين بمستوى سالم الدوسري    «الأولمبية السعودية» تجدد ثقتها في لجنة البادل    قدامى السعودية.. أقل من الطموح    5 عادات شائعة يحذر أطباء الطوارئ منها    خفاش ينشر مرضاً غامضاً بالكونغو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات طبيب أسنان في دمشق مطلوب للخدمة في الجيش
نشر في الحياة يوم 24 - 03 - 2015

أنا مواطن سوري عادي، عادي فقط بلا أي صفة، من دون شرح للمفردات، مواطن سوري عادي أشمئز من اشتراكية الأسد، وأسخر من تقسيمات النظام لمجتمع البرجوازية الوطنية والأخرى الرجعية، مواطن سوري عادي يعني أن أقفز بين الحواجز.
أنا مواطن سوري عادي، لكنني أخاف على «عاديتي» مذ بدأت الشاشات والصحف تتحدث عن إرهابي، مواطن سوري عادي أخاف على «عاديتي» مذ نشرت صحف أميركية تقارير من دمشق تقول أن مناطق النظام تعيش حياة عادية، أخاف على «عاديتي» مذ بدأت الأغاني في المطاعم والمقاهي تقتصر على تمجيد حسن نصرالله وبشار الأسد، أخاف على «عاديتي» مذ أدركت أنني «المواطن السوري العادي اللاشيء الذي لا يتعدى ثمن حياته طلقة قناص، ولا يتجاوز سعر كرامته لدى النظام الذي يحكم دمشق شبيحاً على حاجز من 300 حاجز منتشرة سرطانياً في العاصمة».
300 حاجز أمني وعسكري في دمشق، وأن تكون مواطناً عادياً في سورية هذه الأيام، فعليك أن تحفظ أماكن تلك الحواجز وشفراتها الخاصة.
أخرج كمواطن سوري عادي من بيتي، أقوم بعملية حسابية بسيطة قبل خروجي، أي الحواجز سأختار؟ أي الشوارع سأجتازها مشياً وأيها سأبقى في الباص خلال مروري عليها؟ إذ إن النظام راعى في طريقة توزيع حواجزه في كل مداخل المدينة، لتصبح دمشق سجناً تطل السماء عليه بدلاً من السقف.
لا يمكنني كمواطن سوري عادي أن أفكر بالرد على أي مهانة على تلك الحواجز، لأن ثمة خطورة في التجوال تفوق في أهميتها الإحساس، إذ إنه مسجل على هويتي عند «الخانة» أنني من ريف دمشق، وهذا يعني أنني سأسمع الكثير من الكلام البذيء، أتخذ قراري بعد رسم خريطة طريق في مخيلتي، وأخرج.
لدي بدل المصيبة مصيبتان، فأنا لست مواطناً سورياً عادياً يسكن في العاصمة فقط، ولست من ريف دمشق فقط، بل أنا متخلف عن الجيش ومطلوب للخدمة الإلزامية، أي مطلوب لأتحول إلى قاتل، ولكنني من ناحية أخرى «شاطر» أو كما يقول أهل دمشق «بندوق»، أعرف من أين تؤكل الكتف، ذلك أنني استطعت أن أحصل على تأجيل للخدمة الإلزامية، مشكلته الوحيدة أنه مزور، لكن مع الواقفين على الحواجز يمكن شراء كل شيء.
كمواطن سوري عادي، اعتدت الخروج قبل الموعد بساعة ونصف في حال كان طريقي يحتاج إلى ربع ساعة قبل لعنة الحواجز، وعند بعض الحواجز مثل حاجز المالكي أترك الباص وأكمل طريقي مشياً، ذلك أنه من أكثر الحواجز ازدحاماً، وأما حاجز «الأربعين» فلا أذكر أنني مررت بجانبه بسيارة، لأنه الحاجز الأقسى والأكثر وحشية وشراسة، حتى أنني لا أنظر في اتجاهه عند المرور قبالته. شوارع دمشق اليوم مقتصرة على 3 شوارع رئيسية فقط، باقي الشوارع إما مغلقة لأسباب أمنية، أو تم تحويلها لأسباب أمنية أيضاً. شوارع دمشق لا تشبه نفسها، فالبسطات التي غطت أرصفة العاصمة كلها باتت واحدة من صفاتها، والناس انتشروا في الحدائق يفترشون الأرض ويحاولون الحصول على أي طعام يساعدهم على الحياة، وعندما أنظر إليهم أشعر بخجل وخوف وذعر، إذ إنني لا زلت أسكن مع أمي وإخوتي «العاديين أيضاً» في منزل في منطقة مخالفات بالعاصمة، فماذا لو طردنا صاحب البيت وشرّدنا مع بقية اللاجئين من بقية المحافظات في تلك الشوارع والحدائق.
أفتقد أصدقائي، أحن إلى سهراتنا معاً، لا أجد أحداً منهم اليوم، حتى أن أرقامهم اختفت من موبايلي، وأنا من قمت بحذف الأرقام لأنها أصبحت تزعجني كلما قرأت اسم واحد منهم. جميعهم ما بين شهيد ولاجئ، وبعد أن رأيت أحلامي وراقبتها تنهار أمام عيني بات كل ما هو غير عادي قبل 4 سنوات عادياً الآن.
أنا مواطن سوري عادي، لا يزال يعيش في دمشق، أحمل شهادة في طب الأسنان، وأشتغل في الأعمال الحرة، كذا أحب أن أسمي عملي، أتذكر المسلسلات المصرية وأشعر بأهمية «الأعمال الحرة»، ولأنني «شاطر» فإن أعمالي تتسع هذه الأيام، مرة أصلح باباً وأخرى أثبت مهارتي في تصليح حنفيات المياه، وأخرى ساعة الكهرباء، ورابعة توليف الستايلايت.
لأنني مواطن سوري عادي أحمل شهادة طب الأسنان، وأشتغل في الأعمال الحرة، وأجتاز الحواجز مشياً على الأقدام، أكافئ نفسي بالذهاب إلى المقهى أحياناً، أستمع إلى الأحاديث، أدخن الأرجيلة، أشعر بإنسانيتي عندما أدخن في المقهى، وأحياناً أشعر بأنني أحتاج إلى مكافأة أكبر من المقهى، فأذهب إلى المسجد الأموي.
ذهبت إلى المسجد الأموي، أعشقه وأحبه، على رغم أنني لا أذهب للصلاة، ولكنني أكون مرتاحاً هناك، أذهب وأجلس لأشعر بالأمان، عادة قديمة أورثني إياها أبي، ولكنني مواطن سوري عادي، والمسجد الأموي ممنوع على العاديين، لم أتذكر ذلك إلا بعد أن وصلت، ولكنني أملت بأن يكون منعي من الدخول قد توقف، فذهبت إلى هناك في وقت صلاة العصر، وبعد أن فتشني أحد الأشخاص المرتدي زياً مدنياً، دخلت إلى الأموي، وعندما خرجت لفت نظري الشريط الأصفر الذي يطوق باحة المسجد، تجاهلت من حولي وحاولت أن أتجاوز الشريط لأدخل للباحة، فصرخ علي مدني آخر «هييييييييييييييي... وين فايت... ممنوع... ارجع»، وعندما ادعيت الغباء ونظرت إليه بنظرات تحمل من الجهل ما يكفي لإقناعه بأنني لست أكثر من مواطن سوري عادي فضولي، وسألته لماذا، أجابني بسرعة «ممنوع وبس». مددت رأسي داخل الباحة، أريد أن أعرف لماذا يتم منعي من دخول المكان الوحيد الذي لم يمنع يوماً شخص من دخوله، رأيت أناساً كثيرين، مختلفين قليلاً، واختلافهم يأتي لتوحد لباسهم الأسود مع علم أصفر «تذكرت أنه علم حزب الله».
أنا مواطن سوري عادي في دمشق، يعني أنا مشروع معتقل أو لاجئ أو نازح أو شحاذ أو مغتصب، ومن لم يمت بالمعتقل مات بالقنص أو بالتفجير أو على الحدود...
* صحافية سورية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.