تنافس النظام السوري والمعارضة وأنصارهما على مغازلة الأكراد في عيد نوروز يوم أمس، في وقت رعت قيادة حزب «البعث» الحاكم احتفال الاكراد ب «عيدهم القومي» في دمشق وسط تحقيق الأكراد مكاسب سياسية وعسكرية وثقافية في شمال البلاد وشمالها الشرقي وخوضهم معارك ضارية ضد تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش). ويتهم أكراد سورية، البالغ عددهم حوالى 2.5 مليون شخص، النظام السوري بانتهاج سياسة اقصائية ضدهم منذ تسلم «البعث» الحاكم وإجراء إحصاء بداية الستينات حرم الآلاف منهم من الحصول على الهوية السورية. لكن ابقى على سياسة «غض الطرف» على عشرة احزاب سياسية كردية مع استمرار ملاحقة عدد من قادتهم. وبعد ضغوط كبيرة حدد الرئيس حافظ الاسد 21 آذار (مارس) عيداً للأم وبقيت الاحتفالات محصورة في مناطق نائية في شمال شرقي البلاد وأطراف دمشق. لكن في المقابل، أبقى النظام على علاقة قوية مع «حزب العمال الكردستاني» بزعامة عبدالله أوجلان الذي أقام فترة طويلة في سورية قبل ان يطلب منه مغادرة البلاد في نهاية 1998 ومع رئيسي «الاتحاد الديموقراطي الكردستاني» جلال طالباني و «الحزب الديموقراطي الكردستاني» مسعود بارزاني خلال معارضتهما نظام الرئيس صدام حسين في التسعينات. وبينما كانت العلاقة تتحسن مع تركيا في السنوات العشر الماضية، كانت تسوء مع المحسوبين على «حزب العمال» ورئيسه اوجلان الذي خطف من دولة افريقية في بداية 1999. وقتل وجرح عشرات الأكراد في احتجاجات اندلعت في آذار 2004، مع استمرار الأكراد بالمطالبة بحقوقهم الثقافية والسياسية، ومنح الجنسية لعشرات آلاف حرموا منها في إحصاء جرى في بداية الستينات. وبعد اندلاع الاحتجاجات في بداية 2011، انقسم الأكراد في فريقين أحدهما «الاتحاد الديموقراطي الكردي» بزعامة صالح مسلم القريب من أوجلان حيث اتهم «الائتلاف الوطني السوري» المعارض «الاتحاد الديموقراطي» بالتعاون مع النظام، لكن أحزاباً كردية أخرى انضمّت الى «الائتلاف» وشغلت مقاعد في الهيئة العامة للتكتل المعارض الذي يقيم قادته في اسطنبول. وأسفرت الهجمات الأخيرة التي شنّها تنظيم «الدولة الإسلامية» على مدينة عين العرب (كوباني) شمال سورية وقرب حدود تركيا، الى تضييق الفجوة بين الطرفين الكرديين بدعم من رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني. وجرت محاولات للتوصل الى اتفاق بينهما على موضوعي القوة العسكرية المشتركة والإدارة الذاتية التي اسسها «الاتحاد الديموقراطي» قبل حوالى سنة. وكان «الاتحاد الديموقراطي» استفاد من الفراغ وغضّ طرف النظام لتوسيع نفوذه في شمال شرقي البلاد بفضل «وحدات حماية الشعب»، الذراع المسلّحة للحزب، إضافة الى إقامة ثلاث إدارات ذاتية شاركت فيها أحزاب أخرى وقادة عشائر عربية. وبقيت علاقة عملياته قائمة بين «وحدات حماية الشعب» وقوات النظام في الحسكة وشمال شرقي البلاد، الى ان حصل صدام مسلح بينهما قبل اسابيع. ووفّر التحالف الدولي - العربي ضد «داعش»، غطاء جوياً للأكراد في حربهم ضد «داعش»، إضافة الى تقديم دعم عسكري حيث ألقيت ذخيرة بالمظلات للضغط على الحكومة التركية التي تتخوف من قيام كيان كردي في شمال سورية مماثل لشمال العراق. ويقول معارضون عرب ان الاكراد يسعون الى ربط اقليم الجزيرة في شمال شرقي البلاد عبر السيطرة على تل ابيض قرب حدود تركيا مع اقليمي عفرين وعين العرب في شمال غربي البلاد، فيما شكل قادة عشائر تكتلاً يتمسك ب «وحدة سورية ضد أي حركة انفصالية» بعد تردد انباء عن سعي الاكراد الى تأسيس «غرب كردستان وحدة جغرافية متكاملة». وحملت احتفالات نوروز الحالية معاني اضافية عن السنوات السابقة. اذ أقامت «هيئة الدفاع والحماية الذاتية» أمس، مراسم لتخريج الدورة السادسة لقوات الحماية في مدينة رميلان في الحسكة في شمال شرقي البلاد حيث كان الاكراد سيطروا على قسم رئيسي من النفط والغاز. وتخرج في الدورة العسكرية 260 مقاتلاً «أدوا القسم باللغتين العربية والكردية». وأضيف هؤلاء الى حوالى 50 ألف مقاتل، في «قوات حماية الشعب» و»قوات الشرطة» (اسايش). لكن اللافت هذا العام، هو اتفاق النظام والمعارضة على التنويه بعيد نوروز بسبب الدعم الدولي المقدّم للأكراد باعتبارهم «أبرز الرابحين» من الحرب ضد «داعش» في شمال سورية وشمال غربي العراق. وساهم الاعتداء الذي نفذه «داعش» اول من امس ضد أطفال ونساء في شمال شرقي سورية، في رفع مستوى التعاطف معهم. وفي دمشق الخاضعة لسيطرة النظام، بثّ التلفزيون الرسمي السوري برنامجاً عن احتفالات الأكراد، حيث ظهرت مذيعات التلفزيون بالوان العلم الكردي (اصفر، اخضر، احمر) في برنامج «صباح سوري». واستضفن فنانين أكراداً. وطالبت «هيئة العمل الوطني» بأن يكون يوم نوروز عيداً لكل السوريين. وقالت «وكالة الانباء السورية الرسمية» (سانا) ان»التجمع الأهلي الديموقراطي للكرد السوريين» احتفل بعيدي النوروز والأم في فندق في دمشق برعاية وزارة الشؤون والمصالحة. وقال الوزير علي حيدر، إن «عيد نوروز عيد انتصار الحق على الباطل والطغيان والشر، وهو عيد سوري بامتياز لكل السوريين لأننا نسيج اجتماعي واحد وأعيادنا واحدة». وتابع: «لا مكان للون الرمادي للموقف من الأزمة في سورية، ومسؤولية الجميع مكافحة الإرهاب». لكن اللافت ان الاحتفال جرى بحضور قادة حزب «البعث» الحاكم الذي يتهمه أكراد ب «التعصب القومي». في اسطنبول، لن يكون «الائتلاف الوطني السوري» المعارض اقل اهتماماً بعيد الاكراد، إذ أصدر بياناً قال فيه ان هذا «العيد يعبّر عن رفض الظلم والخلاص من الاضطهاد القومي والتوق إلى الحرية والكرامة»، مؤكداً «وقوفنا إلى جانبهم في تحقيق حقوقهم القومية المشروعة وفق الأعراف والمواثيق الدولية، ونتمنى بهذه المناسبة النصر لثورة الشعب السوري، كما نناشد أبناء شعبنا في الجزيرة (محافظة الحسكة) عرباً وكرداً وسرياناً وآشوريين وغيرهم، إلى التكاتف والعمل يداً بيد في محاربة استبداد النظام وإرهاب تنظيم الدولة من أجل بناء سورية ديموقراطية، ونبذ كل ما من شأنه إثارة الفتن والحساسيات بين مكوناتها». وقالت «مجموعة قرطبة» التي تضمّ معارضين، إن «شعلة الحرية للسوريين ستوقد في قمة جبل قاسيون، ليجتمع شملهم تحت راية الحرية والكرامة، تحت ظل دولة واحدة تحترم خصوصياتهم وتضمن حقوق الجميع وفق المواثيق والعهود الدولي ونؤكد العمل معاً من أجل بناء الوطن السوري الواحد في دولة مدنية ديموقراطية تعددية، ونظام عادل تسوده روح الأخوة والمساواة والتعاون والعيش المشترك». وكتب موالون ومعارضون على صفحاتهم في موقع «فايسبوك»، كلمات تأييد للأكراد ومعايدات. وكان لافتاً استخدام نشطاء عرب كلمات كردية ووضع علم كردستان على صور حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.