انفضّت جلسة مجلس الوزراء أمس على اشتباك سياسي بين وزير العدل أشرف ريفي وبين الوزيرين محمد فنيش وحسين الحاج حسن، على خلفية اتهام الأول «حزب الله» بتبييض الأموال وتهريب البضائع من مرفأ بيروت من دون دفع رسوم، وحماية المتهمين في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وعدم تسليمهم الى المحكمة الدولية. ولم يكن أمام رئيس الحكومة تمام سلام سوى التدخل، ومعه عدد من الوزراء، للتهدئة ووقف الاشتباك، في ظل استمرار الحوار بين تيار «المستقبل» و «حزب الله» الذي يراد منه تنفيس الاحتقان المذهبي والطائفي. وعلمت «الحياة» من مصادر وزارية، أن الاشتباك حصل على خلفية انتقاد فنيش المواقف الصادرة عن وزير العدل، ونقلت عن فنيش قوله لريفي: «أنت تشنّ علينا حملة في الداخل والخارج، وتتهمنا بتبييض الأموال وهذا ما يضر بمصلحة البلد ويتناغم مع الاتهامات التي توجهها الولاياتالمتحدة وإسرائيل الى حزب الله في هذا الخصوص». ونقلت المصادر عن فنيش قوله: «أنت وزير للعدل، وإذا كانت لديك معطيات وأدلة وأسماء، ما عليك إلا أن تضعها بتصرف القضاء بدلاً من أن تسوق الاتهامات ضدنا و «تقوص» علينا كما يفعل بعض الأطراف الخارجية المعادية ل«حزب الله»، وهذا ما ينعكس أيضاً على الوضع في الحكومة». ورد ريفي، وفق المصادر بقوله: «أنا أشد حرصاً منكم على البلد واللبنانيين، ونحن وإياكم في حكومة ائتلاف وربط نزاع، ويدنا بيدكم للحفاظ على أمن البلد واستقراره، لكن لن نحيد مهما كانت الاعتبارات عن هدفنا الأول والأساسي لإقامة الدولة وإلغاء الدويلة، لأن لا أمن لأولادنا في ظل هذه الدويلة التي تنمو على حساب الدولة». وسأل ريفي: «من يحمي المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومن يرفض تسليمهم الى المحكمة الدولية، ومن قال إنهم قديسون، فهل هكذا تبنى الدولة؟». وتابع ريفي: «أنا مع الحوار لتخفيف الاحتقان، لكن لا أمن ولا استقرار إلا بسيادة حكم الدولة وإلغاء الدويلة لأنها تبقى مسماراً في نعش الدولة». ورد فنيش على ريفي، سائلاً عن قضية الغش في شراء المازوت من قوى الامن الداخلي إبان مسؤولية ريفي عنها والاعتداء على الشواطئ. فرد الأخير: «إذا كانت لديك أدلة، ما عليك إلا أن تحوّلها الى القضاء، وأنا أضع نفسي في تصرفه». وتدخل الحاج حسن وقال لريفي: «أنت توجه إلينا الاتهامات، وإذا كانت لديك أدلة وأنت وزير للعدل، لماذا لا تحوّلها الى القضاء للتحقيق فيها. وإذا كانت لديك أسماء وأنت تسكت عنها يعني أنك متواطئ، وإذا كنت لا تملك أسماء كان الأجدر بك ألا توجّه إلينا الاتهام». ورد ريفي متهماً «حزب الله» بتهريب البضائع من مرفأ بيروت للتهرّب من دفع الرسوم والضرائب، وبحماية مزوّري الأدوية وأصحاب المصانع الذين يصنّعون الحبوب المخدرة ويروجوها.لكن الحاج حسن نفى علاقة حزب الله بتهريب البضائع أو بالتهرب من دفع الرسوم، «ولا علاقة لهؤلاء التجار بالحزب وهم أفراد يمكن أن تسوى أمورهم مع الجمارك». وقال ريفي: «فلنضع جميعاً أنفسنا تحت القانون، لأن هناك ضرورة لأن نخضع للمحاسبة، وعندها يتبين من يخرج البضائع من مرفأ بيروت ويتهرب من الرسوم والضرائب». ورد الحاج حسن مجدداً وقال إن شقيق أحد الوزراء من «حزب الله» (في إشارة الى فنيش)، اتُّهم بتزوير الأدوية والفحوص المخبرية وهو موقوف لدى القضاء وشقيقه لم يتدخل، ولنترك للقضاء أن يقول كلمته. وتدخل الوزير بطرس حرب لدى تصاعد الاشتباك وسأل (موجهاً كلامه الى فنيش والحاج حسن): «كنت تعرضت لمحاولة اغتيال وتوصّل التحقيق الى تحديد هوية المتهم، لكن «حزب الله» لم يتعاون لتسليمه وهذه نقطة في خانة الحزب». كما تدخل أيضاً الوزير رشيد درباس، الذي نقلت المصادر الوزارية عنه قوله: «منذ البداية، شكلت حكومة ائتلافية وكنا جميعاً اتفقنا على تجنيب مجلس الوزراء القضايا الخلافية، وبالتالي لم نكن جميعاً على وئام سياسي عندما دخلنا هذه الحكومة، وكنا نشعر في حينها أن البلد في خطر وما علينا إلا الاتفاق على تنحية القضايا الخلافية عن طاولة مجلس الوزراء، واجتمعنا في الجلسات وكأننا في مجلس بلدي لغياب التطرق في العمق الى كل ما نختلف عليه. وبالأمس تابعنا الحوار بين «المستقبل» و «حزب الله»، واتفقا على تهدئة الأجواء مع احتفاظ كل منهما بوجهة نظره من مواضيع الخلاف». وأكدت المصادر أن وزير الداخلية نهاد المشنوق تدخل، داعياً الى التهدئة «لأن علينا جميعاً أن نقدر الظروف التي نمر فيها، وهذا لا يعني أن نتخلى عن مواقفنا وثوابتنا، لكن يجب أن نطرحها بهدوء». وفي المقابل، تمنى سلام على الجميع أن يبقى تبادل المواقف على قدر المسؤولية نظراً الى الظرف الدقيق في البلد والأوضاع الصعبة في المنطقة، وتبنى معظم الوزراء موقفه، في حين وعد وزير المال علي حسن خليل بالتحقيق في الاتهامات عن التهريب من المرفأ. على صعيد آخر، أثار الحاج حسن قضية اللبنانيين المبعدين من دولة الإمارات العربية المتحدة، ونقلت عنه المصادر قوله أن من حق هذه الدولة أن ترحّل اللبنانيين أو غيرهم على خلفية صدور أحكام قضائية بحقهم، لكن هل يرحلون لأنهم من فئة واحدة من دون تبيان أسباب ترحيلهم وعدم تسليم السلطات اللبنانية ملفاتهم التي كانت وراء ترحيلهم؟ وشكر الحاج حسن رئيس الحكومة على الجهود التي يقوم بها. وأكد الأخير ألا نية لدى دولة الإمارات لترحيل اللبنانيين، وهي تستضيف عشرات الألوف من مختلف الطوائف والمذاهب، لكن لديها اعتبارات أمنية من حقّها أن تتخذ الإجراءات لحفظ أمنها، ولا أظن أن المبعدين هم من فئة واحدة. وأكد سلام - كما نقلت عنه المصادر - أنه تم ترحيل أكثر من 4 آلاف من دولة الإمارات ومن بينهم أعداد كبيرة من الذين يحملون جنسيات إيرانية وباكستانية ومصرية وسورية. وقال: «أنا معني بكل اللبنانيين، لكن لا نتدخل في شؤون الدول الأخرى التي يهمها الحفاظ على أمنها». وحيا ريفي بعد الجلسة رئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة وقوى «14 آذار»، مؤكداً الوقوف إلى جانب الرئيس سعد الحريري. وأشار إلى أنه مع الحوار لتخفيف الاحتقان. وشدد على «النضال ضد الدويلة التي هي نقيض الدولة التي نطمح إليها». المبعدون وأوضح وزير الإعلام رمزي جريج بعد الجلسة أن سلام «كما في كل جلسة، جدد المطالبة بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، بعدما طالت فترة الشغور، وانعكس ذلك سلباً على عمل المؤسسات الدستورية كافة، باعتبار أن لرئيس الجمهورية دوراً أساسياً في انتظام عمل هذه المؤسسات لأنه رأس الدولة وحامي الدستور ورمز وحدة الوطن». وأوضح أن المجلس وقبل البحث في جدول أعماله بحث «موضوع اللبنانيين المبعدين من دولة الإمارات العربية المتحدة، فأشار سلام إلى أنه بحث في هذا الأمر مع رئيس حكومة الإمارات الذي نوه بدور اللبنانيين في الإمارات. وبالنسبة إلى التدابير المتخذة، قال سلام إنه ستتم متابعتها وإجراء الاتصالات اللازمة مع السلطات الإماراتية للوقوف على ظروفها وأسبابها». ومن المقررات الموافقة على مشاريع مراسيم ترمي إلى نقل اعتمادات من احتياط الموازنة العامة إلى موازنة بعض الوزارات والإدارات للعام 2015 على أساس القاعدة الإثني عشرية، لأغراض تتعلق بنشاطات هذه الوزارات والإدارات، لا سيما منها تأهيل بعض المستشفيات الحكومية، والموافقة على طلب وزارة البيئة إعلان الخامس من أيار (مايو) من كل عام يوماً وطنياً للسلاحف البحرية في لبنان، والموافقة على إصدار طوابع بريدية تذكارية تخليداً لرجالات الاستقلال: محمد الفضل، سعد المنلا، رشيد بيضون، مارون كنعان وهنري فرعون. وأرجأ مجلس الوزراء موضوع إحالة جريمة بتدعي إلى المجلس العدلي، إلى الأسبوع المقبل بطلب من بعض الوزراء للتشاور مع الأهالي في الموضوع، باعتبار أن «القرار الظني صدر» وفق ما قاله ريفي والذي أكد «ضرورة إحالة هذه الجريمة إلى المجلس العدلي». «الوفاء للمقاومة» إلى ذلك، أكدت كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية، أن «أجواء التفهم والمقاربات بين وفدي الفريقين المتحاورين حزب الله وتيار المستقبل لن تلقى إلا الدعم والتأييد»، وأن «الحوار مستمر على رغم بعض المواقف التصعيدية التي تعكّر هذه الأجواء». وكانت جلسة الحوار الثامنة بين الجانبين التي عقدت في مقر الرئاسة الثانية مساء أول من أمس، خلصت إلى بيان أكد فيه المجتمعون «جدّية الحوار واستمراره، باعتباره ركيزة أساسية للحفاظ على استقرار لبنان وحمايته مما يجرى في المنطقة. واتفقوا على استمرار البحث في المواضيع المقررة بالزخم والاندفاع نفسيهما اللذين سادا الجلسة الأولى». واستنكرت الكتلة في بيان أمس، «الإجراء غير المبرر بإبعاد دولة الإمارات العربية المتحدةلبنانيين»، مطالبة رئيس الحكومة تمام سلام ب «معرفة الأسباب الكامنة وراء هذا الإجراء»، ودانت «الإرهاب التكفيري الذي أصاب تونس». وأشارت الكتلة الى أن «إقرار سلسلة الرتب والرواتب ليس ترفاً ولا تسجيلاً لنقاط من فريق ضد آخر بل واجب أخلاقي تجاه المواطنين، ومنهم عسكريون يقدمون التضحيات»، داعية إلى «عقد جلسات مفتوحة للجان المشتركة للتوصل الى صيغة توافقية من دون ربط السلة بالموازنة العامة».