أحد رجال الأعمال الخليجيين انتهز فرصة إقامة معرض الرياض الدولي للكتاب، وشرع في تصميم تغييرات جذرية على ديكور بيته، من عصري سطحي إلى تراثي ثقافي لامع، وذلك باقتناص أمهات الكتب من ذوات الغلاف السميك والجسم الممشوق (والممشوق هنا هو فن الخط العربي؛ أي الممهور بالحروف المحفورة المذهّبة) وراح ينتقي المجموعات بحسب ألوانها، وسماكتها وندرتها مما تجود به المكتبات من نفائس! والحقيقة أن معرض الرياض في الأعوام الماضية قد يلبي طلب هذه النوعية من ذوي الميول السطحية، وبعد انقضاء أيام المعرض يمكن القول إننا نتراجع عاماً بعد عام في الاحتفاء بالثقافة وبترسيخ قيمة الكتاب، وذلك بناء على شواهد عدة، ليس أولها اشتراط أن يكون الكتاب مفسوحاً كي يحصل صاحبه على الموافقة لإقامة حفلة توقيع كتابه، كما ليس آخرها إقصاء النساء إلى أماكن هامشية في الأمسيات والندوات التي عقدت على هامش المعرض، فاشتراط أن يكون الكتاب مفسوحاً ساعد في تقليص عدد الموقّعين على كتبهم، وخصوصاً من النساء، وبالتالي خفّف من وطأة الاصطدام بالجهات الدينية التي تقف مراقبة عناوين الكتب ونظرات الكاتبات من تحت النقاب وهيئات الواقفين في الطوابير! إضافة إلى التراجع في عرض بعض المطبوعات والكتب التي صدرت قبل 10 أعوام، وكأننا بذلك نبرهن على أننا نتراجع فكرياً إلى ما قبل 10 أعوام، وإذا كان المزاج يوصف بالتقلب لدى النساء نتيجة لأحوالهن العاطفية وتكوينهن الفسيولوجي، فما هو عذر القائمين على المعرض في وزارة الثقافة والإعلام عند منع كتاب وفسح آخر، وخصوصاً أن المرأة لا تتقلد في العادة مناصب عليا؟ هل من المعقول أن تخضع المسألة برمتها لمزاج مسؤول أو موقفه من كاتب ما؟ للمناسبة، كتابي الأخير «بجناح واحد» لم يدخل المعرض مطلقاً إلا في اليومين قبل الأخيرين، بسبب تزامن وجود كتب الشيخ سلمان العودة لدى الوكيل السعودي للدار الخليجية المسؤولة عن طباعة كتابي! إن الواقع الصادم في المعرض هذا العام عشوائية التنظيم والقرارات الارتجالية، فالتنظيمات الداخلية لمعارض الكتب يجب أن تستند إلى قوانين اتحاد الناشرين العرب، كي لا تظهر الفوارق شاسعة بين معرض وآخر، كما أن الناشرين العرب في حاجة إلى إعادة النظر في المواعيد المتداخلة للمعارض، إذ يبدأ معرض الرياض قبل انتهاء معرض عُمان، ثم تتوقف معارض الكتب من الشهر الرابع الميلادي إلى التاسع، وهي مدة طويلة نسبياً، قياساً إلى تراكم مواعيد المعارض المتتالية على نحو مرهق لدور النشر وللكتاب والمثقفين والمهتمين، ومعرض البحرين لم يحظ بفرصة دعائية مناسبة كما حظيت حفلات رابح صقر! فبوسترات رابح صقر ملأت شوارع البحرين قبل موعد الحفلة بشهرين، بينما تساءل البعض عن موعد إقامة معرض الكتاب بالبحرين، وهو على وشك الانتهاء! مشكلة الكتاب تتلخص في مشكلتين، تسويقية في المقام الأول، ثم مشكلة اضطراب فئوي! والاضطراب الفئوي يعني أن الزحام الشديد في بعض أيام معرض الرياض لا يعبر مباشرة عن ارتفاع نسبة المثقفين ولا عن زيادة عدد القراء في المملكة، كما أن هذا الزحام لا يعكس بالضرورة يقظة مفاجئة أصابت الشعب بلوثة ثقافية، والحقيقة أن المتأمل في الحضور يجده لا يختلف كثيراً في مجمله عن صاحبنا المتورط في ديكور بيته الجديد، وبعضهم من «زبائن» المولات الذي يحب الفرجة على الآخرين، والبعض الثالث ممن يتفرجون على المتفرجين على الآخرين! هل ذهب أحدكم إلى معرض كتاب في العالم وسمع فيه صوت الضجيج والفوضى التي في معارضنا؟ فهل ترسّخ وزاراتنا الثقافية في العالم العربي عن عمد للتسطيح ولهذه النوعية من «المستهلكين»؟ عندما تنّفر القارئ الحقيقي والمثقف المهموم والكاتب الذي يحلم بلحظة توقيع كتابه؟ قال لي أحد الناشرين العرب والممنوعة داره من دخول السوق السعودية، إن أفضل معارض كتب في العالم العربي في رأيه هي التي تقام في اليمن والسودان، من ناحية التنظيم والجو العام، ولقد أتيحت لي الفرصة عام 2009 بزيارة معرض الكتاب في اليمن، ولاحظت أن المعرض يَعبُر فقط على القارئ الحصيف المعني بالأمر.. وإذا كانت المقولة المأثورة تقول: «آفة الكتاب إعارته»، وبعضهم يقول آفة الكتاب إعادته، فحريّ بنا أن نقول إن آفة الكتاب تعليقه..