لم يتسن لي حضور معرض الكتاب في الرياض هذا العام. ولا التشرف بالتجول بين أروقته، ولا رؤية الممنوع، الذي لا يتاح إلا فيه بتقدير العزيز العليم جلت حكمته ، ولا المرور بجانب الجناح المستفز، كما صوره الكاتب في الوطن الزميلة، الدكتور الفوزان، حاملا عليه الكثير من مما يمكن وضعه في إطار مخلفات داحس والغبراء، في ذهنية رجل الصحراء. سأتحدث من منظور آخر، بعيداً عن لماذا منعت، ولماذا لم تمنع، وبعيداً أيضاً، عمن كسب البوكر الجائزة حقيقة، هل هو عبده خال، أم خالد المعالي، متذكراً عبد الله بن بخيت، وشارع العطايف، وخيبة أن تكون كاتباً، تعتقد الشهرة، ثم حين لا تواتيك، تركلها. المنظور الذي أحكي فيه: حول ما جاء في ثقافة ال «كشخة»، و«الرزة»، وما إليه، من تبادل عناوين الكتب بين العابرين كسجائر تداس إثر اغتيال مبكر. «تراها رهيبة، كل كتب علي الوردي، العيال يقولونه». في الاستراحة طبعاً هذا القول. وترتص الكتب على أرفف البيت، كمخزن، لا أكثر ولا أقل. أو ترتمي في حر الصحراء على مقاعد سيارة منهكة. في الخليج، في المجتمعات الميسورة عموما، تدخل الكتب كديكور. أثناء التصوير للصورة الشخصية الأولى، نصحني «مثقف» قادم، لم يتثقف بما فيه الكفاية، بجعل العلم خلف رأسي، ومجموعة من الكتب المذهبة، كبشت. وفي تصوير أية حلقة، مع الفنانين الخليجيين، يوضع كتابان، أو ثلاثة، على مقربة من مكان التصوير. وفي المسجد المجاور، قد تجد سبعة كتب، في مكتبته، آخر من لمسهم، هو الذي جاء بهم بعد افتتاح المسجد، قبل عشرين حولا، تماما، الكتب هنا، كديكور. والحديث، ليس مقصوداً به، جامعي الكتب، ولا هواة البحث عن الطبعات النادرة، والسارحين بالجيوب الملآنة، والرؤوس التي ليست كذلك، ينقبون عن مخطوطة لم تطبع، للتكسب، و «الترزز» أيضا. ليس الحديث عن مثقفي «الفلوس»، ولا أصحاب المكتبات وتجار الورق. الحديث مقصود به الجيل الآتي، يبحث عن رواية، تسيرها السمعة. وتفرضها الموضة. الموضة التي يجب تغييرها كل ستة أشهر لرداءتها كما يقول أوسكار وايلد. «الوقت والجهد اللذان يبذلهما حاملو الأسفار في جمع الكتب ونقلها من مكان إلى آخر، وإعادة ترتيب مواقعها يكفيان لقراءة بعضها على الأقل»، هكذا يقول خيري منصور. وهو يعرف أي داء يصيب المجتمع عندما يبحث عن السوق والاستهلاك والبيع والتوزيع والربح، على حساب المحتوى والكيف، حتى في عوالم الثقافة، حين تتحول المعارض الكتابية لمطعم ب «منيو» فاخر، وأغلفة كذلك. لا لمنع التوزيع، ولا البيع، ولا الترويج. لكن نعم لتحديد معقولية هذا البذخ الشرائي المظهري، لنتجول ضاحكين، مرددين مقولات أصحاب دور النشر: «السعودية .. أكبر سوق عربية لشراء الكتاب». البائس حين التأمل: هل هي أكبر سوق عربية .. قرائياً. الأمر الآخر، هذه الكتب، المقصودة بالترويج خصوصا، لأناس هم أبناء هذا البلد، ذاهبين للخارج بحثا عن ناشر جيد، وسعر كذلك، إذ لا يتوافر هذا داخلا. وأمر أخير، حول فرحة أكثرية الشراء هنا: أن الأسعار، وبشهادة أكثر من شخص، أثق في معرفتهم الكتبية، والشرائية، مقارنة بمعارض الكتاب العربية الأخرى، مكلفة وباهظة الثمن. وليس هذا اختراعاً جديدا. إنه لا يعني أن نحرم من الثقافة عاماً كاملا، أن تباع علينا كفرصة نادرة، بأي ثمن. ولا يعني أيضاً أن تساهم الدولة فيها كالحديد والأرز والسكر؛ لأن هذا سيجعل البعض ينظر للثقافة لا سمح الله كشيء مهم وأساسي للحياة. لكنه يعني وعياً أكبر، للناشر الذي يستهدفك حتى خارج بلدك، بمحتويات كتب تتحدث عنك، ومن ثم حين يكتشف سحنتك، يخبرك بابتسامة شبه شامتة، أن هذا الكتاب لا يتوافر في بلدك، ولو توافر لن تجده بهذا السعر المغري الآن. لتروج بعد ذلك عوالم الكتب الصفراء، والسوداء، والمكتوبة والمطبوعة في شهرين. فيما يدخل تحت بند: النشر السياحي. [email protected]