نجحت الحكومة التركية أخيراً في إقناع زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان بدعوة الجناح العسكري لحزبه بترك السلاح وإغلاق ملف العمل المسلّح والانتقال إلى المفاوضات المباشرة من أجل حلّ القضية الكردية، من خلال الاتفاق على عشر نقاط طرحها أوجلان. وجاءت هذه النقاط فضفاضة لكن تطبيقها سيدفع تركيا إلى صوغ دستور جديد يشارك الأكراد بفاعلية، وأوجلان شخصياً، في صياغته، من دون أن يكون سيف السلاح مُسلطاً على البرلمان التركي الذي سيتولّى هذه المهمة. وأُعلِن الاتفاق في مكتب رئيس الوزراء في اسطنبول في حضور نائبه مسؤول الملف الكردي يالطشن أكضوغان ووزير الداخلية إفكان آلا ونواب من حزب الشعوب الديموقراطية الكردي بيرفين بولدان وسري سريا أوندار، الذي قرأ بياناً مشتركاً والنقاط العشر التي طرحها أوجلان وتطلب مزيداً من الديموقراطية والحريات. كما تنص إحدى تلك المواد على إعادة تعريف المواطَنة وعلاقة المواطن بالدولة في شكل ديموقراطي، وتتحدث مادة أخرى عن ضرورة تسجيل الحقوق المتعلّقة بالهوية للمواطن أو المجموعات في الدستور والقانون، وقد تفتح هاتان المادتان سجالاً واسعاً حول المقصود منهما، خصوصاً أن الطلب الأساسي للأكراد كان دائماً ضمان حقوقهم لإظهار هويتهم الكردية كمواطنين في الجمهورية وضمان هويتهم الكردية في الدستور، أي اعترافه بوجود قومية كردية وإعطاؤها حق اللغة وحرية التعليم باللغة الأم. وتجنّبت النقاط العشر الإشارة إلى أي نظام فيديرالي أو حتى كلمة «كردي» ما سهّل للحكومة الظهور كضامن لتنفيذ هذا الاتفاق الذي أكدّ أكضوغان أنه لا يمس وحدة الأراضي التركية أو الشعب التركي. وكان النواب الأكراد عادوا الأسبوع الماضي من زيارة لجبال قنديل قيل إنهم حصلوا خلالها على موافقة الجناح العسكري (لحزب العمال) على كل ما يقرّه أوجلان ولو كان أمراً بترك السلاح. كما التقوا أوجلان في سجنه الجمعة وحصلوا منه على موافقته النهائية على البيان. وكان مفترضاً إعلان هذا الاتفاق قبل أسبوعين لكن الجناح العسكري عارض الفكرة وأصرّ على الحصول على ضمانات أو إطلاق أوجلان كبادرة حسن نية قبل ترك السلاح، لكن الأخير أصرّ على المضي في هذا المسار، رغم ارتفاع أصوات معارضة من قيادات الجناح العسكري. وأُثيرت تساؤلات حول وجود تفاهمات سرية بين أوجلان والحكومة لم تُعلن في هذا البيان تتعلّق بخروجه من السجن وتفسير النقاط العشر. ويتوقَّع أن يُلقي أوجلان خطاباً متلفزاً في عيد النوروز بعد 3 أسابيع، يعلن فيه إلقاء السلاح ونهاية العمل المسلّح بالتزامن مع عقد حزب العمال الكردستاني مؤتمراً طارئاً للمصادقة على قرار أوجلان وبدء تنفيذه. وفي حال التزام الجناح العسكري فعلياً بأمر أوجلان في الربيع، سيدعم ذلك شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم قبل الانتخابات التشريعية التركية في 7 حزيران (يونيو) المقبل، كما سيدعم طرح الرئيس رجب طيب أردوغان بضرورة التحوّل إلى نظام رئاسي من أجل إشرافه على عملية تنفيذ النقاط العشر من دون عرقلة من المعارضة، والإشراف كذلك على وضع دستور جديد. ويعني ذلك تحالف الحزب الحاكم مع حزب الشعوب الديموقراطية الكردي بعد الانتخابات لتأمين أصوات النواب ال400 الذين طلبهم أردوغان من أجل تغيير النظام والدستور. ويُتوقع الإعلان قريباً عن ترتيبات إجرائية جديدة تتعلّق بأوجلان، وببدء مفاوضات رسمية بينه وبين الحكومة على تفسير النقاط العشر وصوغها في شكل دستوري. وتتوقع أوساط الحكومة تخفيف القيود المفروضة على أوجلان وربما الإفراج عنه في حال ترك حزبه السلاح، لأن ترك السلاح سيحول «الكردستاني» من حزب «إرهابي محظور» إلى حزب سياسي يتفاوض مع الحكومة ويتعاون معها، ما قد يبرر خطوات تشمل العفو عن أوجلان. كما يُتوقّع أن تكون لهذه الخطوة انعكاساتها إقليمياً على وضع الأكراد في سورية، مع وجود مؤشرات قوية إلى تغيير أنقرة نظرتها إلى الأكراد والتحوّل من اعتبار أحزابهم في تركيا وسورية إرهابية إلى أحزاب سياسية يتم التعاون معها سياسياً وعسكرياً.