عاش الأتراك ساعات ترقب، بعدما شاهدوا الوفد البرلماني الكردي يستقل سفينة خاصة من ميناء أطاكوي في اسطنبول للتوجه إلى جزيرة إمرالي، وسط بحر مرمرة، من أجل لقاء زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان في سجنه، مع الأمل بعودة الوفد ب «رسائل سلام» من الأخير يطالب فيها حزبه بالاستعداد للتخلي عن العمل المسلح، والتحول إلى حركة سياسية لمعالجة القضية الكردية، بما يطوي ملف النزاع العسكري والعنف المستمرين منذ أكثر من ثلاثة عقود. وبدا واضحاً أن أوجلان قد يعود بقوة إلى الساحة السياسية، ولو من سجنه، بعدما حمل إليه الوفد مسودة مشروع الدستور الجديد الذي يقترحه حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، وكذلك نسخة عن تقرير تحقيق اللجان البرلمانية حول القضية الكردية والانقلابات العسكرية في تركيا. إذ يتوقع تفاوض أوجلان مع الحكومة عبر وفود برلمانية تزوره، وتنقل آراءه حول شكل الدستور الجديد، من أجل إيجاد حل جذري ونهائي للقضية الكردية. وسيبدأ أوجلان وضع ملاحظاته على مشروع الدستور الذي قدمته حكومة رجب طيب أردوغان، في ظل توافق غير معلن بين حزب العادالة والتنمية الحاكم وحزب السلام والديموقراطية الكردي للتصويت لمصلحة المشروع، وعرضه على استفتاء شعبي مع حشد دعم مناسب يمهد للمصادقة عليه. وتتوقع المعارضة الأتاتوركية والقومية أن يتضمن مشروع الدستور الجديد نظاماً رئاسياً للجمهورية، ترى أنه الثمن الذي يريده أردوغان من الأكراد لحل قضيتهم. ولاحظ صحافيون مواكبة عناصر من الاستخبارات والجيش الوفد البرلماني الكردي الذي ضم النواب بيرفين بولدان وسري سريا أوندار وألطان طان، إلى جزيرة إمرالي. ونقل الوفد هدايا لأوجلان الذي التقاه للمرة الأولى في سجنه الذي دخله العام 1999. وشملت الهدايا قلم حبر ومسبحة، وتوقع صحافيون أن يستخدم أوجلان القلم لكتابة ثلاث رسائل، يوجه أولاها إلى الجناح العسكري لحزبه في جبال قنديل شمال العراق، والثانية إلى الجناح السياسي في أوروبا، والثالثة إلى الرأي العام في تركيا. وكانت الاستخبارات التركية سربت معلومات تفيد بأن أوجلان اتفق مع رئيسها هاكان فيدان على إلقاء السلاح، في مقابل حل القضية الكردية سياسياً وفق خريطة سلام تمتد لشهور، وتشمل خطوات متوازية تنفذها الحكومة و «الكردستاني». ويواجه مسار السلام تحديات تتمثل في موافقة الجناح العسكري للحزب على خطة أوجلان لنزع سلاحه، وتقيد الزعيم نفسه بالخطة وعدم المطالبة بمزيد، إضافة إلى حصول مسودة الدستور التي ستعرض لتسوية القضية على دعم شعبي، في ظل معارضة شديدة من التيار القومي. أما التحدي الأهم فيفرضه احتمال انشقاق عناصر عن الجناح العسكري للحزب، خصوصاً من الأكراد السوريين الذين لا يعني لهم شيئاً حل القضية الكردية في تركيا فقط، وأيضاً احتمال انشقاق أجنحة تابعة لتأثير إيراني. على صعيد آخر، أعلنت المستشارة الألمانية أنغلا مركل، عشية زيارتها أنقرة، أنها تشكك في الجهود التي تبذلها تركيا لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي، لكنها تفضل بدء مناقشات في مجال سياسي أو فصل جديد مع أنقرة، من أجل إعطاء زخم جديد للتفاوض على العضوية. وكان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أبدى الأسبوع الماضي استعداده لتدشين محادثات مع تركيا حول الفصل الخاص بمساعدة مناطق الاتحاد الأوروبي. وقالت مركل التي تفضل «شراكة مميزة» بين الاتحاد وتركيا بدلاً من منحها العضوية: «أعتقد بأن أمامنا شوطاً طويلاً من التفاوض، وعلى رغم شعوري بارتياب، أؤيد استمرار المناقشات في شأن عضوية تركيا، ونخوض المناقشات باعتبار نتيجتها غير محددة». وزادت: «تعثرت المفاوضات أخيراً، لذا أفضل فتح فصل جديد للتقدم إلى أمام». وتوقفت مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد والتي أطلقت عام 2005، بسبب خلاف على جزيرة قبرص المقسمة، فيما لم تستكمل أنقرة سوى فصل «سياسي» من أصل 35 يجب أن تستوفيها أي دولة مرشحة لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي.