لم تتوصل المشاورات التي يتولاها رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام إلى إرساء تفاهم حول الآلية الواجب اعتمادها، لاتخاذ القرارات وإصدار المراسيم في مجلس الوزراء، مع أن جميع الأطراف المشاركين في الحكومة ليسوا في وارد إطاحتها ويعتقدون أن هناك حاجة ماسة لتفعيلها وقطع الطريق على إمكان إصابتها بشلل في ظل الظروف الصعبة التي يمر فيها البلد والأوضاع الأمنية والعسكرية المتقلبة في المنطقة. وعلمت «الحياة» من مصادر سياسية بأن موضوع تفعيل الحكومة كان الأبرز في اللقاء الذي عقد بين رئيس الحكومة السابق زعيم «تيار المستقبل سعد الحريري وبين رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون مع أنهما توافقا على ضرورة انتخاب رئيس جمهورية جديد لتأمين انتظام المؤسسات الدستورية. وأكدت المصادر أن اللقاء بينهما، في حضور وزير الخارجية جبران باسيل ونادر الحريري مدير مكتب الرئيس الحريري والنائب السابق غطاس خوري والمستشار الإعلامي للحريري هاني حمود، كان جولة أفق في كل القضايا المطروحة لا سيما تلك الساخنة منها. ولفتت إلى أن الحريري وعون تناولا ملف انتخابات رئاسة الجمهورية في العموميات من دون التفاصيل، وتوافقا على أن البلد لا يستطيع أن يكمل حياته السياسية من دون انتخاب رئيس جديد، إضافة إلى أن لا مصلحة في الإبقاء على الحكومة مشلولة من دون فاعلية أو إنتاجية مع أنهما لا يريان أن الظروف مواتية لإطاحتها لما يترتب على مثل هذه الخطوة من إقحام البلد في فراغ تام يدفع به الى المجهول. وإذ شددا على ضرورة التعاون لإخراج الحكومة من المأزق الذي تتخبط فيه بسبب الاختلاف على آلية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء، اوضحت المصادر في المقابل أن هذه المسألة بالذات ما زالت موضع تشاور بين «تكتل التغيير» وسلام إضافة إلى الأطراف الآخرين في الحكومة. واعتبرت المصادر أيضاً أن لقاء الحريري - عون يأتي في إطار التأكيد على الحوار لأن لا غنى عنه وإن التشاور بات مطلوباً أكثر من أي وقت لاستيعاب أي تأزم يمر فيه لبنان. وقالت إن موضوع الرئاسة، ترشحاً وانتخاباً، لم يكن مدرجاً على جدول أعماله لأن هذا الملف ليس عند الحريري إنما في مكان آخر. وأشارت الى ان الأبواب ليست مقفلة أمام تفعيل العمل الحكومي من خلال إيجاد مخرج لآلية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء. ورأت أن اللقاءات المفتوحة التي يعقدها الحريري، وإن كانت تتزامن مع مواصلة الحوار بين «المستقبل» و «حزب الله» برعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري، تؤكد رغبته في عدم تطييف الحوار ليبقى محصوراً بين السنّة والشيعة. وأوضحت أن هناك ضرورة لانتظام الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله»، ليس بهدف الوصول إلى صفقة سنّية - شيعية، بل لأن هناك ضرورة لتنفيس الاحتقان المذهبي والطائفي. والجلسة الأخيرة من الحوار توقفت أمام ضرورة البحث عن استراتيجية موحدة لمكافحة الإرهاب من دون أن تؤدي إلى توافق على الأقل في المدى المنظور بسبب الاختلاف حيال الحرب الدائرة في سورية ومشاركة الحزب فيها إلى جانب الرئيس بشار الأسد. وقالت المصادر إن البحث في هذه الاستراتيجية سيستأنف في جلسة الحوار اللاحقة قريباً. ولفتت الى انه لم تتم مقاربة ملف الرئاسة الأولى بالتفصيل وإنما من الاستراتيجية باعتبار أنها ليست بنداً مستقلاً عن تفعيل مؤسسات الدولة وأولها رئاسة الجمهورية. وعلى هذا الصعيد أيضاً، جاء لقاء الحريري ورئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط الداعم لحوار «المستقبل» - «حزب الله» على قاعدة توافقهما على رفض كلام الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير عن الوضع في سورية. وأكدت المصادر أن لا شيء يمنع تعدد الحوارات. وكان جنبلاط شدد خلال اللقاء الذي عقده المجلس المذهبي الدرزي عصر أول من أمس بعيداً من الأضواء على أن هناك حاضنة دولية للبنان تدعم استقراره وتساند كل الجهود الرامية إلى تجنيبه الحريق المشتعل في المنطقة، ورأى أن هناك ضرورة لعدم التفريط بهذا الدعم والعمل للإفادة منه للحفاظ على الاستقرار وحماية السلم الأهلي. ومع أن جنبلاط يرفض أي مس بالدستور، ويصر على التقيد بالأصول الدستورية في إدارة شؤون البلد وتسيير أمور الناس، فإنه لا يمانع في الإبقاء على الصيغة الراهنة المعمول بها حالياً في مجلس الوزراء، والتي تقوم على اتخاذ القرارات في المجلس بالتوافق بين جميع مكونات الحكومة. وعزا جنبلاط السبب، كما قال، أمام أعضاء المجلس المذهبي، إلى أن لا مصلحة في إشعار المسيحيين في الوقت الحاضر بأنهم مهمشون في ظل تعذر انتخاب رئيس جديد. وتقول مصادر وزارية إن الجهود السياسية ما زالت قائمة لتهيئة الأجواء أمام معاودة جلسات مجلس الوزراء بدءاً من الأسبوع المقبل، وتؤكد أن سلام ليس في وارد الدخول في مواجهة مع أحد، وهو اختار لنفسه منذ تشكيل الحكومة أن يتبع سياسة تدوير الزوايا لتمرير المرحلة الراهنة بأقل كلفة على البلد مع تقديره أن لا غنى عن انتخاب رئيس الجمهورية لأنه يعيد الاعتبار لانتظام عمل المؤسسات الدستورية.