يندفع رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط أكثر فأكثر في اتجاه تسريع تشكيل الحكومة الجديدة، ويتخوف من المخاطر التي تهدد البلد في حال التأخر في توفير الظروف الملائمة لولادتها بصورة طبيعية، وهذا ما توافق عليه في اجتماعه ليل أول من أمس مع وفد من حركة «أمل» ضم النواب علي حسن خليل وغازي زعيتر وعلي بزي وعلي خريس وهاني قبيسي في حضور النواب الأعضاء في الحزب التقدمي الاشتراكي غازي العريضي ووائل أبو فاعور وأكرم شهيب وعلاء الدين ترو. ومع أن لقاء جنبلاط مع وفد «أمل» جاء بطلب من رئيس المجلس النيابي نبيه بري لتأكيد التواصل القائم بين الطرفين، ودورهما في تهيئة الأجواء أمام الاسراع في تشكيل الحكومة الجديدة، فإن الأخير أراد منه وضع جنبلاط في صورة الأسباب التي أملت عليه عدم تسمية النائب سعد الحريري لتأليف الحكومة الجديدة. وعلمت «الحياة» أن وفد بري برر عدم تسمية الحريري للمرة الثانية لتأليف الحكومة خلافاً للمرة الأولى بالمواقف التي أعلنها الأخير في الخطاب الذي ألقاه في أحد الافطارات الرمضانية، مؤكداً أن عدم تسميته لا يعني وجود رغبة لدى رئيس المجلس برفض التعاون معه أو الامتناع عن تسهيل مهمته في تأليف الحكومة والتي تستدعي من جميع الأطراف تقديم التسهيلات المطلوبة لهذا الغرض. ونقلت مصادر مقربة من الطرفين أن بري لا يرى بديلاً للحريري على رأس الحكومة، وأنه يقول كلامه في هذا الخصوص عن قناعة وهذا ما يحتم على الجميع التعاون معه، لما له من تأثير مباشر في تنفيس الاحتقان في البلد، خصوصاً على صعيد الشارع السنّي - الشيعي. ولفتت الى أن وفد «أمل» حاول التقليل من الآثار السياسية السلبية الناجمة عن عدم تسمية الحريري، مؤكداً أن السلبية تكمن في ما لو بادرنا الى تسمية مرشح آخر لرئاسة الحكومة. وأضافت المصادر عينها أن بري كان تمنى على الحريري التريث وعدم الاسراع في التقدم من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بالاعتذار عن عدم تأليف الحكومة في تكليفه الأول. وعزت مصادر في «أمل» السبب الى أنه قرر الدخول قبل أيام من الاعتذار على خط الاتصالات الرامية الى تذليل العقبات التي ما زالت تؤخر تشكيل الحكومة. وتابعت أن بري كان أخذ على عاتقه عدم التدخل خصوصاً في الاتصالات الجارية بين قيادة «حزب الله» ورئيس «تكتل التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون، لكنه ارتأى في الأيام الأخيرة أن لا بد من الاشتراك في المساعي الهادفة الى اقناع «الجنرال» بضرورة تسهيل تأليف الحكومة. واعتبرت المصادر عينها أن اعتذار الحريري أدى الى تعليق الاتصالات مع أن بري كان يأمل بالوصول الى نتائج ايجابية، فيما سألت مصادر أخرى عن الجدوى من التأخير في تأليف الحكومة أو الخشية التي يبديها البعض من حين الى آخر من عدم ولادتها في السرعة المطلوبة على رغم أن الجميع متوافق على القضايا الكبرى وعلى صيغة توزيع الوزراء على أساس تمثيل الأكثرية ب 15 وزيراً في مقابل 10 وزراء للأقلية و 5 آخرين لرئيس الجمهورية. وكشفت المصادر أن القاسم المشترك بين الحزب التقدمي الاشتراكي و «أمل» يكمن في عدم التمهل في تأليف الحكومة خلافاً للمواقف التي صدرت عن بعض القوى في هذا الشأن وعزت سبب الاسراع الى أن مصير البلد بات مرتبطاً بولادة هذه الحكومة لقطع الطريق على محاولات تجميد الوضع بما يعوق قدرة اللبنانيين على مواجهة التهديدات الاسرائيلية من جهة والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية من جهة ثانية في ظل المخاوف من تمديد حال الفراغ التي تشل عمل المؤسسات الدستورية ودورها في مواكبة ما تشهده المنطقة من تعقيدات. وفي هذا السياق نقلت المصادر عن جنبلاط قوله إن مشروع تفتيت المنطقة لا يزال قائماً وأن لا صحة لكل ما يتردد من أنه سحب من التداول وأن الفتن المذهبية والطائفية تتنقل في المنطقة وأن هناك خشية من أن تضرب لبنان وهذا يتطلب من الجميع الارتفاع الى مستوى المسؤولية والترفع عن المهاترات واعتماد خطاب الاعتدال لحماية السلم الأهلي وتعزيز المصالحات وتعميمها لجهة خلق الظروف ليكون لقوى 14 آذار دور فيها، بعد قرار الحريري الانفتاح على جميع الأطراف من دون استثناء. وأكدت المصادر أن جنبلاط ينطلق في دعوته الى التهدئة من اعتباره أن الظروف التي أملت على الولاياتالمتحدة الأميركية تلزيم لبنان لسورية مع الاستعداد لانهاء الغزو العراقي للكويت تبدلت وأن تطبيع العلاقات العربية - العربية وتحديداً بين المملكة العربية السعودية وسورية أمر ضروري لما له من دور في تحييد لبنان وتجنيبه دفع فاتورة التأزم الحاصل في المنطقة. كما أن جنبلاط ووفد «أمل» توافقا على أن يقوم كل طرف بدور فاعل وضاغط في المحيط الذي يؤثر فيه لتسهيل مهمة الحريري في تأليف الحكومة، لا سيما أن لا مصلحة لبري ولا ل «حزب الله» في التمهل وهذا يتطلب منهما، وتحديداً من الأخير، القيام بجهد فوق العادة لاقناع عون أو أي طرف يقف وراء اعاقة ولادة الحكومة، ناهيك بأن جنبلاط ووفد «أمل»، شددا على التمسك باتفاق الطائف وضرورة استكمال تطبيقه وأن تواصل اللجنة المشتركة من الطرفين مهمتها في متابعة الشأن الاجتماعي والاقتصادي، لكن المصادر تجنبت تسليط الضوء على ما دار في الخلوة التي عقدت بين جنبلاط والنائب خليل على هامش اللقاء المشترك والتي استمرت لدقائق. واعتبر جنبلاط أن تأخير تشكيل الحكومة سيرتد سلباً وبالدرجة الأولى على الشيعة والسنّة، ومن ثم على الطوائف الأخرى، وهذا ما دفعه الى التريث في دعوة بري الهيئة العامة للبرلمان مع بدء العقد العادي للمجلس وفي أول ثلثاء بعد الخامس عشر من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل الى جلسة تخصص لانتخاب رؤساء اللجان النيابية وأعضائها ومقرريها. وعزا جنبلاط اصراره على التريث في دعوة الهيئة العامة الى ان من غير الجائز انتخاب أعضاء اللجان النيابية قبل أن تؤلف الحكومة وذلك لقطع الطريق على دفع البلد باتجاه مزيد من الاحتقان المذهبي والطائفي بذريعة أن هناك من يعمل لتفعيل مؤسسة المجلس النيابي في وقت تعاني المؤسسة الدستورية الثانية، أي الحكومة، شللاً دائماً. كما أن تأخير تأليف الحكومة سيؤثر سلباً في سير عملية انتخاب أعضاء اللجان النيابية حيث ان معظم النواب سيدفعون باتجاه السيطرة على اللجان النيابية لتأتي النتائج لمصلحة الأكثرية كرد على محاولات تعطيل ولادة الحكومة وبالتالي سيتخبط البرلمان في انقسام حاد، البلد في غنى عنه، وبالتالي من الأفضل تأجيل الانتخاب الى ما بعد انجاز الاستحقاق الحكومي، خصوصاً أن انتخاب اللجان لن يؤخر أو يقدم طالما أن الحكومة غير موجودة. ولفت جنبلاط الى أنه على تفاهم مع الحريري على ضرورة التصدي للانقسامات الداخلية ومعالجتها لتبديد مفاعيلها السلبية، ليس على الوضع الحكومي فحسب، إنما على البلد ككل. وهذا ما كرره رئيس «التقدمي» في اجتماع ضمه والمنسق العام للأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد في حضور عضو الأمانة العامة النائب السابق سمير فرنجية والنائبين أبو فاعور وشهيب. جنبلاط والأمانة العامة وعلمت «الحياة» أن جنبلاط كرر أمام وفد الأمانة العامة ما كان قاله في اجتماعه مع وفد «أمل» من أن أحداً لا يعرف الى أين سيسير البلد اذا ما استمرت عملية تعطيل الحكومة، سوى «إننا جميعاً ذاهبون الى المجهول». كما توافق جنبلاط ووفد الأمانة العامة على ضرورة تضافر الجهود لانهاء الانقسام الداخلي الذي يتطلب من الجميع تقديم التضحيات واعتماد الاعتدال في الخطاب السياسي وتجنب كل أشكال التوتر لمصلحة تعزيز الاحتكاك الايجابي بين جميع الأطراف. وشدد جنبلاط على ضرورة دخول قوى 14 آذار على خط المصالحات لما للتواصل من دور في تنفيس الاحتقان حتى لو لم نتوصل الى تفاهم على معظم القضايا المطروحة. وفي هذا المجال قال مصدر في الأمانة العامة ل 14 آذار ل «الحياة» إن الاجتماع مع جنبلاط هو الثاني لمواصلة الحوار من أجل التوصل الى نقاط مشتركة لتسهيل مهمة الرئيس المكلف بعدما مهد الحوار الأول الطريق أمام اجتماع النواب المنتمين الى الأكثرية الذين أجمعوا على دعم الحريري. ونقل المصدر عن جنبلاط مخاوفه من الحوادث الأمنية المتنقلة التي من شأنها أن تنهك القوى الأمنية الشرعية وتعوق دورها في ضبط الأمن وحماية السلم الأهلي، مؤكداً توافق الوفد مع رئيس «التقدمي» على الحوار لما للطرفين من هموم مشتركة في شأن تحصين الوضع الداخلي والحفاظ على الاستقرار العام، لافتاً الى أن اللقاء مع جنبلاط جاء ليؤكد عودة التواصل للوصول الى اتفاق حول القضايا الراهنة.