تصريحان متزامنان يوم السبت الماضي يؤكدان عزيمة سعودية ويمنية متطابقة لاجتثاث حركة التمرد الحوثية وهزيمتها وإفشال من يقف وراءها ويدعمها بالمال والسلاح والعتاد، أولهما كان لمساعد وزير الدفاع والطيران السعودي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز عند وقوفه على أرض المعركة التي تخوضها قوات بلاده ضد المعتدين الحوثيين، بقوله: «أصبح لزاماً علينا أن يتصدى رجالنا لهذا الطيش والتصرفات اللامسؤولة، فقد لقَّن أبناء القوات المسلحة السعودية المعتدين الأشرار درساً لن ينسوه بأساليب قتالية حديثة لم يتوقعها المغامرون». والتصريح الثاني كان للرئيس اليمني علي عبدالله صالح بقوله: «الحرب لن تتوقف مهما كلفتنا من مال أو شهداء، فلا مصالحة ولا وقف للحرب إلا بعد نهاية الشرذمة الخائنة العميلة». لكن ما مدى قوة الحركة الحوثية في اليمن، وقدرتها على الاستمرار في المشاكسة داخل الأراضي السعودية؟ وكيف تصل الأسلحة الإيرانية إلى الحركة؟ ثم أليست هناك قدرة يمنية على إغلاق صنبور السلاح المهرّب إليها من طهران؟! ألم يحسب قادة الحوثيين حسابات القوة السعودية البرية والجوية القادرة على إسكات نيرانهم؟! هل تتركز الرغبة الحوثية في زعزعة الأمن والاستقرار في اليمن وعلى الحدود مع السعودية وجر الأخيرة إلى معركة تستفيد منها إيران وحدها؟! لا شك في أن المعركة محسومة سلفاً لمصلحة القوات السعودية نظراً إلى عدم تكافؤ القوة، حتى وإن استمرت حركة التمرد الحوثية في القيام بمناوشات على طريقة حرب العصابات، لكونها حركة تنفذ مهمة تخريبية بالوكالة عن إيران التي تحاول استفزاز السعودية وجرها إلى معركة تخدم أهدافها وسياساتها وأطماعها التوسعية، إضافة إلى رغبة طهران في افتعال أزمة قبل موسم الحج للفت الأنظار عنه وتحويله من شعيرة دينية إلى موسم للشعارات السياسية. إن مجرد تجرؤ الحوثيين على دخول السعودية وتصويب بنادقهم ومدافعهم لقتل مواطنيها يمنحها الحق الكامل لقطع دابر هذه الحركة وسحق عصابتها ومن يقف وراءها ويؤججها، ولكمها وركلها وكتابة نهاية مسرحيتها العبثية ذات البعد الإقليمي. من تقاليد السياسة السعودية التروي والتأني وعدم التعجل في إطلاق التصريحات قبل جمع المعلومات الكاملة، لكونها دولة تبحث عن الاستقرار والسلام، وتتنازل عن كبائر وصغائر كثيرة وترفض الانجرار إلى صراعات لا طائل منها، بغية عدم تكبير حجم المشكلات حتى لا تتشكل بؤر اضطرابية جديدة في المنطقة، إلا أن الحوثيين هذه المرة جنوا على أنفسهم، ولن ينفعهم مَن دفعهم إلى ذلك التهوّر، فالسعودية لن تتسامح مع مَن يحاول العبث داخل أراضيها، ومن حقها الاستمرار في العمل العسكري لإنهاء جيوب التمرد بعد هذا الانتهاك الخطر لأراضيها وسيادتها. تتجنب السياسة السعودية أساليب المناكفة والمماحكة التي تحبّذها وتمارسها وتجيدها إيران، لكن بعد أن لوّح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وزمره بالدعوة إلى تحويل موسم الحج إلى حلبة للملاكمة ورفع الشعارات والدعايات السياسية المضللة، ثم الدفع بالمتمردين الحوثيين إلى افتعال أزمة على الحدود السعودية مع اليمن وجرها إلى معركة لا تريدها بهدف التشويش على الرياض داخلياً وخارجياً، إضافة إلى هدفها تصدير أزماتها الداخلية إلى دول المنطقة عبر تحريك حركات وميليشيات وعصابات منضوية تحت جناح «ولاية الفقيه»، كل ذلك استدعى السعودية إلى انتفاضة عسكرية لتأمين حدودها وتلقين المتمردين درساً تاريخياً لبتر مثل هذه الحركة المتمردة ودفنها الى الأبد. وتحظى الخطوة العسكرية السعودية لردع المعتدين من الحوثيين بتأييد شعبي واسع، ما يستلزم في الوقت نفسه عدم التساهل مع قيام تيار حوثي، مبني على أيديولوجيا خاصة وولاء إقليمي يتحرك وفق أجندة وأطماع خارجية، وإلا سيعلق على نعش المنطقة مسمار جديد أشبه ب «حزب الله» في جنوب لبنان، و «حماس» في فلسطين. قبل فترة قليلة كتبت مقالة عن اليمن بعنوان «هل دخل اليمن إلى العناية المركزة»، بعد أن أصبحت الأوضاع في اليمن لا تسرّ، محذّراً كما غيري من أن نيران المتمردين الحوثيين ستمتد إلى الحدود السعودية إذا لم تكن هناك خطة دفاعية واضحة، خصوصاً في ظل وجود أعمال شغب وتخريب ومواجهات داخل اليمن، ووجود جنوبيين يطالبون بالانفصال، وشماليين «حوثيين» متمردين، وعناصر من «القاعدة» تتمركز في تضاريس وعرة تساعدها على التخطيط لتوجيه ضربات إرهابية من فترة إلى أخرى نحو الداخل والخارج انطلاقاً من الأراضي اليمنية. إيران تسعى إلى زرع الفتنة وزعزعة أمن دول المنطقة، خصوصاً في دول الخليج العربية، بعد أن تمكنت من لبنان والعراق وفلسطين، لكن المحيِّر أن بعض دول الخليج ما زال صامتاً ولم ينبس ببنت شفة لا تنديداً بحركة التمرد الحوثية ولا تأييداً للسعودية، وكأنه يخاف رد الفعل الإيراني لتبدو صورته خليجياً مهزوزة كمن يتفق مع الممارسات الإيرانية، أو كمن ينتظر فرصة سياسية جديدة للقيام بدور «ماراثوني» يعتقد أنه مهم. الأكيد أن السعودية ستخرج من هذه المعركة منتصرة، وأكثر أمناً واستقراراً، وستصفع «الحوثيين» و «القاعديين» و «المنافقين» ومَن يقف وراءهم ويدعمهم ويتعاطف معهم، لكن يجب أن يكون اليمن أكثر حضوراً أمنياً في ضبط تهريب السلاح إلى تلك العصابات المتطرفة التي تعمل وفق رؤية وأجندة إقليمية بحتة.