دعت أوساط سياسية مواكبة للتطورات الدولية والإقليمية المتسارعة خلال الأشهر القليلة الماضية، الى قراءة القمة السعودية - السورية التي عقدت يومي الأربعاء والخميس الماضيين من خلال ما أفرزته هذه التطورات، لأنه لا يمكن إدراك مفاعيلها وتداعياتها من دون وضعها في سياق مجموعة من الأحداث التي تشهدها المنطقة. فمنذ أن بدأ التقارب السعودي - السوري يستعيد نشاطه إثر الانتخابات النيابية في لبنان، في حزيران (يونيو) الماضي، من خلال الاجتماعات المشتركة بين الموفدين السعوديين والقيادة السورية، والتي تقررت فيها أن يزور خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز دمشق بعد إنجاز الحكومة اللبنانية، نشأت عقبات حالت دون تطبيق ما اتفق عليه بين الجانبين. وهذا ما يفسر على السواء تأخر تشكيل تلك الحكومة وزيارة العاهل السعودي. ويقول مصدر وزاري لبناني أن دمشق اضطرت الى فرملة التقارب مع الرياض نتيجة الاعتراض الإيراني على تسارع خطواته، وأن القيادة الإيرانية أبلغت الرئيس بشار الأسد اعتراضها هذا بوضوح خلال الزيارة التي قام بها لطهران في 19 آب (أغسطس) الماضي تحت عنوان تهنئة الرئيس محمود أحمدي نجاد على إعادة انتخابه. ويضيف المصدر الوزاري: «نجحت طهران في وقف الاندفاعة السورية - السعودية، وفي تصوير أسباب تأخر زيارة العاهل السعودي دمشق على أنها بفعل الاعتراض الأميركي والمصري، في وقت كانت الرياض طمأنت القاهرة الى أهداف هذا التقارب وتجاوزت الأسئلة الأميركية في هذا الصدد، بينما الحقيقة كانت أن طهران أبدت تشدداً حيال الخطوات السورية في اتجاه السعودية». تطورات دراماتيكية ويعتبر المصدر أن التطورات الدراماتيكية التي تسارعت دولياً وإقليمياً أنشأت دينامية دفعت دمشق الى تخطي الاعتراض الإيراني لأسباب موضوعية تتعلق بمصالحها. ويعدد المصدر هذه التطورات على خطين متوازيين هما: الضغوط الدولية على إيران في شأن ملفها النووي والتي أدت الى فتح نافذة للتفاوض معها، وخليط الضغوط والاغراءات التي تعرضت لها سورية خلال الشهرين الماضيين والتي تعاطت معها القيادة السورية بمرونة سمحت لها بتقطيع مرحلة حرجة. وجاءت القمة السعودية - السورية في سياق هذا التعاطي وتتويجاً له. فعلى صعيد الضغوط ضد إيران تزامن التحضير الاوروبي - الأميركي لتصعيد اللهجة في شأن الملف النووي الإيراني والتهيؤ لفرض المزيد من العقوبات عليها مع قرار الرئيس باراك أوباما في 17 أيلول (سبتمبر) سحب مشروع الدرع الصاروخية في أوروبا الوسطى، ما أدى الى إزالة سبب أساسي للخلاف مع روسيا، والى إراحة علاقة واشنطن وموسكو بحيث باتت الأخيرة أقرب الى التعاون مع واشنطن في مواجهة طهران واستعدادها للقبول بفرض العقوبات عليها. وهو ما دفع طهران لاحقاً الى القبول بما كانت ترفضه سابقاً، أي نقل تخصيب اليورانيوم الى روسيا في المفاوضات التي انطلقت في جنيف، والى التسليم بتفتيش منشآتها النووية الجديدة القديمة في قم والتي كشفها الأميركيون بطريقة اضطرتها الى الاعتراف بوجودها. وعاد التناغم الغربي - الروسي الى التعاطي مع الملف النووي الإيراني في شكل مكثف بحيث يضطر طهران الى التعامل مع الموقف الدولي بجدية بعدما كانت تستفيد من تباينات في التشدد حيالها. وأدى ذلك الى إطلاق مفاوضات تضع العلاقة الدولية - الإيرانية أمام مفترق: إما التوصل الى صفقة، أو الانتقال الى مزيد من العقوبات مع أبقاء الخيار العسكري قائماً. ويقول المصدر الوزاري نفسه انه يفترض مراقبة مجريات المفاوضات بين إيران والغرب من زاوية الأثمان التي تهتم الأولى لها وهي ضمان استقرار النظام الذي يتهم الدول الغربية بالسعي الى تقويضه، وضمان دور طهران الإقليمي، لا سيما في العراق. والجانب الإيراني يهتم بالوضع اللبناني من زاوية إبقائه ورقة في يده في مواجهة الضغوط عليه في حال تعثرت المفاوضات أو فشلت. هذا على رغم تراجع التحريض الإسرائيلي على طهران بحكم حصول أول لقاء ثنائي علني أميركي - إيراني (اجتماع وليام بيرنز وسعيد جليلي في جنيف ولقاءات وزير الخارجية منوشهر متقي في واشنطن مع أعضاء من الكونغرس) إذ أن إيهود باراك أعلن أن إيران ليست خطراً داهماً على إسرائيل. ضغوط واغراءات أما بالنسبة الى سلسلة الضغوط والإغراءات على سورية فيشير المصدر الوزاري الى أن اتهامها بالتفجيرات التي وقعت بالتزامن مع زيارة الأسد طهران والمطالبة بمحكمة دولية ضدها، وضعها أمام خطر تطويق جديد لها، في وقت تعتقد هي وحلفاؤها في لبنان أنها تخطت مخاطر المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وفي معلومات المصدر نفسه أن التحرك السوري بمواكبة موقف غربي (أميركي - أوروبي) وروسي فاتر تجاه المحكمة الدولية التي طالب بها العراق، بالتعاون مع تركيا، وتفويض دمشقأنقرة معالجة تصاعد الخلاف السوري - العراقي، نجح الى حد كبير في إخراج سورية من دائرة الاستهداف. وهذا أدى الى تقدم الدور التركي على الدور الإيراني، إذ نجحت أنقرة مقابل عدم نجاح طهران في الوساطة مع بغداد. وتبعَ المفاوضات التي رعتها تركيا انطفاء الحديث عن المحكمة في شأن العراق، وساهم تقدم الأحداث الدولية الأخرى، سواء المتعلقة بالملف النووي الإيراني أم في شأن مفاوضات السلام، مع عقد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 23 أيلول، في تراجع الحديث عن المحكمة. ويعدد المصدر الوزاري سلسلة أحداث رافقت الجهود السورية لرفع الضغط عنها، من بينها: - زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني دمشق في 15 أيلول بعد زيارة قام بها للرياض، شجع خلالها الأسد على أن يشارك في افتتاح جامعة الملك عبدالله التي حصلت في 23 أيلول، بعدما كان الأسد أبلغ الرياض أن وزير التعليم العالي سيمثله في الافتتاح. وشجع عبدالله الثاني الرئيس السوري على استعادة حرارة الاتصالات مع السعودية بعدما فترت منذ تموز (يوليو) الماضي. كما أن العاهل الأردني نقل إليه تفهم الرياض لقلقه من طلب العراق المحكمة الدولية وأن الأخيرة قد تلعب دوراً في شأن خفض أي حماسة دولية لها. - زيارة الأسد تركيا في 16 أيلول التي شجعه خلالها الجانب التركي على زيارة السعودية ومواصلة سياسة الانفتاح عليها. - تكثيف الزيارات والاتصالات الغربية مع دمشق لتشجيعها على التعاون مع المجتمع الدولي في العراق ولبنان، بدءاً بمفوض الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، الى مسؤولين فرنسيين وإسبان وروس حاملين رسائل بالاتجاه نفسه. وبعض هذه الزيارات علني وبعضها الآخر لم يعلن عنه. وبعضها حمل رسائل ينبئ دمشق بأن المجتمع الدولي يتجه الى التشدد مع طهران. وأعقبت هذه الزيارات اندفاعة سورية لتجديد الحوار مع الغرب وأميركا بعد جمودها لأشهر، عبر محادثات وزير الخارجية وليد المعلم مع نظيرته هيلاري كلينتون، ونائبه فيصل المقداد مع مساعد وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان، ثم زيارة المعلم باريس للقاء نظيره الفرنسي برنار كوشنير والأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان، بعدما كانت باريس أبدت استعداداً لتأييد قيام المحكمة الدولية من أجل العراق. - زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل القاهرة في 28 أيلول في سياق تحريك ملف المصالحة الفلسطينية التي لم يكن ممكناً أن تحصل من دون تشجيع دمشق. وعلى رغم تعثر المصالحة بسبب تأجيل السلطة الفلسطينية مناقشة تقرير غولدستون حول ارتكابات إسرائيل في حرب غزة، فإن القاهرة، ردت على ذلك بترحيبها بالقمة السعودية - السورية التي عقدت بعدها وأبدت رغبتها بتحسين العلاقة مع دمشق، خصوصاً أن الرياض استقبلت وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ووزير الاستخبارات عمر سليمان قبل القمة. وينتهي المصدر الوزاري اللبناني الى القول إن زيارة الأسد السعودية، وقرار الملك عبدالله زيارة دمشق الأربعاء الماضي جاءا في سياق هذه اللوحة من التطورات المتسارعة، التي يضاف إليها ما تقوم به إسرائيل حيال المسجد الأقصى والقدس من رفع وتيرة التهويد، بعد رفضها تجميد الاستيطان. ويشير المصدر نفسه الى أنه على رغم أهمية لبنان كموضوع جرى تداوله خلال قمة دمشق، فإنه ليس الموضوع الأساسي، لأن المنطقة تشهد، بين التفاوض الإيراني - الغربي وبين الانفتاح على سورية والتعاون معها في مواضيع تتعلق بالعراق وفلسطين ولبنان في ظل تداخل مواقع التأثير والنفوذ التي تشمل أحداث اليمن الدامية والتي تهم أمن السعودية وحدودها، خلط أوراق وتسارع أحداث ومناورات متعددة الأوجه، وقد يتخللها تبادل للمصالح والأثمان والضغوط... وهذا يجعل لبنان ثانوياً من جهة ويفرض تعاطياً لبنانياً حذراً ودقيقاً مع خلفيات الأحداث وتداعياتها لأن المنطقة برمتها على مفترق طرق.