يقال إن «الصديق وقت الضيق»، ولم يكن للرئيس التركي رجب طيب أردوغان صديق أكثر إخلاصاً من رئيس المحكمة الدستورية العليا هاشم كيليش الذي وقف إلى جانب الأول عندما كادت المحكمة تضع نهاية مبكرة ل»حزب العدالة والتنمية» عام 2008 عندما رفعت ضده قضية بتهمة العداء للنظام العلماني. يومها، ثبتت التهمة على «العدالة والتنمية»، لكن كيليش استخدم نفوذه وصوته المؤثر، ليجد تخريجة جنبت الحزب الحظر والإغلاق، واكتفت المحكمة بفرض غرامة مالية عليه وجنبته «محاولة انقلابية على يد القضاء»، كما وصفها أردوغان في حينه. اليوم، يتهم أردوغان «صديقه» كيليش ب»الانقلابي» الساعي لإسقاط الحكومة بطرق غير شرعية، لأنه ذكره بوعده خفض العتبة الانتخابية أمام الأحزاب لدخول البرلمان والذي أدرجه أردوغان في برنامج حزبه منذ عام 2002. يأتي ذلك نتيجة تدهور العلاقة بينهما منذ رفض المحكمة الدستورية وكيليش قوانين حظر «تويتر» و»يوتيوب». وذهب كيليش أبعد من ذلك، متعهداً بأن تبت المحكمة في طلب إلغاء «العتبة البرلمانية» التي تفرض على أي حزب لدخول البرلمان، الحصول على عشرة في المئة من أصوات الناخبين، وهي «العتبة» التي مكنت «العدالة والتنمية» من السيطرة على نحو ثلثي مقاعد المجلس الاشتراعي طيلة ثلاث دورات متتالية، على رغم أن نسبة التصويت له لم تتجاوز ال48 في المئة. وفي حال بقاء «العتبة البرلمانية» في انتخابات الصيف المقبل، فان تمثيل الأكراد في البرلمان سينتهي كلياً، ما قد ينسف عملية السلام معهم والتي أطلقتها الحكومة. وبعدما كان أردوغان يصف «العتبة البرلمانية» بغير الديموقراطية، فانه بات يعتبر محاولة إلغائها «خيانة»، لعلمه أن ذلك يضع حداً لتفرد حزبه بالسلطة وعودة عهد الحكومات الائتلافية، ويقضي أيضاً على حلم أردوغان بالسيطرة على ثلثي مقاعد البرلمان في الانتخابات المقبلة، من أجل تعديل الدستور وتحويل النظام رئاسياً. وبدأت أحزاب المعارضة اليسارية والكردية تهدد بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات المقبلة، إذا بقيت «العتبة البرلمانية»، فيما يبدو نواب الحزب الحاكم منقسمين على أنفسهم، بعضهم ضاق ذرعاً بسيطرة الرئيس على مفاصل العمل الحزبي والبعض الآخر لا يبالي، طالما أن النظام الداخلي للحزب يحول دون ترشح كثيرين منهم لدورة برلمانية رابعة. وبوجود هؤلاء، فان تصويتا سرياً في البرلمان على تعديل «العتبة» أو إلغائها، لن يكون مضموناً لمصلحة الحكومة، قبل 7 أشهر من موعد الانتخابات البرلمانية. وبات مراقبون يتحدثون عن «نزعة التخوين» لدى الرئيس التركي، والتي طاولت «عراب» الإسلاميين في تركيا نجم الدين أربكان وأيضاً الرئيس السابق عبدالله غل الذي أبعده أردوغان عن الحزب نهائياً، كما أبعد حليفه السابق فتح الله غولن واتهمه بالخيانة، ولا تبدو نهاية في الأفق لنزعة تخوين الأصدقاء تلك.