يتمتع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بكاريزما سياسية يحسده عليها خصومه في المعارضة، معتبرين أنها تشكل أحد اسرار نجاحه السياسي، خصوصاً أنها لم تواجه أي تحدٍ جدي على الساحة السياسية التركية منذ وصوله الى الحكم قبل 8 سنوات. لكن كاريزما أردوغان التي ارتبطت أخيراً بالتصرفات والتصريحات القوية والحادة، باتت مهددة الأن من كاريزما رجل أبعد ما يكون عن الحدة او الغضب، بل أن أفضل ما يمكن أن يُطلق عليه هو لقب «غاندي التركي» لهدوئه وصمته وتواضعه. إنه كمال كيليش دارأوغلو المرشح لزعامة «حزب الشعب الجمهوري» المعارض الأتاتوركي التوجه، بعد استقالة زعيمه السابق دنيز بايكال قبل أسبوعين. ويعقد الحزب مؤتمره العام يومي السبت والأحد المقبلين، من أجل انتخاب رئيس جديد، وقرر مجلسه التنفيذي أن يكون كمال كيليش دارأوغلو المرشح الوحيد، بعد تأييد معظم كوادر الحزب له، ما يعني اغلاق الباب تماماً أمام عودة بايكال الذي تربّع ربع قرن على زعامة الحزب الذي أسسه مصطفى كمال اتاتورك. وكيليش دارأوغلو نائب عن محافظة اسطنبول، على رغم أن جذوره تعود الى العلويين الأكراد كما يقول مقربون منه وكما تفيد تقارير الاستخبارات العسكرية التي وضعته تحت المجهر العام 1998 خلال فترة الانقلاب على رئيس الوزراء الإسلامي نجم الدين أربكان، اذ كان كيليش دارأوغلو يشغل منصب مدير عام مؤسسة الضمان الاجتماعي، ومتهماً بالتعاطف مع الحركات الكردية والعلوية بما في ذلك «حزب العمال الكردستاني» المحظور، وليس من باب دعمه لانفصال الأكراد عن تركيا، بل لجهة تركيبة شخصيته اليسارية التوجه. لذلك فإنه يشترك مع أردوغان بكونه ضحية للجيش الذي سعى أكثر من مرة الى إقصائه عن وظيفته ومضايقته. وانضم كمال كيليش داراوغلو الى «حزب الشعب الجمهوري» مطلع العقد الماضي، ليستفيد الحزب من خبرته السابقة بوصفه مفتشاً عاماً في وزارة المالية والتجارة. ولمع نجمه خلال السنوات الثلاث الماضية، من خلال تعقبه لملفات فساد طاولت نواباً في حكومة أردوغان، إذ استطاع بعد مناظرات تلفزيونية أن يدفع باثنين من أهم مساعدي اردوغان الى الاستقالة من الحزب، بعدما أثبت بالوثائق تورطهم في عمليات فساد، حتى بات يُعرف ب»الرجل الصداع» للحزب الحاكم. لكن على رغم نجوميته التي يغلب عليها طابع رجل الدولة البيروقراطي، حافظ كيليش دارأوغلو على هدوئه وتواضعه وتوجهه اليساري الذي يميّزه عن بايكال الذي كان يقدم مبادئ أتاتورك والعلمانية وعلاقته مع الجيش، على التوجه اليساري الذي يتعطّش إليه ناخبو الحزب. لذلك جاء اختيار كيليش داراوغلو لخلافة بايكال، سريعاً وبديهياً، اذ تراهن عليه كوادر الحزب كي ينقله الى يسار الوسط وينعش التوجه اليسار الديموقراطي الذي تفتقده تركيا، بسبب ربط بايكال تيار اليسار بمبادئ أتاتورك ووصاية الجيش. وأظهر أول استطلاعات الرأي أن شعبية «حزب الشعب الجمهوري» قد تقفز من 24 الى 34 في المئة اذا رأس كيليش دارأوغلو الحزب ونجح في تغيير صورته وإعادة بنائه، متخلصاً من محاولات بايكال لفرض الوصاية من الخارج. ويمكن أن يشكّل ذلك تهديداً حقيقياً لتفرّد «حزب العدالة والتنمية» بالحكم، وكاريزما أردوغان التي تحوّلت من كاريزما الإسلامي المظلوم الى كاريزما صاحب النفوذ والقوة، بعد قضائه 8 سنوات في الحكم وإحاطته نفسه بطبقة مخملية من الاغنياء الذين اصبحت لهم اليد العليا في السياسة والاقتصاد، فيما يتقدم كمال كيليش دارأوغلو في صمت وهدوء، تماماً مثل غاندي، خطوة خطوة الى زعامة الحزب لينافس بعد ذلك على رئاسة الوزراء في الانتخابات الاشتراعية المقررة خريف العام المقبل.