قبل اختراع إيرتز، كان بإمكان الفلسطيني الغزّي التوجّه إلى «الساحة» وسط المدينة، حيث موقف سيارات الأجرة تحديداً ويستقل سيارة متوجهة إلى أي مدينة فلسطينية. يكلّفه الأمر أجرة الطريق فقط، أو انتظار ساعة تحرّك باصات، ليتنقل على طول شارع صلاح الدين، ويعبر مداخل المدن، قبل أن يقرّر بمحض إرادته النزول في أي مدينة. أو كان يقود سيارته الخاصة مساء يوم ممل ليستجم في أي نقطة يراها مناسبة، فامتداد البحر المتوسط كله متاح، من رفح حتى عكا. الجغرافيا والطريق والتاريخ ملكه، من إيلات حتى صفد، ومن غزة حتى أريحا، لا أحد يعترض طريقه أو يسأله: أين تذهب؟ بدأت إيرتز كنقطة تفتيش عسكرية تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي على شارع صلاح الدين. تدهورت الأوضاع الأمنية، واشتعلت الانتفاضة الأولى في كانون الأول (ديسمبر) 1987. وبدأت منذ تلك السنة إجراءات المرور عبر إيرتز تتعقد. فُرض على الراغبين بالمرور طلب استصدار بطاقة ممغنطة يقدّم للإدارة المدنية، وتُعدّ البطاقة بمثابة «شهادة حسن سلوك أمنية»، ولا تصدر إلا بعد موافقة جهاز المخابرات الإسرائيلي، ويشمل تقديم الطلب المرور بجولات من التحقيق. ويعد الحصول عليها إجراء أولياً لطلب تصريح المرور إلى الداخل المحتل، والوصول إلى الضفة. مع توقيع اتفاق أسلو، وقدوم السلطة إلى الأراضي الفلسطينية، وكحل للبعد الجغرافي بين غزة والضفة، اتفق الطرفان على إنشاء «ممر آمن» يصل بين بلدة ترقوميا جنوب الضفة، وحاجز بيت حانون شمال قطاع غزة، بطريق تمتد إلى 40 كيلومتراً، تنطلق منه قوافل الباصات يومياً. ينصّ البرتوكول الخاص بالممر بحسب الاتفاقية على ضرورة عمله بما لا يقل عن 10 ساعات يومياً لتسهيل مرور الأفراد من نقطة إيرتز، والبضائع عبر حاجز كارني. ظل الممر الآمن يربط بين الداخل المحتل والضفة الغربية من جهة، وقطاع غزة من جهة أخرى حتى بداية انتفاضة الأقصى عام 2000، حين قامت قوات الاحتلال بإغلاق الممر بشكل كامل. تحوّلت نقطة التفتيش، والممر الآمن إيرتز إلى «معبر» تعقدت فيه الاجراءات الأمنية، وأصبحت هناك شروط تعيق الحركة، تتعلق بالسن (ما دون ال16 وما فوق 40) بالإضافة إلى البطاقة الممغنطة. ومع الانسحاب الاسرائيلي عام 2005، وفك الارتباط مع قطاع غزة، زادت التعقيدات على المرور من خلال حاجز إيرتز، خصوصاً بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية 2007، حيث بدأ حصار غزة وأُغلق المعبر بشكل كامل إلا أمام بعض الحالات المرضية الخطيرة، والزيارات المتعلقة بالوفاة والزواج للأقارب من الدرجة الأولى بالنسبة للفرد الفلسطيني العادي، إضافة إلى مرور أصحاب رؤوس الأموال- التجار وكبار المقاولين- وقيادات السلطة، والعاملين في المؤسسات الدولية، بإقامات محددة، بعد طلب تصاريح مرور، كذلك، مرور بعض العائلات المسيحية لحضور الشعائر الدينية الكبرى، حيث يعيش نحو 2500 مسيحي في قطاع غزة. وأثناء زيارة البابا فرانسيس لفلسطينالمحتلة عام 2014، غادر حوالي 600 فلسطيني مسيحي قطاع غزة، ورفض الاحتلال إصدار تصاريح لمن تتراوح أعمارهم ما بين 16 - 35 عاماً. استطاع بعض الفلسطينيين زيارة غزة بطريقة التفافية، بعبور جسر الملك حسين إلى عمّان، ثم عبر القاهرة- ميناء نويبع أو مطار القاهرة- ثم إلى رفح لدخول غزة عبر المعبر، أو عبر الأنفاق، ولم يستطع أهل الداخل فعل ذلك، حيث تم اعتقال كل من دخل غزة ويحمل جواز السفر الإسرائيلي، على اعتبار أن غزة منطقة معادية، وحذفت من خريطة فلسطين الانتدابية الواقعة تحت الإحتلال. لم تستمر هذه الطريقة لفترة طويلة، فقد انتهت الفترة الذهبية للأنفاق، وانفصلت غزة عن عمقها الجغرافي والوطني بشكل كامل، وظلت إيرتز نقطة مرور المحظوظين. الفلسطينيون القادمون إلى غزة بطريقة قسرية بموجب اتفاقيات إسرائيلية/ فلسطينية مجموعتان: مبعدو كنيسة المهد 2002، وعددهم 16 فلسطينياً، أغلبهم من مدينة لحم، بعد حصارهم في الكنيسة، والمجموعة الثانية: مبعدو صفقة شاليط 2010، وعددهم 41 فلسطينياً. هذان أهم انتقالين جماعيين بين غزة والضفة منذ انتفاضة الأقصى. بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة 2006، غادرت مجموعة من العائلات إلى الضفة الغربية غالبيتها مسجلة في الأوراق الرسمية من المقيمة في مدن الضفة، وانتقلت للعيش في قطاع غزة كونه مركز وجود السلطة الفلسطينية آنذاك. «التنقّل والحركة» مشكلة الجميع نتيجة للقطع الجغرافي الذي تعرّض له قطاع غزة- بمختلف مستوياته- منذ الانتفاضة الأولى 1987، مروراً بالتحولات التي مرّ بها المدخل الشمالي للقطاع- معبر إيرتز- وما تلاه ذلك من إغلاق لمعبر رفح- المدخل الجنوبي للقطاع- وما أثر ذلك على حركة الأفراد من قطاع غزة وإليه، تحوّل القطاع إلى منطقة جغرافية منعزلة، ثقافياً واجتماعياً عن عمقها الفلسطيني شمالاً، والعربي جنوباً. وتناقل عدد من وسائل الإعلام أخيراً معلومات عن وجود تسهيلات للمواطنين من قطاع غزة، تتمثل باستصدار تصاريح مرور للصلاة داخل المسجد الأقصى في رحلة مدتها 6 ساعات لمن يزيد عمره عن 60 عاماً، برسوم تكلفتها 65 شيكلاً، وصرّح حسين الشيخ، مسؤول ملف الارتباط المدني مع الجانب الإسرائيلي، أن هناك تفاهمات حول تسهيل مرور حركة سكّان قطاع غزة إلى الضفة الغربية والداخل خلال الأيام القليلة المقبلة.