بعد رحلة فوتوغرافية لالتقاط معالم جدة الأساسية في عام 2012، عاد الفنان اللبناني زياد عنتر أخيراً بمعرضه الشخصي الثالث في «غاليري أثر» بجدة، موثقاً التحولات والتغيرات التي تشهدها الأبنية والمنحوتات المنصوبة في شوارعها. إذ قادته طبيعته بصفته فناناً لرؤية الأعمال الفنية ومهتماً بقصتها بغض النظر عن نوعيتها وكميتها وموقعها من الجودة، لأنها تشي بالشغف والكبت لدى السعوديين، إما تجاه التغير أو عدمه، وهو فعل توثيق للعلاقة بين جمهور الفن والمساحات التي يشغلونها والتحولات فيها. المعرض اُستعملت فيه كاميرا وعدسة بلاستيكيتان، ويفسّر الفنان هذا الاختيار بأنه «أولاً لسهولتها، وثانياً لأني لم أطلب إذناً للتصوير، صوّرت مشروعاً في الأمارات ولم يكن لي إذن، وذات الأمر هنا، أنتمي إلى هذا العالم وأشعر أنه من حقي أن أصوّر بلا إذن مسبق في كل أنحائه، وهذه المنحوتات والأبنية والأشياء القائمة وجدت لكي يتفاعل معها الناس، وكلهم لهم الحق في تصويرها، اليوم لدى كل شخص تقريباً كاميرا جوال في جيبه، والجميع يلتقط الصور ويوثّق، أعتقد أن حرية التوثيق ملك لكل إنسان يتنفس على وجه الأرض، ودائماً ما يجد الفنان عدم اهتمام بعمله من بعض المسؤولين في البلدان العربية»، ويضيف: «ستعطلني الكاميرات المتعددة والحديثة، لكن مع الكاميرا البلاستيكية لا أحد يلاحظ». لم يكتفِ عنتر بالصور الفوتوغرافية وحدها، بل أعاد ابتداع المنحوتات الملتقطة من الصلب من جديد. زياد قال ل«الحياة»: «الصور تمثّل وثيقة تشير إلى تأريخ معين وهو 2012، إذ كانت المجسمات والمنحوتات ملفوفة بقماش أثناء إصلاحات الكورنيش، لحظة التقاط الصورة هو سؤال الحاضر ماذا كان وراء هذا القماش؟ هو سؤال التأريخ، وكيف سيصبح؟ هذا سؤال المستقبل. أعدت صناعة المستقبل من جديد من خلال تجسيم هذه الصورة للمنحوتات المغطاة على ما وجدتها عليه، وهنا سؤال المعرض: هل هي وثائق أم حقائق»؟ فيما يوضح عنتر أن مسافة الاختبار «نجدها محدودة في مكان وفسيحة ومتسعة في مكان آخر، لو كنا في مكان مختلف عن جدة لربما لم تأتني الفكرة، ولما استطعت تنفيذها لو جاءت. في مكان وزمن معينين استطعت تنفيذ ما أفكر فيه، في مرحلة لا أقدر على عملها إلا هنا»، ويشير إلى أن أي زائر للمملكة تبهره الكمية الكبيرة من الأعمال الفنية والتي صنفها بين «الجميلة والبشعة، حيث أن الكثير منها بشع فنياً، لكن هذه الكمية تشبه أي شيء آخر في المدينة. في الفيلم الذي عرضته، ستجد كمية السيارات والطرقات المهولة، وكل شيء متضخم ومتعدد كما في أي مكان آخر بالمملكة، إنها طبيعة المجتمع». عنتر عبّر ل«الحياة» عن تضامنه مع الشاعر والفنان أشرف فياض الذي أصدر مجموعة شعرية بعنوان: «التعليمات بالداخل» ويعاني من التوقيف بسببها حالياً، «أدعو كل فنان لديه أخلاق نبيلة إلى التضامن مع أشرف، من الجميل أن يرد على عمله الفني بعمل آخر مثله، إذا ألّف كتاباً.. من كانت لديه وجهة نظر مختلفة فليؤلف كتاباً، لا أن يؤذيه بطريقة مباشرة، لا أعرف خلفيات الموضوع ولكن من الجميل أن نتحاور».