لم تحمل المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الإيراني حسن روحاني (مباشرة بعد «فشل» المفاوضات حول البرنامج النووي) كثيراً من التأويلات... روسيا مرتاحة للنتيجة التي تم التوصل إليها ولا ترى ضرراً في التمديد. وأشاد بوتين ب «التقدم الملموس» الذي تم تحقيقه خلال اللقاء الأخير لوزراء خارجية «السداسية» وإيران في فيينا. وشدّد الطرفان خلال المكالمة، على ضرورة مواصلة «التعاون البناء» من أجل التوصل إلى تفاهم نهائي بين الطرفين حول البرنامج النووي الإيراني وإعداد اتفاقية في هذا الشأن. هكذا، جاء رد الفعل الروسي هادئاً ومرحباً ب «التقدم» ومتجاهلاً في شكل واضح كل الأحاديث السابقة عن السقف الزمني، حتى أن وزير الخارجية سيرغي لافروف قال في التعليق الأول له إن «التقدم الذي تم ونأمل، يضمن في غضون ثلاثة أو أربعة أشهر وضع وثيقة تتضمن كل المبادئ الأساسية التي سيكون تنفيذها في وقت لاحق موضوع مشاورات وصيغ تقنية». وأضاف: «هذه المفاوضات تجرى منذ زمن طويل نسبياً، إلا أنها تلقت زخماً قوياً خلال العام الأخير بعد التوصل في جنيف إلى خطة مشتركة ونفذت هذه الخطة خلال هذا العام بدقة». لم تتوقف روسيا طويلاً أمام أسباب فشل الأطراف في الالتزام بالسقف الزمني المحدد، وهي أصلاً لم تكن ترحب بفكرة تحديد سقف زمني للمفاوضات، واعتبرت دائماً أن الأهم من المهل هو مضمون الاتفاقات التي يتم التوصل إليها. ولا يخفي محللون روس أن ارتياح موسكو لهذه النتيجة له أسباب تتعلق بمواجهتها الحالية مع الغرب، ومخاوف من أن يكون الاتفاق النووي مع إيران على حساب مصالح موسكو وعلاقاتها مع واحد من الحلفاء القليلين الذين ما زالوا يشاطرون روسيا مواقفها في عدد من الملفات الإقليمية والدولية الحيوية. لذلك، سعت موسكو بطرق مختلفة ل «تعقيد» الموقف أكثر كما قال محللون، ولم تكن مجرد مصادفة أن تعلن موسكو عن توقيع عقود جديدة لبناء محطات تعمل بالطاقة الكهروذرية، وتعزز التعاون النووي بين روسياوإيران تماماً عندما كان وزراء الخارجية يجتمعون في فيينا. إذا كانت المخاوف تتركز في احتمال عقد «صفقة» إيرانية – أميركية، فإن الظروف الإقليمية والدولية ليست مهيأة لذلك حالياً، ما جعل التمديد أفضل الحلول لكل الأطراف. فنياً تعود أسباب الفشل كما رأت مصادر الخارجية الروسية إلى الخلاف في شأن نظام رفع العقوبات. كما كان من الصعب على الطرفين، الاتفاق حول مصير المنشآت النووية التي تشيدها إيران. وفي هذا الصدد، يشير ديبلوماسيون وخبراء إلى عوامل سياسية تعوق التوصل إلى اتفاق بين طهران والغرب، أولها انعدام الثقة بين الجانبين. وإضافة إلى «النظرة المختلفة إلى مشكلة العقوبات» وفق تعبير نائب وزير الخارجية سيرغي ريباكوف، تعلقت المعضلة الثانية التي لم يتسنَّ تذليلها بضمان شفافية البرنامج النووي الإيراني، واضطلاع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بذلك. لكن «إيران لا تتعجل الكشف عن أسرارها النووية، إذ إن التعاون التام مع هذه المنظمة يجب أن يكون، كما ترى السلطات الإيرانية، جزءاً لا يتجزأ من اتفاقية أشمل مع الغرب» كما علقت صحيفة روسية. لكن مصادر الخارجية الروسية، أشارت إلى عنصر آخر لا يقل أهمية، وهو انعدام الثقة بين إيران والغرب. والمخاوف من أن يتم التوصل إلى اتفاقات يستخدمها كل طرف وفق مصالحه وأهوائه. ورأى يوري فيودوروف، عضو مجلس مركز الدراسات السياسية الروسي، أن أسباب الصعوبات في مفاوضات إيران مع «السداسية» ليست فنية، إنما هي سياسية. وأكد الخبير في مقابلة مع مؤسسة إعلامية روسية أن «مسألة عدد أجهزة الطرد المركزي، وكم ألف جهاز منها سيبقى لدى إيران، مسألة لا تهم، في الحقيقة، سوى دائرة ضيقة من الخبراء المعتاشين على حساب كم من الأسابيع ستحتاج إيران لصنع سلاح نووي بعد انسحابها من الاتفاقية المقبلة. أما الساسة فيهتمون بأمر آخر، أي إن كانت إيران سترغب أم لن ترغب في صنع سلاح نووي، وضدّ من ستوجهه، وما هي عواقب استخدامه. والسؤال الأكثر أهمية، هو: هل يمكن منع إيران من صنع السلاح النووي إذا بقي الوضع الحالي قائماً؟ الجواب واضح: كلا، لا يمكن ذلك. وكلما طال أمد العقوبات، اشتدت مصلحة طهران أكثر بالاقتراب من امتلاك السلاح النووي، وضمناً بغرض الحصول على ثمن أعلى مقابل التخلي عنه». من مصلحة إيران التوصل إلى اتفاق في شأن ملفها النووي يرفع العقوبات المفروضة عليها، ويفتح الطريق أمام إعادة تطبيع علاقاتها مع الولاياتالمتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي، للتغلب على المصاعب الاقتصادية التي تواجهها، ولتثبيت أقدامها كلاعب إقليمي مهم في الكثير من الملفات الرئيسية. في المقابل رأى معلق أن المصلحة الإيرانية في الوصول إلى اتفاق، تقاطعت مع مصالح أطراف مجموعة (5 + 1)، لأن الخيار البديل لتسوية ديبلوماسية هو تصعيد التوتر من جديد بين طهرانوواشنطن، وعودة الأخيرة إلى التلويح باستخدام القوة لوقف البرنامج النووي الإيراني، ما سيضع المنطقة أمام عتبة انفجار مواجهة عسكرية من الصعب التحكم بنطاقها ونتائجها وتداعياتها. وهذا ما لا تريده طهران أو واشنطن، على حد سواء. ولاحظ أن واشنطن تدرك أن خيار القوة لن يكون مجدياً في وقف البرنامج النووي الإيراني، وأقصى ما يمكن تحصيله من استخدام هذا الخيار تعطيل البرنامج جزئياً لفترة محدودة، بافتراض أن الولاياتالمتحدة قادرة على تحمل نتائج وتبعات استخدام القوة ضد إيران، وانهيار المسار الديبلوماسي لتسوية الملف النووي الإيراني، في وقت تغرق المنطقة بصراعات دموية. بهذا المعنى، فإن خيار التمديد كان السيناريو الوحيد الممكن، كما أشار رئيس مجلس السياسة الخارجية والأمن فيودور لوكيانوف، مع المسارعة إلى تأكيد أن التمديد لا يعني بحد ذاته ضمانات بأن المهلة الجديدة المحددة ستكون كافية لإنهاء الخلافات وتوقيع اتفاق نهائي. وتكفي قراءة ملاحظات الخبير المقرب من وزارة الخارجية لإدراك كيف تفكر النخبة السياسية الروسية في هذا الموضوع، فهو يشير إلى أن خبرة العلاقات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة دلت على أن لا فائدة من وضع وثيقة والتوقيع عليها ضمن إطار زمني محدد، انطلاقاً من ضرورة الالتزام بالسقف الزمني فقط، لأن هذا المدخل ليس فقط غير فعال في تسوية المشكلات، بل لأنه يضع عراقيل إضافية أمام إجراء مراجعات لاحقاً أو تسوية عقبات تعترض التنفيذ. ويوضح الخبير أن الأمثلة على ذلك لا تعدّ ولا تحصى، وتشمل كل الوثائق تقريباً التي وقعتها روسيا في العقدين الماضيين مع الغرب. ويبدو التحفظ الأساسي في الصياغات التي يتم التوصل إليها تحت ضغط المهل الزمنية، فهي غالباً تنطلق من عبارات فضفاضة ومطاطة وقابلة للتأويلات المختلفة. ما يفتح على خلافات عند التطبيق، ويمنح كل طرف أسباباً للتملص من الالتزامات الموقعة. في هذا الاتجاه، عقد الخبير مقارنة مع الاتفاقات الدولية التي كانت توقع خلال عهد «الحرب الباردة» ليستنتج: «كانت لها أهداف محددة بدقة ونتائج تذهب إليها كل الأطراف، لذلك كان من السهل تطبيقها، وهذا ينطبق مثلاً على اتفاقات خفض الترسانات النووية». في المقابل، فإن غالبية الاتفاقات التي وضعت لاحقاً «تم ترك نهاياتها مفتوحة على التفسيرات»، وهذا الأمر «غدا تقليداً متبعاً في السياسات المعاصرة». إضافة إلى هذه الإشكالية، يطرح لوكيانوف عقدتين عرقلتا التوصل حالياً إلى اتفاق بين طهران والمجتمع الدولي وستظلان تعرقلان إلى أمد غير معلوم مثل هذا الاتفاق. تتعلق الأولى بعدم وجود «اتفاق أساسي» بين طهرانوواشنطن، يجعل التوصل إلى اتفاقات جزئية في أي من الملفات واقعياً وقابلاً للتطبيق كما يضمن آليات لتنفيذه. وهو يرى أن كل أطراف المعادلة المتعلقة بالملف النووي الإيراني تدرك جيداً هذه النقطة. والنقطة الثانية تتعلق بقدرة كل طرف على «الترويج داخلياً» لأي اتفاق يمكن التوصل إليه، فالرئيس باراك أوباما سيواجه صعوبات جدية في ترويج أي اتفاق أمام مجلس نواب معارض ومتشدد حيال طهران، والرئيس حسن روحاني سيواجه صعوبات مماثلة في إقناع المحافظين والمرشد الروحي بجدوى الاتفاق مع واشنطن والمجتمع الدولي. كان التمديد هو الحل الممكن والمقبول في رأي غالبية الخبراء الروس، وهو حل مريح لموسكو في هذه الظروف.