هناك تباين واضح في غايات كل من إسرائيل والمجتمع الدولي بشأن الموقف من برنامج إيران النووي، فمن جانبه، لا يريد المجتمع الدولي أن تزج به أزمة الثقة المتأججة مع إيران وبرنامجها النووي إلى التيه في غياهب جدل عقيم حول حرمان طهران من امتلاك برنامج نووي سلمي بموجب الحق الذي كفلته اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية لعام 1968، التي تعد الركيزة الأساسية لنظام منع الانتشار النووي والتي لا تزال إيران عضواً فيها، بقدر ما ينشد نزع فتيل الأزمة النووية الإيرانية عبر ضمانات من شأنها أن تحُولُ دون تحَوُّل البرنامج النووي المدني إلى آخر عسكري. أما إسرائيل، فتصر من جانبها على تجميد هذا البرنامج نهائياً مخافة أن تستغل طهران تلك المفاوضات وما قد يتمخض عنها من اتفاقات بغرض توفير غطاء سياسي وقانوني لاستئناف برنامجها النووي وصولاً إلى مباغتة العالم بإنتاجها القنبلة النووية. وتأسيساً على ذلك، لا تبدي إسرائيل نية للتنازل عن مقصد تقويض هذا البرنامج كلية وليس تقليصه، بما يحول دون امتلاك طهران قدرات مادية وتقنية تتيح لها إنتاج سلاح نووي في أي وقت. ومن ثم، تطالب إسرائيل الغرب ودول (5+1) باستنساخ الاتفاق الذي توصل العالم إليه مع ليبيا عام 2003، والذي تم بموجبه تصفية البرنامج النووي الليبي نهائياً. وترى تل أبيب في عدم التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، والتوافق بدلاً من ذلك بشأن تمديد المفاوضات لأشهر عدة إضافية، «نتيجة كارثية» بالنسبة إليها، على اعتبار أن ذلك سيعطي إشارات إلى أن القوى العظمى مستعدة للتعاطي بإيجابية مع ما يعتبره الإسرائيليون «حيلاً إيرانية» للمماطلة وكسب الوقت. لذا، لا تريد إسرائيل أن يتوصل المجتمع الدولي إلى اتفاق جديد مع طهران لا يقضي نهائياً على برنامجها النووي وطموحاتها الاستراتيجية، حيث ترى أن أي اتفاق لا يحقق تلك الغاية إنما يتيح لطهران التخلص من العقوبات بغير مقابل، فضلاً عن كسب الوقت والتحايل من أجل إنتاج القنبلة النووية ووضع المجتمع الدولي أمام الأمر الواقع. في غضون ذلك، لم تكف واشنطن عن إرسال التطمينات الى تل أبيب من قبل الرئيس أوباما ووزير خارجيته جون كيري، اللذين اتصلا برئيس الوزراء الإسرائيلي وأطلعاه على مسار المفاوضات، وأكدا التزام واشنطن عدم التوصل إلى اتفاق يمكن أن يهدد أمن إسرائيل، وهي التطمينات التي واكبتها تنازلات إيرانية. وعلى رغم ذلك كله، لم تتورع تل أبيب، التي ترى أنه باستثناء اللهجة اللينة والابتسامة العريضة لا يوجد فارق بين حسن روحاني وسلفه أحمدي نجاد بشأن المفاوضات النووية، ولا تتوقف عن التلويح بمخاوفها من تهاون إدارة أوباما مع طموحات طهران إلى الحد الذي يتيح للإيرانيين امتلاك السلاح النووي بغية توظيف واشنطنإيران ضمن الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، أو جنوح القوى العظمى للتسليم بأن تغدو إيران دولة «عتبة نووية» بحيث تدرك نقطة اللاعودة في أنشطتها النووية بعد أن تكون قاب قوسين أو أدنى من إنتاج السلاح النووي، وذلك من خلال السماح لها باستبقاء الآلاف من أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في تخصيب اليورانيوم، إضافة إلى الإبقاء على المنشآت ذات الصلة من دون تفكيك. ويلاحظ أن حكومة نتانياهو أعلنت أنها لن تتوانى في مساعيها الرامية إلى تقليص فرص التوصل لأي اتفاق مع إيران ودفع القوى العظمى نحو استبقاء وتشديد العقوبات المفروضة عليها. وفي هذا الإطار، هدد نتانياهو إدارة أوباما بتجاوز الرهان عليها وحدها في هذا المضمار عبر السير في مسارين متوازيين: أحدهما سياسي، يتجلى في التنسيق مع الكونغرس، الذي أمسى في قبضة الجمهوريين، لاستجداء وقوفه ضد أي اتفاق لا يلبي المطالب الإسرائيلية. وهو التوجه الذي حذر منه المعلق في القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي نداف إيال، معتبراً «أن الفوز الذي حققه الجمهوريون يمكن أن يدفع أوباما لعقد صفقة مع الإيرانيين كي تمنحه الفرصة لترك أثر تاريخي على صعيد السياسة الخارجية لبلاده، بعد أن تهاوت آماله في إحداث تغيير أو تحقيق إنجازات على مستوى الداخل الأميركي عقب فوز الجمهوريين». أما ثانيهما، فكان مساراً إعلامياً، تمثل في تكثيف المقابلات مع وسائل الإعلام الرائدة في الولاياتالمتحدة بغية التأثير في الرأي العام الأميركي وإقناعه بخطورة الاتفاق مع إيران. وفي مقابلة أجرتها معه إذاعة الجيش الإسرائيلي، أكد وزير الاستخبارات الإسرائيلي أن «إسرائيل مستعدة للتواصل والتنسيق مع العالم بأسره للحيلولة دون التوصل لاتفاق مع إيران لا يراعي المصالح الإسرائيلية». ولم يشكك المسؤول عن تنسيق الجهود الإسرائيلية ضد البرنامج النووي الإيراني، وزير الاستخبارات الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، بنجاح إسرائيل في تغيير مسار المفاوضات الحالية مثلما نجحت في التأثير بمجريات مفاوضات جنيف قبل ستة أشهر، حينما تمكنت من تغيير صيغة الاتفاق الموقت، الذي تم التوصّل إليه في آخر 24 ساعة قبل توقيع مختلف الأطراف عليه، إذ تسنى للدبلوماسية الإسرائيلية في حينه تضمين ذلك الاتفاق، في اللحظات الأخيرة، بنداً يحرم إيران من الحق في مواصلة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة. * كاتب مصري